32/04/28


تحمیل

فيه :- إن العدم لا تنقسم إلى عدمين لأنه عبارة عن اللاشيء وللاشيء لا ينقسم إلى نحوين ، وإنما الذي ينقسم هو الوجود ، وبناءً على هذا نقول أن ذلك العدم الذي هو ثابت قبل الإسلام والذي هو واحد ، نستصحبه إلى ما بعد الإسلام وبالتالي سوف يثبت انه مستمر إلى ما بعد الإسلام أي إلى مجيء شريعة الإسلام وهذا المقدار كاف ، فإننا نريد أن نثبت أن العدم أي ذات العدم مستمر إلى فترة ما بعد مجيء الإسلام ، وهذا لا محذور فيه .

 نعم لو كان الذي ينفعنا ومحل غرضنا هو العدم المنتسب إلى الإسلام والمقيد بالانتساب إلى الإسلام فما أفاده (قده) يكون صحيحا ، ولكنا نقول أن الشيء المهم الذي لابد من إثباته هو كون عدم التحريم مستمرا إلى ما بعد مجيء الإسلام ، وهذا قد ثبت ، أما عنوان الانتساب إلى الإسلام وكونه جزء من شريعة الإسلام فانه شيء ليس بمهم . وهذا من الواضحات .

 وبعد هذا الذي ذكرناه لا تعود هناك حاجة إلى ما ذكره السيد الخوئي[1] في مقام رد أستاذه حيث قال ؛- نحن لا نلحظ عدم التحريم ما قبل الإسلام بل نلحظ العدم في بداية شريعة الإسلام وبالتالي سوف نستصحب بقاء العدم الثابت كونه في الإسلام وفي بداية الإسلام إلى يومنا هذا ، فهذا الذي لا حاجه له ، بل كان المناسب أن يجيب بما اشرنا إليه ، نعم لو كان الذي ينفعنا هو عدم التحريم المنتسب إلى الإسلام لما أمكن إثباته كما أفاد الشيخ النائيني (قده) .

الإشكال الثالث :- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[2] ، وحاصله ؛- إن المهم في الاستصحاب أن يكون منجزا ومعذرا ، إذ الهدف المهم هو التننجيز والتعذير، ومن الواضح أن التنجيز والتعذير وصفان للمجعول دون الجعل ، فحينما يقول المولى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) وأنا ليس مستطيعا فهنا يوجد جعل أي مجرد إنشاء ونسبته إلى الجميع واحدة ، ولكن إذا استطعت بالفعل فهنا صار الوجوب فعليا وينتسب إليّ ويقال هذا وجب عليه الحج ، والمنجزية والمعذرية حكمان للوجوب الفعلي ، فإذا وصل الحكم إلى مرحلة الفعلية فيقال هنا قد تنجز ، وهذا مصطلح أصولي ، فالمنجزية معناها أن العقل يحكم باستحقاق العقوبة على المخالفة بعد أن صار الحكم فعليا ، إذن المنجزية صفة لمرحلة الفعلية وليس لمرحلة الجعل ، وعلى هذا الأساس نحن حينما نستصحب عدم التحريم فالمراد هو استصحاب عدم جعل التحريم ونقصد من وراء هذا هو إثبات عدم فعلية الحكم وبذلك تثبت العذرية أي المعذرية وانه لا استحقاق للعقوبة ، ومن الواضح أن استصحاب عدم الجعل لإثبات عدم المجعول أصل مثبت ، وعليه فالاستصحاب المذكور لا يجري .

وفيه :- ما ذكره (قده) وجيه لو أردنا إن نسير على طبق المصطلحات الأصولية التي رسمناها لأنفسنا فإننا رسمنا لأنفسنا من البداية مصطلحين وهما الجعل والمجعول أو بالأحرى عدم الجعل وعدم المجعول ورسمنا أيضا إن التنجيز والتعذير هما من شؤون الفعلية ، فالتنجيز من آثار الفعلية والتعذير من آثار عدم الفعلية ، إننا رسمنا هذين الرسمين وإذا أردنا أن نسير وفقهما فالأمر كما ذكره الشيخ النائيني (قده) ، ولكن لنفك أنفسنا من قيد الرسم الثاني ونقول إن التنجيز لا يتوقف على كون الحكم قد بلغ مرحلة الفعلية بل يكفي لإثبات التنجير أن يكون الجعل ثابتا معلوما ويكون الموضوع موضوع الحكم محققا وثابتا ، إن هذا المقدار يكفي لإثبات التنجز، ففي مثال الحج لو علمت أن الله شرع الوجوب على المستطيع وهذا علم بالجعل وعلمت باني مستطيع وتحققت الاستطاعة في حقي ، فسوف يثبت التنجيز عقلا من دون توسط مصطلح الفعلية في البين حتى يقال انه يلزم محذور الأصل المثبت بل لنلغي هذا المصطلح ، وليس الإلغاء له بالكلية بل من جهة الجعل . هذا بالنسبة إلى التنجز .

 وأما بالنسبة إلى العذرية فنقول تثبت العذرية ما دام قد ثبت انه لا جعل ، أو أن الموضوع ليس بمحقق ، انه لو ثبت احد هذين كفى ذلك لثبوت العذرية عقلا بلا حاجة إلى توسيط مصطلح عدم الفعلية .

 انه لو قبلنا هذا وفككنا أنفسنا من القيود التي ذكرها الشيخ النائيني وهذا وجيه عقلا لأننا نستصحب عدم التحريم ، فقبل الإسلام لا جعل للتحريم والآن نشك فنستصحب عدم التحريم فتثبت العذرية ولا يلزم محذور الأصل المثبت .

[1] مصباح الأصول 2 - 289 .

[2] أجود التقريرات 2 406 .