جلسة 148

كفارات الصوم

مسألة 1023: يجب القضاء دون الكفّارة في موارد:

الأول: نوم الجنب حتى يصبح على تفصيل قد مرّ.

الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية من دون استعمال المفطِّر.

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة يوماً أو أكثر.

الرابع: مَنِ استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاة ولا حجّة على طلوعه، أمّا إذا قامت حجّة على طلوعه وجب القضاء والكفّارة، وإذا كان مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل فلا قضاء، هذا إذا كان صوم رمضان، وأمّا غيره من الواجب المعيّن أو غير المعيّن أو المندوب فالأقوى فيه البطلان مطلقاً.

الخامس: الإفطار قبل دخول الليل؛ لظلمة ظنّ منها دخوله ولم يكن في السماء غيم، بل الأحوط إن لم يكن أقوى وجوب الكفّارة، نعم إذا كان غيم فلا قضاء ولا كفّارة. وأمّا العلة التي تكون في السماء غير الغيم ففي إلحاقها بالغيم في ذلك إشكال، والأحوط وجوباً عدمه [1].

ذكر ـ قدّس سرّه ـ خمسة موارد يثبت فيها القضاء دون الكفّارة، وبعض هذه الموارد قد تقدّمت الإشارة إليها سابقاً ولكن كرر ذكرها هنا ليضمّها إلى بقية الموارد كي يتحقّق حصر تلك الموارد، فالثلاثة الأولى منها قد تقدّمت الإشارة إليها والآخران لم يتقدم ذكرهما، فالشيء الجديد هو إضافة هذين الموردين الآخرين. وتلك الموارد الخمسة هي كما يلي:

الأول: إذا نام الجنب حتى طلوع الفجر على تفصيل قد مرّ في (مسألة 993)، حيث ذكر ـ قدس سرّه ـ هناك أنّ الجنب إذا نام بعد جنابته ففي النومة الأولى لا شيء عليه، كما إذا نام بعد الجنابة واستمر نومه إلى ما بعد الفجر فإنّه لا قضاء عليه فضلاً عن الكفّارة، وأخرى ينام ثمّ يستيقظ قبل طلوع الفجر ويلاحظ سعة باقية في الوقت فيعاود النوم ثانية ويستمر به إلى ما بعد الفجر، وقد حكم هنا ـ قدّس سرّه ـ بالقضاء دون الكفّارة، أمّا إذا استيقظ بعد النومة الثانية ولاحظ سعة الوقت أيضاً فنام واستمر به إلى ما بعد الفجر فيجب القضاء، بل على رأي تجب الكفّارة أيضاً وإن لم يختر هو ذلك وإنّما احتاط استحباباً.

إذاً القضاء دون الكفّارة يجب في النوم الثاني ـ وعلى رأيه في النوم الثالث أيضاً ـ ونحن قد تقدّم منّا سابقاً أنّ ثبوت القضاء مبني على الاحتياط تحفّظاً من مخالفة المشهور، وإلاّ فالمناسب عدم الوجوب لنكتة تقدمت الإشارة إليها سابقاً، وحاصلها أنّ المشهور ذهبوا إلى أنّ البقاء على الجنابة عن تعمّد هو محرّم ومن جملة المفطِّرات واستندوا في ذلك إلى بعض الروايات. ونحن ذكرنا رواية أخرى في مقابل ذلك هي ظاهرة في نفي الوجوب؛ ولأجل ذلك حملنا الأولى على الاستحباب، فعدم المفطّرية هو مقتضى الجمع بين الروايات، وعليه فإذا كان تعمّد البقاء على الجنابة لا يوجب القضاء فيلزم في نوم الجنب عدم ثبوت القضاء أيضاً، إذ لا يحتمل أنّ حكم النوم أشدّ من حكم اليقظة، أي لا نحتمل أنّ من أجنب وكان مستيقظاً وبقي على الجنابة متعمّداً حتى طلوع الفجر لا يجب عليه القضاء، ولكنّه يجب لو نام، فالحكم بالقضاء في هذا المورد الأول مبني على الاحتياط تحفظاً من مخالفة المشهور.

الثاني: إذا أبطل الشخص الصائم صومه بسبب الإخلال بالنية بدون أن يزاول المفطِّر خارجاً، فإنّه يجب في مثله القضاء دون الكفّارة، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في مسألة (980). وخلاصة الوجه في ذلك:

أمّا بالنسبة إلى عدم وجوب الكفّارة فينبغي أن يكون ذلك واضحاً، إذ قد ترتبت الكفّارة في النصوص على ارتكاب المفطِّر خارجاً، وحيث إنّ المفروض عدمه فلا موجب لثبوت الكفّارة تمسّكاً بأصل البراءة.

