37/04/28


تحمیل
الموضـوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الرواية السابعة:- محمد بن الحسن بإسناده عن ابن أبي عمير عن يونس بن يعقوب قال:- ( قال لي أبو الله عليه السلام:- لا تعنهم على بناء مسجد )[1].
ودلالتها على التحريم واضحة لأنه عليه السلام نهى عن إعانتهم والضمير يرجع إلى الظالمين، فدلالتها على التحريم وجيدة، ولكن التعدي من المعونة في بناء المسجد إلى غيره شيء مشكل، لأنّ الموجب للتعدي إما الاطلاق والمفروض أن موردها خاص لا اطلاق فيه لأنه عليه السلام لم يقل لا تعنهم فلو كان يقول ( لا تعنهم ) لكنا نتمسّك بالإطلاق، ولكنه قال ( لا تعنهم على بناء مسجد ) فلا يوجد إطلاق بل هو مقيد.
أو نتمسّك بإلغاء خصوصية المورد، وهذا مشكل أيضاً، باعتبار أننا نحتمل خصوصية للمسجد في تلك الفترة فإنه كان يمثل البيت الرئاسي والحكومي وفيه تُحَلّ القضايا، ويكفينا إبداء الاحتمال بأن المسجد له خصوصية، فالتعدي إلى كلّ إعانة ولو إلى غير المسجد شيء مشكل، فإذن موردها المسجد ولا يمكن استفادة الأكثر من ذلك.
الرواية الثامنة:- موثقة السكوني التي رواها الشيخ الصدوق في عقاب الأعمال عن محمد بن الحسن[2] عن الصفار[3] عن العباس بن معروف عن ابن المغيرة عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال :- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين أعوان الظلمة ومن لاق لهم دواة[4]أو ربط كيساً أو مدّ لهم مدّة قلم[5]فاحشروهم معهم )[6].
والسند - كما ذكرنا - يمكن تتميمه.
وأما من حيث الدلالة فيمكن أن يقال:- إنها واردة مورد العتاب والتوبيخ، حيث قالت الرواية:- ( أين اعوان الظلمة ) وهي لم تقل إنهم في جهنم بل لعلهم يشهّر بهم يوم القيامة، فهذا توبيخٌ أو إزراءٌ بهم أو تحقيرٌ لهم، ثم قال ( ومن لاق ) أي من لاق لهم دواةً فهذا توبيخ أيضاً، وكذلك قوله ( أو ربط كيساً ) فهو توبيخ.
إن قلت:- إنّ قوله ( احشروهم معهم ) يثبت أن أعوان الظلمة في النار.
قلت:- إنه لم يظهر من هذه الرواية أن أعوان في النار، بل أقصى ما يظهر منها هو التوبيخ حتى لأعوان الظلمة.
نعم بمكن أن يقال:- إنّ أعوان الظلمة من المسلّم من الخارج أنهم في النار فإنّ هذا لا كلام فيه وسوف نتحدث عنه فيما بعد، فإذا ثبت من الخارج أنّ أعوان الظلمة في النار فهؤلاء حينئذٍ - أي من لاق لهم دواة أو ربط كيساً - سوف يحشرون مع أعوان الظلمة أو أعوانهم، فمادام قد ثبت من الخارج أنّ الظلمة أو أعوانهم في النار فإذن يتمّ مطلوبنا ولكن بضمّ مقدّمة مسلّمة من الخارج، وهذا طريقٌ لا بأس به.
نعم قد يورد عليه:- بأنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية آنذاك هو حرمة العمل الذي يرتبط بظلمهم، يعني الاعانة في ظلمهم كمدّة القلم التي يكون فيها ظلم وإعانة على الظلم، ولاق دواةً يعني إعانة ولكنها الاعانة التي فيها الظلم، أمّا أنه يوجد فيها اطلاق للإعانة لكلّ محرّم أو حتى للمباح فهذا مشكلٌ.
أما كيف نثبت أنّ غاية ما يثبت بهذه الرواية هو حرمة إعانتهم في ظلمهم لا أكثر من ذلك ؟
والجواب:- نثبت ذلك:-
إمّا ببيان:- إنّ الرواية ليست في مقام البيان من هذه الناحية، يعني ( من لاق لهم دواة ) هل هو محرّم بجميع أقسامه أو في بعضه ؟ فهي ليست في مقام البيان من هذه الناحية، فنقتصر على القدر المتيقن وهو الاعانة في ظلمهم.
