36/06/25


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 12 )، مسألة ( 13 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
مسالة ( 12 ):- المراد بالمنفعة المحلّلة المجوّزة للبيع الفائدة المحلّلة المحتاج إليها حاجةً كثيرة غالباً الباعثة على تنافس العقلاء على اقتناء العين سواء أكانت الحاجة إليها في حال الاختيار أم في حال الاضطرار كالأدوية والعقاقير المحتاج إليها للتداوي.[1]

احتاط(قده) باعتبار وجود المنفعة المحلّلة المقصودة والأن يريد أن يبيّن ما المقصود من ذلك، المفروض من الناحية الفنيّة أن لا تعقد مسألة مستقلّة لذلك وإنما يذكر هذا المضمون باختصار في ذيل تلك المسألة التي احتاط فيها باعتبار وجود المنفعة المحلّلة المقصودة أو أنّها تبيّن في الهامش.
وقد بّين(قده) ضابطين للمنفعة المحلّلة المقصودة يعتبران بنحو الاجتماع لا بنحو التبادل أحدهما كيفي والآخر كمّي:-
أمّا الضابط الكمّي:- فهو أن يكون الشيء مورداً للحاجة الكثيرة في الغالب من قبل العقلاء.
وأمّا الضابط الكيفي:- فهو تنافس العقلاء على الشيء.
ثم بيّن بعد ذلك أن الحاجة الكثيرة التي أشرنا إليها في الضابط الكمّي لا نقصد منها أن تكون حاجة كثيرة في الحالات الاعتياديّة بل يكفي حتى في الحالات الطارئة مثل حالات المرض فالأدوية مثلاً يحتاج إليها الناس ولكنّ مورد حاجتهم أثناء المرض وليس دائماً بخلاف الخبز والسكّر وما شاكل ذلك.
وأضاف السيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم إضافة فقال ( الحاجة الكثيرة ولو حالة المرض فهي تكفي بشرط أن يكون المرض كثيراً ) يعني إذا كان نادراً فهذه الحاجة الكثيرة في حالة المرض لا تكفي في صيرورة الشيء ذا منفعة محلّلة مقصودة وبالتالي يجوز البيع، ونصّ عبارته:- ( سواء أكانت الحاجة إليها في حالة الاختيار أم في حالة الاضطرار كالأدوية والعقاقير المحتاج إليها للتداوي مع كثرة المرض الموجب لذلك ).
ونذكر تعليقان:- أحدهما على ما أفاده(قده) وثانيهما على ما أفاده السيد الماتن(قده) من اعتبار وجود أمرين في تحقّق المنفعة المحلّلة المعتدّ بها لأنّه اعتبر الكمّي والكيفي:-
أمّا ما أفاده السيد الحكيم:- فكثرة المرض لا داعي إلى التقييد بها فمادام الناس يحتاجون إلى هذا الشيء في الأمراض العسيرة فهو يتنافس عليه العقلاء ولا بأس ببيعه ويعدّ مالاً ويبذل عليه العقلاء الكثير وإن كان المرض نادراً وبالتالي الصيدلية تشتري هذا الدواء قبل أن تشتريه الناس لأنّه مورد الحاجة فالتقييد بأن يكون المرض كثيراً هذا لا داعي إليه فإن المهم هو تنافس العقلاء على الشيء إذ ماليّة المال تكون بتنافس العقلاء والتنافس موجودٌ مادامت هناك حاجة ولو في حالة المرض النادر فإنّ ذلك لا يؤثر، نعم إذا كان بحكم العدم فصحيح أمّا إذا لم يكن بحكم العدم فحينئذٍ يتنافس عليه العقلاء فقيد الكثرة لا حاجة إليه، ولعلّ عبارة الماتن توافق ما ذكره السيد الحكيم(قده) فهو وإن لم يذكره بالصراحة ولكن أشار إليه بالتلميح حيث قال في الضابط الكمّي ( إن يحتاج الناس حاجة كثيرة في الغالب ) وليس من البعيد أنّه يشير بقيد الغالب إلى ما أشار إليه السيد الحكيم(قده) وأن مورد الحاجة الكثيرة لابد وأن تكون حاجة غالبيّة وإلا ففي المرض الذي لم يكن غالباً فهذا لا ينفع.
ولكن يرد عليه ما أوردناه:- من أنّ هذا القيد لا حاجة إليه بعد تنافس العقلاء.
وأمّا ما ذكره السيد الماتن(قده) من اعتبار ضابطين في صدق المنفعة المحلّلة المقصودة:- فلا نرى داعياً إليه بل يكفي أن يذكر الضابط الثاني فقط دون الأوّل فيقال إنَّ المراد من المنفعة المحلّلة المقصودة عقلائياً المراد هو أن يكون الشيء له فائدة لأجلها يتنافس العقلاء على اقتنائه ولو في بعض الحالات كالمرض.
وألفت النظر إلى أنّ اعتبار المنفعة المحلّلة المقصودة هو لأجل أنّ ماليّة المال تتوقّف على ذلك إذ لو لم يكن كذلك فلا يكون مالاً وهو (قده) لا يعتبر كما نحن لم نعتبر الماليّة في العوضين لعدم الدليل على ذلك لكن الاحتياط لأجل ما نقله الشيخ الأعظم من عدم الخلاف في اعتبار الماليّة في العوضين شيء حسن.

