36/04/07


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الاحتمال الثاني[1]:- إنّ المحرّم هو إنشاء البيع بقصد التسليم والتسلّم، فنفس الإنشاء ليس محرّماً بل الإنشاء المقيّد بالتسليم والتسلّم، فأنا أبيعك هذا الشيء على أني أسلّمه لك وأنت تستلّمه فمن دون قصد التسليم والتسلّم لا حرمة ومع القصد يصير هذا الإنشاء محرماً.
وكأنه(قده) يبني على أنّ المحرم هو عنوان الاعانة على الإثم وذلك إنّما يتحقّق لو أنشأت البيع بقصد أن أسلّمه الشيء فإنّه بقصد التسليم يصدق آنذاك الاعانة على الإثم . قال(قده) تعليقاً على عبارة الشيخ الأعظم(قده) التي ذكرناها في الاحتمال الأوّل ما نصّه:- ( بل معنى حرمة الاكتساب هو حرمة إنشاء النقل والانتقال بقصد ترتيب أثر المعاملة أعني التسليم والتسلّم للمبيع والثمن فلو خلى عن هذا القصد لم يتّصف الإنشاء الساذج بالحرمة )[2].
وفيه:-
إنّه يرد عليه نفس ما أوردنا على الشيخ الأعظم(قده)، ومن الغريب أنّ ما أوردناه على الشيخ الأعظم(قده) هو قد أورده عليه أيضاً، وهو نفسه يرد عليه فيقال له من أين لك هذا القيد فإنّ رواية اللعن تلعن بائع الخمر ولست مقيّدة بقصد التسليم والتسلّم ؟!!
الاحتمال الثالث:- ما صار إليه الشيخ النائيني(قده) وقريب من ذلك في تقرير الشيخ الآملي(قده)[3]، وحاصل ما ذكره الشيخ النائيني(قده) هو أنّ المحرم ليس هو الإنشاء فإنشاء البيع بلسان بعت واشتريت ليس محرّماً كما أنّه ليس المحرّم هو إنشاء البيع بقصد ترتيب الأثر المحرّم كما قال الشيخ الأنصاري ولا بقصد التسليم والتسلُّم وإنما المحرّم هو المنشَأ بالإنشاء وهو التمليك والتملّك أي المسبّب بالإنشاء ونصّ عبارته:- ( وبعبارة أخرى نفس المنشأ بالعقد الذي هو أمرٌ اعتباريٌّ وفعلٌ إيجاديٌّ من المنشئ هو المحرَّم لا آلة الايجاد وهو التلفّظ ولا القصد ولا الآثار )[4].
وأمّا العبارة المذكورة في تقرير الآملي فهي:- ( الثاني في متعلّق هذه الحرمة كما في قولنا بيع الخمر حرام وأنه هل هو عبارة عن التلفّظ بالإيجاب والقبول أو عن إنشاء البيع باللفظ أو عن المنشأ بذلك الإنشاء أعني المعاملة المخصوصة المعبّر عنها مبادلة مالٍ بمال وجوهٌ والتحقيق هو الأخير ).
والخلاصة:- أنّه(قده) ذهب إلى أن المحرّم هو المنشأ دون الإنشاء.
ويرد عليه:- إنّ تقييد الحرمة ومصبّ الحرمة بخصوص المنشأ هو أيضاً يحتاج إلى مثبتٍ فكيف تستفيد أنّ المحرّم هو خصوص المنشأ مع إلغاء الإنشاء ولا تكون له مدخليّة فإن هذا يحتاج إلى مثبتٍ لأن الرواية قالت:- ( لعن الله بائعها ) والبائع لا يصدق على من حقّق المنشأ من دون الإنشاء فالإنشاء له مدخليّة.
والأجدر أن يبنى على أن المحرّم هو الإنشاء بقصد تحقيق المنشأ فلا الإنشاء بما هو إنشاءٌ فهذا واضحٌ فلم يقل أحد بأنّ الإنشاء بما هو إنشاء هو محرّم ولا المنشأ بما هو منشأ محرّم كما قد يوحي به كلام الشيخ النائيني(قده) وإنما هو الإنشاء بقصد تحقيق المنشأ يعني بعت واشتريت بقصد تحقيق الملكيّة، وهذا يتلاءم مع النصّ الذي يقول ( لعن الله بائعها ) فإن البيع عبارة عن الإنشاء بقصد تحقيق المنشأ فمن أنشأ بقصد تحقيق المنشأ يقال له باع وهو بائعٌ أمّا إذا تلفّظ من دون قصد تحقيق الملكيّة والمنشأ فهذا ليس ببائع، ولعلّ هذا هو مقصود الشيخ النائيني(قده) أيضاً وإن كان ظاهر عبارته يعطي أنّ المحرّم هو المنشأ بما هو منشأ بقطع النظر عن الإنشاء، وبذلك يحصل الاتفاق معه.