أو ببيان:- أن نقول إنه بقطع النظر عمّا ذكرنا يمكن أن يقال إنّ الرواية قالت:- ( أين أعوان الظلمة ..... ومن لاق لهم دواة ) فحينما يقال ( ومن لاق للظلمة دواة ) فبقرينة ( للظلمة ) يعني في مجال ظلمهم، فهذا الاحتمال موجودٌ فتصير الرواية مجملة من هذه الناحية حيث اتصل بها ما يصلح للقرينية فلا ينعقد لها إطلاق.
الرواية التاسعة:- رواية العياشي[7] في تفسيره عن سليمان الجعفري قال:- ( قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام:- ما تقول في أعمال السلطان، فقال:- يا سليمان الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار )[8].
ووجه الدلالة على التحريم:- هو قوله عليه السلام ( عديل الكفر ) فهذا يدلّ على التحريم، والحمل على أنّ المقصود هو المبالغة أو زيادة التحذير أو غير ذلك لا داعي إليه، أمّا قوله ( النظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار ) فلا نحتاج إليه.
ولكن قد يقول قائل:- إنّ هذا التعبير يدلّ على أن المسألة مسألة زيادة تحذير وإلا فليس التحريم تحريماً حقيقياً بقرينة أن النظر إليهم على العمد كيف يكون من الكبائر التي يستحق بها النار ؟!!
وجوابه:- إنه يمكن الالتزام بأنّ النظر إلى الظَلَمة كذلك فيما إذا كان نظراً تحبّبياً ومع طلاقة الوجه وانفتاحه، فأيّ مانعٍ في أن نلتزم بالحرمة وأنه يستحقّ به النار ؟!! ولعل هذا هو المقصود، أي لعلّ المقصود هو أنك تنظر إليهم كما تنظر إلى المحبّ والصديق، فالرواية إذن يمكن الالتزام بدلالتها على التحريم.
ولكن قد يقال:- إنّ المقصود من العون لهم أي العون لهم في ظلمهم والسعي في حوائجهم، يعني التي ترتبط بظلمهم، فتكون حينئذٍ خاصّة بالإعانة كما أوردنا على الرواية السابقة فهنا أيضاً كذلك.
ولكن المهم أنها ضعيفة السند بالإرسال كما ذكرنا.
الرواية العاشرة:- محمد بن يعقوب علي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن اسحاق عن عبد الله بن حمّاد عن علي بن أبي حمزة قال:- ( كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال لي أتأذن لي على أبي عبد الله عليه السلام ؟ فاستأذنت له فأذن له، فلما أن دخل سلّم وجلس ثم قال:- جعلت فداك أني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً وأغمضت في مطالبه، فقال أبو عبد الله عيله السلام:- لولا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلا ما وقع في أيديهم، قال:- فقال الفتى، فقلت جعلت فداك فهل لي مخرج منه ؟ قال:- إن قلت لك تفعل ؟ قال:- أفعل، قال له:- فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت به وأنا أضمن لك على الله عزّ وجلّ الجنة، فأطرق الفتى طويلاً ثم قال:- لقد فعلت جعلت فداك، قال ابن أبي حمزة:- فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئاً على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه، قال:- قسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة، قال:- فما أتى عليه أشهر قلائل حتى مرض فكنّا نعوده، قال:- فدخلت يوماً وهو في السَّوْقِ، قال:- ففتح عينه ثم قال لي:- يا علي وفى والله صاحبك، قال:- ثم مات فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله فلما نظر إلي قال لي يا علي وفينا والله لصاحبك، قال:- فقلت صدقت جعلت فداك هكذا والله قال لي عند موته )[9].
فإنه قد يتمسّك بهذه الرواية لإثبات حرمة الاعانة.


[2] وهو بن الوليد استاذ الشيخ الصدوق.
[3] وهو محمد بن الحسن الصفّار.
[4] لاق الدواة أي وضع فيها حبراً.
[5] أي وضع القم في المحبرة.
[7] وقلنا في مرة من المرات أنه حينما نقول العياشي في تفسيره يعني مرسل عادة.