37/03/23


تحمیل
الموضـوع:- الغناء في الأعراس - مسألة ( 17 ) حكم الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وفي تحقيق هذا المطلب نقول:- عرفنا أن الكنية المذكورة مردّدة بين خمسة أشخاص، ولابد من حذف الخامس من الحساب باعتبار أنّه يروي بالواسطة عن الإمام العسكري عليه السلام لأنّ الكشي قال في ترجمة يونس:- ( روي عن أبي بصير حماد بن عبيد الله بن أسيد الهروي عن داود بن القاسم أن أبا جعفر الجعفري قال أدخلنا كتاب يوم وليلة الذي ألّفة يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري )، فهو من المتأخّرين، يعني لو أردنا أن نسلّم فهو في زمان العسكري عليه السلام مثلاً لا أنّه متقدّمٌ، بينما الروايات الواردة عن أبي بصير هي عادةً عن الإمام الباقر أو الصادق أو بإضافة الكاظم عليهم السلام، فهذا الرجل لابدّ من حذفه من الحساب، فيدور الأمر بين الأربعة، ونؤكد أن هؤلاء الأربعة يروي كلّهم أو لهم القابلية أن يروون عن الباقر عليه السلام.
أمّا الأوّل والثاني[1]:- فقد عدّوا من قبل النجاشي والشيخ(قده) بأنّهم من أصحاب الباقر والصادق بل والكاظم عليهم السلام.
أمّا بالنسبة إلى الأخيرين:- فقد عدّهما الشيخ الطوسي(قده) في أصحاب الباقر - لأنّه عدهم في أسماء أصحاب الباقر عليه السلام كما نقلنا نصّ العبارة السابقة -.
وعلى هذا الأساس سوف تستحكم المشكلة، باعتبار أنّ كلّهم له القابلية لأن يروي عن الإمام الباقر عليه السلام، فكيف نشخصّ الرجل ؟
وفي مقام الجواب نقول:- يمكن أن يقال بأنّ المعروف من هؤلاء الأربعة هما الأوّل والثاني دون الأخيرين.
ثم نضمّ إلى ذلك مقدّمةً أخرى:- وهي أنّ المتكلم العرفي من حقّه أن يطلق الاسم المشترك إذا كان هناك شخصٌ معروفٌ ينصرف إليه هذا الاسم، من قبيل أن نقول ( قال الشيخ الأعظم ) أو ما شاكل ذلك فهو ينصرف إلى الشيخ مرتضى الأنصاري، فحينما يستعمل الراوي كنية أبي بصير ولا يعرِّف المقصود منها فلابد وأن يحمل عرفاً على الشخص المعروف، وقد قلنا في المقدّمة الأولى أنّ المعروف هو أحد الأوّلين[2].
أما كيف نثبت ذلك ؟
والجواب:- ذلك باعتبار أنّهما صاحبا كتابٍ كما نصّ على ذلك النجاشي والشيخ في ترجمتهما وذكرا الطريق إلى الكتاب، بخلاف الأخيرين فإنهما ليس لهما كتاب ولا طريق، فمن هذه الناحية يصير المعروف هو أحد الأوّلين، وحيث إنّ كُلّاً منهما ثقة فلا يؤثر بعد ذلك التردّد بينهما.
وهذا طريقٌ عامٌّ يمكن سلوكه في سائر الموارد، فكلما لاحظنا اسماً مردّداً بين أشخاصٍ وكان صاحب الكتاب واحداً أو اثنين منهم فالبقيّة لابد من حذفهم من الحساب لأنهم ليسوا أصحاب كتب، فهنا أيضاً نطبّق ذلك.
ومما يؤكد معروفيّة الأوّلين:- عبارة الكشي المعروفة التي ذكر فيها أنّه:- ( أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله عليهما السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا أفقه الأوّلين ستة زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي قالوا وأفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري )[3]، فإنّ هذه العبارة ذكر فيها أنّ من جملة الفقهاء الستة أبو بصير الأسدي - أي يحيى بن القاسم - وهذا يظهر منه أنّه رجلٌ معروفٌ بحيث أجمعت العصابة على كونه أفقه وهذا يولّد معروفيّةً له.