وواضحٌ أنّ هذا كما يتلاءم مع الألفاظ يتلاءم مع مرتكزاتنا ووجداننا المتشّرعي فإن وجداننا المتشرعي لا يرى أنّ اللفظ بما لفظٌ وحده محرّمٌ بل يرى أنّ اللفظ بقصد تحقيق المنشأ لا بأس بأن يكون محرّماً.
القضيّة الرابعة:- إنّه بناءً على فساد المعاملة على الأمور المذكورة وفي نفس الوقت هي محرّمة تكليفاً نسأل ونقول:- كيف تكون المعاملة محرّمة تكليفاً والحال أنّها لا يمكن أن تقع ؟ يعني هي فاسدةٌ ومعنى أنّها فاسدة يعني أنها لا شيءَ يعني أنّ المعاملة والتمليك الصحيح غير مقدورٍ ومادام غير مقدوراً فكيف ينهى عنها بعد وضوح أنّ شرط النهي التكليفي هو القدرة على متعلّقه ؟
وهذا المطلبٌ شبيه بما هو المنقول في باب المعاملات عن أبي حنيفة حيث يقول إنّ النهي التكليفي إذا كان عن المسبّب - يعني الملكيّة - فالنهي يقتضي الصحّة، ولماذا ؟ لأنّه إذا لم تكن المعاملة صحيحة ولا يمكن ايجادها بشكلٍ صحيحٍ فالنهي التكليفي في حدّ نفسه لا يكون ممكناً وهل يمكن النهي عن الشيء غير المقدور ؟!! إذن نفس النهي يدلّ على أنّ المتعلّق مقدورٌ - يعني التمليك والتملّك شيء مقدور - ولذا يقع نُهيٌ.
أمّا في النهي عن السبب فلا يأتي هذا الكلام مثل النهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة فهنا النهي عن السبب أي عن نفس البيع لأنّ هذا انشغالٌ بأمرٍ دنيويّ وبالتالي يوجب عدم أداء صلاة الجمعة، فنفس أيجاب البيع - السبب - هو موجب عن الانشغال بصلاة الجمعة، فالسبب منهيٌّ عنه والسبب مقدور تكويناً فأنا أتمكن أن أقول وقت النداء لصلاة الجمعة بعت وذاك يقول اشتريت فالنهي حينئذٍ عنه يكون وجيهاً لأنّه نهيٌ عن شيءٍ مقدور، وحينئذٍ لا منافاة في أن تحصل بعد ذلك الملكيّة، فالنهي في باب السبب لا يقتضي الصحّة وذاك الكلام الذي قيل في النهي عن المسبّب لا يأتي هنا.
وهذا الكلام الذي ذكر في علم الأصول في باب النهي عن المعاملة بنحو المسبّب يأتي هنا أيضاً فيقال إذا كانت المعاملة فاسدة - كبيع الخمر - يعني لم تحصل الملكيّة فكيف تكون محرّمة ؟ إنّ هذا نهيٌ عن الشيء غير المقدور وهو أمرٌ غير ممكنٍ فإنّ هذا جمعٌ بين المتنافيين بين المعاملة الفاسدة - يعني لم يحصل تملّكٌ وتمليك - وبين النهي التكليفي بعد الالتفات إلى أنّ شرط النهي التكليفي هو القدرة على متعلّقه ؟
وواضح أنّ هذا الإشكال لا يرد علينا وإنما يرد على الشيخ النائيني(قده) لأنه يقول إنّ المنهي عنه هو المسبّب المنشأ بمعنى التمليك والتملّك فيقال له فكيف تقول إنّ النهي متوجّه إلى المسبّب والحال أنّ المسبّب لا يمكن أن يقع صحيحاً فيلزم إشكال النهي عن الشيء غير المقدور ؟ وأما نحن فنقول إنَّ النهي متوجّه إلى السبب بقصد تحقيق المسبّب وهذا السبب شيءٌ مقدورٌ فأنا الآن رغم النهي الشرعي أقول بعت واشتريت بقصد تحقيق المسبب فإذن هو مقدور عليه تكويناً فالنهي يمكن أن يتعلّق به ولا إشكال على هذا ولا ينافي بعد ذلك أن تقع المعاملة باطلة أو صحيحة فهو يتلاءم مع الاثنين معاً، أمّا على رأي الشيخ النائيني فالإشكال يتوجّه فما هو الجواب ؟


[1] حاشية المكاسب، علي الايرواني، ج1، ص21.
[3] كتاب المكاسب، الشيخ محمد تقي الآملي، ج1، ص5.