36/08/18


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الرواية الثانية:- ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال:- ( نهى رسول صلى الله عليه وآله عن التصاوير وقال:- من صوّر صورة كلّفه الله تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ، ونهى أن يحرق شيء من الحيوان بالنار، ونهى عن التختّم بخاتم صفرٍ أو حديد، ونهى أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم ) [1]، والفقرات التي قد يتمسّك بها لإثبات حرمة التصوير والتمثال ثلاث وهي ( نهى رسول صلى الله عليه وآله عن التصاوير ) و ( من صور صورة كلّفه الله تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ ) و ( ونهى أن ينقش شيء من الحيوان على الخاتم ).
ومن الملفت أنّ الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب أشار الى الفقرة الثانية فقط ولم يشر إلى الفقرة الأولى ولا الثالثة وكان من المناسب الإشارة إلى ذلك غايته مثلاً بأن يناقش دلالتها لا أن يتركها رأساً .
وعلى أيّ حال الفقرات التي يمكن التمسّك بها ثلاث والكلّ قابل للمناقشة:-
أمّا الفقرة الأولى:- فيمكن المناقشة فيها من ناحيتين:ـ
الأولى:- إنّ الوارد فيها التعبير بـــ( نهى رسول صلى الله عليه وآله ) بنحو الإخبار لا بنحو الإنشاء، أي هو لم يقل ( أنهاكم عن التصاوير ) وإنما قال ( نهى ) وقلنا إنّ كلمة ( نهى ) الإخبارية هي لازمٌ أعم، فكما تلتئم مع كون الصادر منه هو النهي التحريمي كذلك تلتئم مع كون الصادر منه هو النهي الكراهتي فإنّه على كِلا التقديرين يصدق أنّه نهى صلى الله عليه وآله، وهذا أمرٌ سيّالٌ في جميع الموارد التي هي من هذا القبيل.
الثانية:- يرد عليها ما أوردناه على الرواية السابقة، فإنه لم يذكر فيها أنّه نهى عن صنع التصاوير . إذن يرد عليها ما تقدّم في صحيحة محمد بن مسلم حيث كان الوارد فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر، فقال:- لا بأس ما لم يكن شيئاً من الحيوان )[2]،فالمفهوم هو وجود البأس ولكن بماذا فهل عن الصنع أو أثناء الصلاة أو اللعب بها ؟ إذن الصنع لم يذكر فيها والذي هو محلّ الكلام.
وبالجملة: كلّ ما قلناه هناك يأتي هنا أيضاً.
وأمّا الفقرة الثانية:- فهي وإن وردت في التصوير والصنع والإيجاد حيث قال ( من صوّر صورة كلّفه الله تعالى... ) ولكن كيف نستفيد منها التحريم؟ فإنّه لم يذكر فيها ( عذبه الله أو أدخله النار وما أشبه ) وانما الوارد هو ( كلّفه أن ينفخ فيها ) فلعلّ القضيّة توبيخيّة، يعني بما أنّك صوّرت فتعال وانفخ فيها، فالتوبيخ يلتئم مع الكراهة أيضاً وليس هو لازماً مساوياً للتحريم. ومن الغريب بأن يتمسّك بهذه الفقرة من دون تقريب!
إذن استفادة التحريم منها شيءٌ مشكل.
وأما الفقرة الثالثة:- فيرد عليها ما تقدّم من أنّ كلمة ( نهى ) هي الإخبارية واستفادة التحريم منها شيءٌ مشكلٌ.
ويرد عليها أيضا:- بأنّ مدلولها إمّا النهي عن لبس الخاتم المنقوش بالحيوان أمّا أنّ نفس التصوير محرّم فهي ليست ناظرة إليه، وإمّا أن يكون النهي عن نفس النقش يعني أنّ النقش على الخاتم - بغضّ النظر عن اللبس - منهيٌّ عنه، وتكون حينئذٍ أخصّ من المدّعى إذ غاية ما يثبت هو أنّ النقش على الخاتم منهيّ عنه أمّا أنّ مطلق التصوير ولو على الورقة فلا يستفاد منها ذلك، اللهم إلّا أن يجزم بإلغاء الخصوصيّة للخاتم، ودعوى الجزم بذلك لعله أمرٌ صعب.
إذن اتضح من هذا كلّه أنّ التمسّك بهذه الرواية لإثبات التحريم شيءٌ مشكلٌ . هذا من حيث الدلالة.
وأمّا من حيث السند:- فقد قلنا بأنّ الشيخ الصدوق قد رواها بإسناده عن شعيب بن واقد، وإذا رجعنا إلى مشيخة الصدوق لوجدنا السند يشتمل على مجموعة مجاهيل، مضافاً إلى أنّ شعيب بن واقد مجهول الحال، نعم الحسين بن زيد ربما يوثّق.
إذن الرواية من حيث السند قابلة للمناقشة أيضاً.