المسالة ( 13 ):- المشهور المنع عن بيع أواني الذهب والفضّة للتزيين أو لمجرد الاقتناء , والأقوى الجواز وإنما يحرم استعمالها كما مرّ.
..........................................................................................................
هذه المسالة تتعرّض إلى حكم آنية الذهب والفضّة، ولا إشكال في أنّ استخدامها للأكل والشرب محرّمٌ، وإنما وقع الكلام فيما زاد على ذلك وهو ما إذا استعملت للزينة فهذا الاقتناء نحوٌ من الاستعمال فهل يعدّ محرّماً أو لا ؟
والفقهاء عادةً بحثوا عن حكم استعمالها في الأكل والشرب أو في الأعم في باب الوضوء من كتاب الطهارة، وعندما وصلوا إلى باب التجارة بحثوا عن جواز بيعها، فهم هنا ينظرون إلى حكم البيع لا الاستعمال.
والجواب عن حكم البيع يرتبط بتحقيق الحال في تلك المسألة فإن بنينا على أن أواني الذهب والفضّة يحرم استعمالها في الأكل والشرب فقط وأما الاستفادة منها للتزيين فمن المناسب جواز بيعها وشرائها لأنها تكون من الآلات المشتركة فيجوز بيعها، أمّا إذا بنينا على أن اقتنائها محرّمٌ أيضاً فحينئذٍ سوف تكون من الآلات المختصّة بالمنفعة المحرّمة ومن المناسب آنذاك حرمة بيعها كسائر الآلات المختصّة بالحرام.
ومن خلال عرضنا وبياننا هذا يتّضح أنّ من المناسب فنيّاً ذكر هذه المسالة بعد الآلات المشتركة لا أنها تذكر بعد مسالة بيع الحيوانات التي لا منفعة لها لأن بيع الحيوانات التي لا منفعة محلّلة لها هي القسم الثالث من أقسام المعاملات المحرّمة فعند زجّ هذه المسالة في هذا المورد لا معنى له المفروض أن تجعل ذيلاً للمسائل التي ترتبط ببيع الآلات المحرّمة المشتركة، وهذه قضية فنية يلزم مراعاتها.
وحيث إنّ المناسب في تلك المسألة هو حرمة خصوص الأكل والشرب دون الأعم فسوف تصير هذه من الآلات المشتركة وبالتالي يجوز البيع والشراء بلا مانعٍ.
ولا بأس بذكر روايات تلك المسألة - يعني روايات أواني الذهب والفضة - لنرى أنّ دلالتها هل تختصّ بحرمة الأكل والشرب فيها أو تعمّ حتى الاقتناء وهي:-
الأولى:- رواية داوود ابن سرحان التي رواها الشيخ الكليني(قده) بالسند التالي:- ( الحسين بن محمد[2]عن المعلّى بن محمد عن الوشاء عن داوود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- لا تأكل في آنية الذهب والفضّة )[3].
ودلالتها على حرمة الأكل في أواني الذهب والفضّة واضحة وأقصى ما يستفاد منها حرمة الأكل والشرب، لكن المشكلة في المعلّى بن محمد، لكنّ صاحب الوسائل(قده) بعد أن ذكر هذه الرواية قال بعد روايتين أو ثلاث إنَّ الراوية الأولى التي ذكرتها نقلها البرقي في محاسنه عن الوشّاء عن داوود بن سرحان، وهذا السند لا مشكلة فيه لأن البرقي يرويها مباشرةً عن الوشّاء ولا يوجد المعلّى بن محمد وحينئذ يكون السند الثاني لا مشكلة فيه.
ولكن قد يشكل بإشكالين:-
الأول:- من أين نثبت أنّ البرقي رواها عن الوشّاء عن داوود بن سرحان ؟
قد يجاب:- بأنّ المكتوب في المحاسن المطبوع ( وعنه عن الوشّاء عن داوود بن سرحان ) ومقصود من (عنه) أي عن البرقي عن الوشّاء عن داوود بن سرحان.
جوابه:- إنّ المحاسن المطبوع ما قيمته ؟! نعم هناك طريقٌ آخر وهو أن تقول إنَّ صاحب الوسائل(قده) هو عندما يقول رواه البرقي في محاسنه عن الوشّاء عن داوود بن سرحان فهو له طريقٌ معتبرٌ إلى محاسن البرقي فلا مشكلة إذن.
الثاني:- إنّه قيل في ترجمة البرقي حينما ذكر محاسنه أنّ المحاسن قد زيد فيه وانقص، وبناءً على هذا لا يمكن الأخذ بروايات المحاسن لأنّا نحتمل في كلّ رواية أنّها من روايات الزيادة.
وبكلمة أخرى:- يحصل علم إجمالي بوجود زيادةٍ وهذا العلم الإجمالي منجّز وبالتالي تسقط جميع الروايات عن الاعتبار.
ويمكن الجواب عنه:- بأنّ صاحب الوسائل(قده) مادام له طريقٌ معتبرٌ إلى البرقي فإذا كان البرقي هو الذي حدّث أو أعطى كتاباً فاحتمال الزيادة والنقيصة منتفٍ فالتفت إلى هذه الناحية، وعلى هذا الأساس لا مشكلة.
ولكن نبقى في ضيق من ناحية الاشكال الأوّل:- حيث أنّنا نشكّ في كون طرق صاحب الوسائل(قده) على النسخة بل نحتمل كونها تبركيّة فماذا نصنع من ناحية هذا الإشكال ؟
ولكن يمكن أن يقال:- إنّ هذه الرواية قد رويت من قِبل الشيخ الكليني(قده) مرّةً بنفس النصّ ومن قِبل صاحب المحاسن - على ما نقل صاحب الوسائل(قده) - وهذان النقلان إذا اجتمعا قد يورثا الاطمئنان للفقيه.