وأمّا بالنسبة إلى وجوب القضاء فلأنّ استمرار النية في الصوم أمر لازم، وقد قرّبنا ذلك سابقاً بما حاصله: أنّ قوله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [2]، وقوله سبحانه وتعالى: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[3] يدلّ على أنّ عنوان الصيام يلزم على المكلّف تحقيقه، وحيث إنّ العنوان المذكور لا يتحقّق إلاّ بالقصد فيلزم قصده ولو بواقعه ومرادفه، كأنْ يقصد الإمساك الخاصّ أو الشرعي، وبما أنّ الصوم الواجب هو ما بين طلوع الفجر إلى الغروب فيلزم أن يكون المكلّف قاصداً لذلك في كلّ آن من آنات الفترة المذكورة، ففي الدقيقة الأولى يلزم أن يكون قاصداً الصوم من الفجر إلى الغروب، وفي الدقيقة الثانية يلزم كذلك، وهكذا في بقية الدقائق، فإذا فرض أنّه في دقيقة من الدقائق المتخلّلة قصد الإفطار ولكن لم يرتكبه خارجاً أو تردد فيه فمعنى ذلك أنّه لم يحقّق الصوم الواجب، وهو قصد الإمساك في جميع الآنات، إنّه بهذا البيان نثبت لزوم النية وقصد عنوان الصوم في كل آن من الآنات.

والشيء الجديد الذي نقوله الآن هو أنّ البيان المذكور يثبت أنّ قصد الصوم ما بين الحدين أمر لازم، وأنّه لا يجوز قطع النية ولو بنحو الترديد، ولكن كيف نثبت أنّ من خالف ذلك بأن تردد أو قطع النية بنحو الجزم في لحظة واحدة يجب عليه القضاء، إنّ وجوب القضاء مبني على وجود عموم يدلّ على وجوب القضاء حتى في الحالة المذكورة التي حصل فيها التردد في لحظة واحدة مثلاً، وتحصيل مثله أمر مشكل، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك عند البحث في وجوب القضاء على من فاته الصوم، وعليه يكون وجوب القضاء مبنياً على الاحتياط تحفّظاً من مخالفة المشهور.

الثالث: إذا نسي الشخص جنابته ومرّ عليه يوم أو عدّة أيام وبعد ذلك التفت إلى جنابته، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في (مسألة 988).

وقد ذهب المشهور إلى وجوب القضاء، وبذلك يفترق الناسي للجنابة عن الجاهل بها، فالجاهل بالجنابة الذي لا يدري من البداية أنّه أجنب ومضى عليه يوم أو عدّة أيام، ثم رأى أثر الجنابة على ثوبه فلا يجب عليه القضاء والصوم صحيح؛ لأنّ المفطِّر هو تعمّد البقاء على الجنابة، ومع الجهل بموضوعها لا تعمّد في البين. وأمّا الناسي الذي يدري أنّه أجنب ولكن نسي أن يغتسل فيجب عليه القضاء لو التفت بعد ذلك لرواية دلّت على ذلك، فالناسي أشدّ جزاءً من الجاهل، كما هو الحال في باب الصلاة، فإنّ الجاهل بأصل النجاسة لا تجب عليه إعادة الصلاة لو التفت إليها بعد ذلك بخلاف الذي كان عالماً بها ثم نسي فإنه تجب عليه إعادة الصلاة لو تذكر؛ لصحيحة زرارة. ونحن حيث قد اخترنا في مسألة تعمّد البقاء على الجنابة أنّ ذلك ليس مفطّراً فيلزم أن نبني على عدم مفطّرية الجنابة في حالة النسيان أيضاً، إذ لا يحتمل أنّ الشخص الملتفت إلى جنابته لا يجب عليه القضاء لو تعمّد البقاء عليها ويجب لو نسي الغسل، فيلزم لأجل ذلك حمل الرواية الدالة على وجوب القضاء على ناسي الجنابة على الاستحباب. نعم، الاحتياط لابدّ منه تحفّظاً من مخالفة المشهور، فوجوب القضاء إذاً في هذه الموارد الثلاثة مبني على الاحتياط.

_______________________

[1] منهاج الصالحين 1: 372 ـ 373 كتاب الصوم، موارد القضاء دون الكفّارة.

[2] البقرة: 183.

[3] البقرة: 187.