الرواية الثالثة:- صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( لا بأس بتماثيل الشجر ) ، بتقريب:- أنّ نفي البأس عن تماثيل الشجر يدلّ بالمفهوم على وجود البأس في تماثيل غير الشجر، وبذلك تثبت حرمة تمثال الحيوان وما أشبه مثلاً.
ويرد عليه:-
أمّا من ناحية الدلالة:- فإنّ استفادة المفهوم المذكور - وهو مفهوم الوصف - شيءٌ مشكل، ولكن لو سلّمنا بذلك وسلّمنا بأنّ البأس يدلّ على التحريم كما ذهب إليه الشيخ النراقي(قده) وغضضنا النظر عن قضيّةٍ أخرى وهي أننا لو أردنا أن نأخذ بالمفهوم فلازمه أن يكون رسم الشجر لا بأس به ولكن رسم الحجر والجدار وما أشبه ذلك فيه بأس ولا ينحصر البأس بالحيوان فقط.
إنّنا لو غضضنا النظر عن كلّ هذا فيرد عليها ما أوردناه على الرواية الأولى والثانية على بعض الشقوق والفقرات حيث قلنا إنّ الصنع لم يذكر، فهي لم تقل ( لا بأس بصنع تماثيل الشجر )، وعليه فالمقدّر حينئذٍ ليس بمتعيّنٍ ولعله شيءٌ أخر كما أشرنا سابقاً.
إذن هذه الرواية أمرها مشكلٌ من حيث الدلالة.
وأمّا من حيث السند:- فسندها جيّدٌ لولا نقل الحرّ لها من محاسن البرقي، وذكرنا سابقاً أنّ طرق الحرّ إلى المحاسن يحتمل أن تكون تبرّكية، ولكن في خصوص المقام ربما يقال إنّ صاحب البحار قد نقلها عن محاسن البرقي أيضا مما قد يولّد للفقيه اطمئناناً بأنّها ثابتة في المحاسن حقّاً.
الرواية الرابعة:- موثّقة - أو رواية - أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- أتاني جبرئيل فقال:- يا محمد إنّ ربّك يقرئك السلام وينهى عن تزويق البيوت. قال أبو بصير:- فقلت:- وما تزويق البيوت؟ قال:- تصاوير التماثيل ) [3]، وواضح أنّه عليه السلام لم يفسّر أصل التزويق الذي هو عبارة عن التحسين والتجميل بل فهم من أبي بصير السؤال عن التزويق بأيّ شيءٍ يكون ؟ فقال عليه السلام:- بتصاوير التماثيل.
والكلام فيها يقع تارةً من حيث السند وأخرى من حيث الدلالة:-
أمّا من حيث السند:- فقد رويت بطريقين كلاهما قد يكون محلّاً للإشكال، الأوّل ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد الجوهري عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير )، والثاني ( البرقي في المحاسن عن أبيه عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير )، وكِلا الطريقين قد يناقش فيه.
أما الطريق الأوّل:- فباعتبار القاسم بن محمد الجوهري فإنّه لم يثبت توثيقه، وربما يضاف عليّ بن أبي حمزة - على الخلاف -.
وأما الطريق الثاني:- فباعتبار أنّ الحرّ قد رواها عن محاسن البرقي فتأتي شبهة الطرق التبرّكية كما أشرنا، ولكن قد يتغلّب على المشكلة السنديّة بأنّ اتفاق كِلا الطريقين على نقل هذه الرواية عن محمد بن خالد البرقي يورث الاطمئنان بأنّه قد رواها حقّاً، ونتغلّب حينئذٍ على مشكلة القاسم بن محمد الجوهري بأنّ محمد بن خالد في الطريق الآخر قد رواها عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير من دون وجود القاسم بن محمد الجوهري، وكذلك البطائني، فلا مشكلة من هذه الناحية.
إذن قد يحصل الاطمئنان بهذا الشكل.
وأمّا من حيث الدلالة:- فيمكن أن يقال إنّها أجنبية عن المقام، باعتبار أنها ناظرة إلى تزويق البيوت فغاية ما يثبت هو أنّ الرسم على حيطان البيوت مثلاً شيءٌ محرّم ولا يثبت بذلك أنّ أصل التصوير محرمّ وإنما المحرّم هو هذه الحصّة، فالدلالة من هذه الناحية ضعيفة، نعم لا تأتي مناقشتنا السابقة من أنّ كلمة (نهى) لا تدلّ التحريم لأنها إخبارٌ باعتبار أنّ الوارد فيها هو ( إنّ ربك يقرئك السلام وينهى عن تزويق البيوت )، وكلمة ( وينهى ) يمكن أن يقال بأنها إنشاءٌ وليس إخبار، وإذا كانت إنشائيّة فظاهر المادّة هو التحريم، ولكن مع ذلك فالدلالة ضعيفة إذ غاية ما تدلّ عليه هو حرمة هذه الحصّة الخاصّة ولا تثبت لنا حرمة أصل التصوير.