ثم قال بعد ذلك:- ( وقال بعضٌ مكان أبي بصير الأسدي أبا بصير المرادي وهو ليث بن البختري ) وهذا معناه أنّ ليث بن البختري أيضاً قد بلغ في المعروفيّة إلى مرتبةٍ بحيث يعدّ في عرضِ ومكانِ الأسدي، فهذا التعبير يدلّ بالتالي على معروفيّة هذين الشخصين.
وعلى هذا الأساس هذان مؤشّران - وهما وجود الكتاب والطريق إضافةً إلى تعبير الكشي - على أنّ المعروف هو أحد الأوّلين.
وممّا يؤكد معروفيّتهما:- تعبير الشيخ الصدوق(قده) في المشيخة فإنّه ذكر طريقه إلى أبي بصير من دون تشخيصٍ، وفي نفس الفقيه أخذ يقول ( روى أبو بصير ..... وروى أبو بصير .....) - يعني مقصوده هو أنّني أرويه بالسند الذي ذكرته في المشيخة - ولكنه لم يشر إلى أنّه من هو فيظهر أنّ هذه إحالة على شخصٍ معروفٍ لا حاجة إلى أن يشخّصه، يعني لو كانت هناك حالة تردّد بين الخمسة لما صنع الشيخ الصدوق ذلك فإنّ طريقه إلى معيّنٍ فلابد وأن يشخّصه، وعدم تشخيصه يدلّ على أنّه رجلٌ معروفٌ معهودٌ بهذه الكنية لا حاجة إلى تشخيصه، ولكن نحن نعرف من الخارج أنّ هذا الشخص الذي ذكره الصدوق وذكر طريقه إليه هو يحيى بن القاسم بقرينة عليّ بن أبي حمزة البطائني لأنّه في الطريق ذكر أنّه يروي بسندٍ ينتهي إلى عليّ بن أبي جمزة عن أبي بصير، ونصّ عبارته:- ( وما كان فيه عن أبي بصير فقد رويته عن محمد بن عليّ ماجيلويه رضي الله عنه عن محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن عمير عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير )[4].
فإذن هو قال ( عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير ) فأطلق كلمة ( أبي بصير ) من دون أن يشخّص المعهود فيدلّ ذلك على معهوديّة هذا الشخص بلا حاجة إلى تمييزه، ونحن من الخارج نعرف بقرينة عليّ بن أبي حمزة أنّ الراوي عن يحيى بن القاسم هو عليّ بن أبي حمزة، فإذن هذا واضحٌ في أنّ المقصود هو يحيى بن القاسم.
نعم قد تشكل بإشكالين:-
الإشكال الأوّل:- لعلّ في هذا الطريق تأملاً؛ إذ إنّ ماجيلويه لم تثبت وثاقته، وعلى هذا الأساس هذا السند غير ثابت الصحّة فكيف نتمسّك به ؟
والجواب:- سواء بنينا على وثاقة الشخص أو لم نبنِ عليها فنحن بماذا نريد أن نستدلّ ؟ نحن نريد أن نستدلّ بأنّ الصدوق حينما أطلق كلمة أبي بصير يدلّ على وجود معهوديّةٍ ومفروغيّةٍ عن كون المقصود شخصاً معيّناً معروفاً بينهم وهذا لا يتوقّف على أن يكون السند صحيحاً، فحتى لو فرض أنّ السند ليس بصحيحٍ ولكن أليس هذا يدلّ على أنّ الصدوق عنده شخصٌ معهودٌ معروفٌ يكنّى بهذه الكنية بحث لا حاجة إلى أن يشخّصه ويقول إنّ طريقي إلى أبي بصير الذي هو فلان دون فلان هو هكذا ؟!! فنحن نريد أن نتمسّك بفهم الصدوق وبالمعهوديّة الموجودة عنده وهي لا تتوقّف على أن يكون السند صحيحاً.
الإشكال الثاني:- ربما يشكل ويقال إنّ هذه المعهوديّة معهوديّةٌ عند الصدوق ولكن ليس كلّ ما يعتقده الصدوق يكون حجّة علينا، نعم سوف يثبت عند الصدوق ذلك وهو ينفعه أمّا نحن فلا فإنّ الحجّة علينا هو رواياته التي يرويها أمّا ما عنده من معتقداتٍ والتي منها أنّ المعهود هو يحيى بن القاسم مثلاً فهذا لا يكون حجّة علينا.
