32/07/16


تحمیل

مسالة 275 :- إذا قلّم المحرم أظافيره فأدمى اعتماداً على فتوى من جوَّزه وجبت الكفارة على المفتي على الاحوط.

 ذكرنا في المسالة السابقة أن من قلّم أظافيره يجب عليه في كل ظفر مدّ من طعام ، وفي هذه المسالة نقول: لو فرض أن شخصاً أفتى غيره المحرم بجواز قص أظافيره رغم انه محرمٌ وفرض أن ذلك المحرم قصَّ أظافيره بالفعل وحصل الإدماء فهنا على الاحوط أنه يجب على المفتي الكفارة وهي شاة .

 وطبيعي إن القاعدة تقتضي عدم الوجوب ، أي لا يجب شيء على المفتي لأن من قلّم أظافره يكون قد فعل حراماً ما دام مُحِرماً وتجب عليه الكفارة ، ونحن ألان نريد أن نقول تجب الكفارة على المفتي وهي الشاة ، وهذا حكم على خلاف القاعدة ولكن لو دل عليه الدليل التزمنا به .

 وقد ذكر صاحب الجواهر في هذا المجال[1] ( إن ثبوت الكفارة على المفتي لا خلاف أجده فيه والخبر الدال على ذلك وان كان ضعيف السند إلا انه منجبر بعمل الأصحاب ) هذا ما أفاده (قده).

 إذن المسالة من حيث الفتوى لم ينقل فيها خلاف بل الكل متفق على ثبوت الشاة في حق المفتي .

أما من حيث المدرك:- فتوجد روايتان كلتاهما لإسحاق بن عمار ، أحداهما قد يشوبها شيء من الإجمال باعتبار أن التعبير الوارد فيها ( عليه دم ) ولا يُدرى أن الضمير هنا هل يرجع إلى المفتي أو إلى المحرم الذي قص أظافره ، فهي بهذا الاعتبار لا تنفع شيئاً ، بينما الثانية هي واضحة من حيث الدلالة على أن الكفارة هي على المفتي دون المحرم الذي قص أظافره ولكنها ضعيفة السند ، وعليه فما هو معتبر السند مجملٌ من حيث الدلالة وما هو واضح الدلالة ضعيف من حيث السند.

أما الرواية الأولى:- فقد رواها محمد بن يعقوب الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار ( قال سالت أبا الحسن عليه السلام عن رجل نسي أن يقلم أظفاره عند إحرامه ، قال: يدعها ، قلت : فان رجلاً من أصحابنا أفتاه بأن يقلّم إظفاره ويعيد إحرامه ففعل ، قال: عليه دم يهريقه )[2] وهي تامة من حيث السند ، فان جميع رواتها من ثقاة وأجلّة أصحابنا.

 إلا أن دلالتها مجملة فان ضمير ( عليه دم يهريقه ) يحتمل عوده الي المحرم الذي قص أظافره دون المفتي.

إن قلت:- صحيح هي مجملة ولكن يمكن الوصول إلى الهدف من خلال طريق آخر وذلك بان يقال: انه يحصل علم إجمالي بثبوت الكفارة إما على المفتي أو على المحرم الذي قص أظافره إذ المفروض أن الضمير مردد بين الشخصين فيحصل العلم الإجمالي ومعه تجب الكفارة على كليهما لأجل العلم الإجمالي ، ومعه فقد وصلنا إلى الهدف - وهو ثبوت الكفارة على المفتي - غايته من طريق العلم الإجمالي ، فثبتت عليه الكفارة بمقتضى منجزية العلم الإجمالي رغم إجمال الدلالة.

قلت:- هذا شك في التكليف وليس علماً به ، فهو نظير مسألة الثوب المردد بين الصديقين إذا رُئِيَ فيه مَنيّ فانه سوف يحصل علم إجمالي إما بجنابة هذا أو ذاك ولكن هذا ليس علماً بتوجه التكليف إلى هذا بالخصوص أو ذاك بالخصوص ، فالأول لا يتمكن أن يقول أنا أعلم بتوجه التكليف الي بالاغتسال ، كلا وإنما أعلم بتوجه التكليف إما اليَّ أو إلى صاحبي ، وهذا روحاً شك في ثبوت التكليف وليس علماً به ، والمنجز هو أن يعلم المكلف بتوجه التكليف إليه فان مرجع ذلك كما قلنا إلى الشك في توجه التكليف ، ومقامنا من هذا القبيل ، فانه لا يمكن أن يقول المفتي أنا أعلم بتوجه التكليف اليَّ حتى يكون ذلك منجزاً ، وإنما يقول هو متوجه إما اليَّ أو إلى صاحبي ، وهذا مرجعه بحسب الحقيقة إلى الشك بتوجه التكليف ، وهذا مطلب واضح.