وجوابه:- نحن لا نريد أن نقول إنّ الصدوق كان يعتقد كذا وأنَّ اعتقاده حجّة، وإنما نريد أن نقول إنّ هذا يكشف عن أجواءٍ كانت واضحة فحينما يعبّر بأبي بصير فالمقصود هو يحيى بن القاسم - لا من باب اعتقاده وأنَّ اعتقاده حجّة علينا حتى تشكل بهذا الإشكال -، وإذا كان هذا هو المقصود فلا بأس به.
وربما بالتأمل تحصل على مؤيداتٍ ومثبتاتٍ أخرى.
وقبل أن نختم كلامنا عن مسألة الغناء في الأعراس نشير إلى بعض الأمور المرتبطة بذلك:-
الأمر الأوّل:- ذكر غير واحدٍ من الفقهاء ومنهم السيد الماتن(قده) في عبارة المتن أنّ شرط حلّية الغناء في الأعراس عدم الاقتران بمحرّمٍ، ثم أخذ يذكر المحرمات وذكر أربعةً - ولعلّ بقيّة الفقهاء ذكروا ثلاثة - هي عدم التكلّم بالباطل وعدم دخول الرجال على النساء وعدم استعمال الآلات الموسيقية كالطبل وعدم سماع صوت النساء.
ويوجد إشكال على ذلك:-
أمّا بالنسبة إلى عدم التكلّم بالباطل:- فما المقصود من الباطل ؟ فهل المقصود هو الكذب، يعني لا يكون الغناء بكلامٍ كاذبٍ ؟، أو أنَّ المقصود من الباطل هو الكلام المهيّج، فلعلّه ليس بكذبٍ فهو إنشاءٌ والإنشاء لا يتّصف بالكذب ولكنّه مهيّجٌ لمن يسمع ؟، أو أنّ المقصود من الباطل ما يكون عبثاً ولا فائدة فيه ؟
وعلى التقادير الثلاثة لا موجب لعدّ الغناء حراماً، فإنّ الغناء من مقولة الكيفية، فهو كيفيّةٌ في الصوت أو في اللحن بينما الكذب هو صفةٌ للكلام فالكلام يتّصف بكونه كاذباً ومهيّجاً وعبثيّاً.
إذن هذه الأمور الثلاثة حتى لو سلّمنا بأنّها محرّمة - ولعلّ بعضها ليس بمحرّم كالكلام العبثي والذي يعبّر عنه باللهو فإنّه لا موجب لحرمته حيث ذكرنا فيما سبق أنّه لا دليل على حرمته ولكن نحن نغضّ النظر عن ذلك - لكنها من مقولة الكلام، فالكلام اللهوي حرامٌ إذا أردنا أن نقول بحرمته، والكلام المهيّج هو الحرام والكلام الكاذب هو الحرام، فإذا كان الأمر كذاك فكيف يصير نفس الغناء الذي هو من مقولة الكيفية حراماً فإنّهم قالوا هكذا:- ( الغناء في الأعراس جائزٌ بشرط أن لا يكون بالباطل وإلا كان حراماً )، والمناسب إذا أرادوا أن يتسايروا مع الواقع فيلزم أن يقولوا ( وإلا ثبتت الحرمة لا من ناحية الغناء بل من ناحية ذلك الأمر المقترن وهو الكذب ) !!
إلّا اللهم أن يقول قائل:- إنّ ذكر هذا في الكتب العلميّة شيءٌ وجيهٌ، أمّا ذكره في الكتب المطروحة للعوام فلا.
قلت:- هذا لا بأس به، ولكن يدفع الإشكال إذا فرض أنّهم لم يذكروا ذلك في الكتب العلميّة، فإنّه حتّى في الكتب العلميّة يمكن أن نجد ذلك.


[1] يعني يحيى بن القاسم وليث بن البختري.
[2] إن قلت:- إذن يبقى مردد بين الاولين وغير مشخص أي واحد منهما فإذا كان كلاهما معروف فيتحمل أن يكون هذا هو المقصود ويحتمل ذاك هو المقصود يعني ينصرف إلى أحد الاولين ؟ قلت:- هذا لا يؤثر لأن كل واحد منهما ثقة فلذلك غضضت النظر من هذه الناحية.
[4] من لا يحضره الفقيه ( المشيخة )، ج4، ص18.