 هذا كله بالنسبة إلى الرواية الأولى وقد اتضح أنها مجملة لا يمكن التمسك بها.

وأما الرواية الثانية:- فهي ما رواه محمد بن الحسن الطوسي بسنده عن موسى بن القاسم عن محمد البزاز _ أو الخراز- عن زكريا المؤمن عن إسحاق الصيرفي ( قلت لأبي إبراهيم عليه السلام إن رجلاً أحرم فقلَّم إظفاره فكانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه ، فقال: على الذي أفتى شاة )[3] ودلالتها تامة وواضحة حيث قال عليه السلام ( على الذي أفتى شاة ) إلا أن سندها ضعيف ، فان محمد البزاز وهكذا زكريا المؤمن هما مجهولان ، فعلى هذا الأساس تكون ساقطة عن الاعتبار.

 وعليه فإثبات هذا الحكم بالرواية الأولى غير ممكن لضعف دلالتها ، كما لا يمكن إثباته بالرواية الثانية لضعف سندها.

إن قلت:- انه حتى لو كانت الرواية الثانية صحيحة السند فلا يمكن التمسك بها ، والوجه في ذلك:- إن من القريب كون الروايتين رواية واحدة ، فان الناقل الذي سأل الإمام عله السلام هو إسحاق بن عمار الذي هو الصيرفي ، والإمام المسؤول هو أبو الحسن عليه السلام الذي هو عبارة أخرى عن أبي إبراهيم ، ومن البعيد أن إسحاق يسأل عن قضية واحدة مرتين ، وعليه فالسؤال الصادر قد صدر مرة واحدة والجواب الصادر هو واحد أيضاً ، ونحن لا نريد أن ندعي الجزم بذلك ولكن نقول من المحتمل بدرجة وجيهة كون الروايتين رواية واحدة ، وفي مثل هذه الحالة التي تساعد القرائن فيها على وحدة الرواية ولو على مستوى الاحتمال الوجيه لا نجزم بانعقاد السيرة على التعامل معهما معاملة الروايتين ، فإلى ماذا نستند في الحكم بتعددهما ؟ إن الحكم بالتعدد يحتاج إلى مدرك ، والسيرة لا نجزم بانعقادها على ذلك ، ومن هنا نخرج بهذه النتيجة المهمة وهي انه متى ما كانت الوحدة قضية محتملة بدرجة وجيهة فالحكم بالتعدد شيء مشكل ، وعليه فليس من الوجيه أن يرد علينا شخص ويقول إن التعدد شيء وجيه أيضاً ، إذ نجيب ونقول: نحن لا نريد أن نذكر وجاهة التعدد أيضاً بل نقول الحكم بالتعدد يحتاج الي مثبت والمثبت ليس إلا السيرة وهي لا نجزم بانعقادها على ذلك ، وعليه إذا كانت الرواية واحدة فلا نجزم بكون الصادر من الإمام عليه السلام هو المتن الأول الذي هو مجمل أو المتن الثاني الذي هو واضح ، وبالتالي لا يمكن الأخذ بالمتن الثاني حتى مع فرض صحة سنده بعد الالتفات إلى هذه النكتة التي اشرنا إليها.

قلت:- هذا وان كان شيئاً وجيهاً ولكنه يتم إذا كان المورد من المتباينين ، كأن تقول إحدى الروايتين ( إن الكفارة هي على المفتي ) والأخرى تقول ( إنها على المحرم الذي قص أظافره ) أما إذا فرض أن المورد كان من المجمل والمبين كما هو الحال في المقام فان الرواية الأولى وان كانت مجملة إلا أن الرواية الثانية هي من قبيل المبين والرافع لإجمال الأولى ، وفي مثل ذلك يكون البيان المذكور في الرواية الثانية - الذي فرض انه صحيح السند - رافعاً لإجمال الرواية الأولى وموضحاً لكون المقصود هو ثبوت الكفارة على المفتي وان الإجمال الذي حصل قد حصل بسبب النقل بالمعنى وان الراوي قد خانه التعبير ويكون النقل الثاني الذي هو صحيح السند موضحاً للمقصود ورافعاً للإجمال .

 إذن مع فرض صحة سند كلتا الروايتين يمكن الأخذ بالرواية الثانية لكونها أشبه بالرافع للإجمال في الرواية الأولى ، ولكن المشكلة هي أن الرواية الثانية ضعيفة السند.

إن قلت:- هناك طريقة يمكن من خلالها التغلب على ضعف السند وذلك بتطبيق نظرية التعويض.

[1] الجواهر 20 - 402

[2] الوسائل 13 165 13 بقية كفارات الإحرام ح2

[3] المصدر السابق ح1