جلسة 121

كفارة الصوم

المطلب الثاني: أن يكون مقصوده ـ قدّس سرّه ـ الإشارة إلى أن الجمع العرفي بالحمل على الاستحباب أو الكراهة يختص بباب الأحكام التكليفية من قبيل (اغتسل للجمعة)، فإنه حكم تكليفي ويمكن حمله على الاستحباب لو فرض ورود دليل ثانٍ يقول مثلاً: (لا بأس بترك غسل الجمعة).

وأمّا في الأحكام الإرشادية والوضعية فلا يمكن فيها ذلك، فلو ورد دليل يقول: (اغسل ثوبك إذا أصابه عرق الجنب)، وورد في دليل آخر يقول: (لا بأس بترك ذلك)، فلا يمكن حمل الأول على الاستحباب؛ إذ الأمر بالغسل ليس تكليفياً جزماً بقرينة أنه لو تركه الإنسان ولم يغسله وأبدله بثوب آخر كفى ذلك جزماً، فلو كان الأمر تكليفياً كان غسله لازماً إمّا على مستوى الوجوب أو الاستحباب، والحال أن المتشرعة لا يفهمون ذلك جزماً، وإنما يفهمون كونه مرشداً إلى النجاسة، وما دام الأمر كذلك فلا يمكن الحمل على الاستحباب، إذ لا معنى لاستحباب النجاسة، فإن النجاسة لا تتصف بالاستحباب، وإنما المتصف بذلك ما كان فعلاً للمكلف كالصلاة والحج والصوم وما شاكل ذلك من أفعال المكلفين، وأمّا النجاسة فهي ليست فعلاً للمكلف وإنما هي اعتبار شرعي.

نعم، غسل الثوب فعل للمكلف، ولكن المفروض أن الغسل بنفسه ليس بمستحب ولا بواجب وإنما التعبير بالغسل إرشاد إلى النجاسة كما ذكرنا.

ومن هنا بنى ـ قدّس سرّه ـ على أن الجمع بالحمل على الاستحباب أو الكراهة يختص بالأحكام التكليفية دون الإرشادية والوضعية.

وفيه: أننا لو سلمنا بالمبنى المذكور فلا نسلم أن مقامنا صغرى لذلك، إذ الوارد في الروايتين الأمر بإطعام عشرة مساكين وهو حكم تكليفي. نعم، قد نعبّر نحن عنه بأنه إرشاد إلى وجوب الكفارة، ولكن هذا مجرد تعبير وإلاّ ففي الواقع يوجد طلب تكليفي متعلق بالإطعام. هذا كله في النقطة الثالثة.

النقطة الرابعة: إذا نذر شخص صوم يوم معين وأفطر في ذلك اليوم فكفارته هي كفارة يمين، وكفارة اليمين هي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يقدر على ذلك كله صام ثلاثة أيام، وإذا أراد الإطعام فيدفع لكل مسكين مدّاً من الطعام ولا يلزم مدّان لو أراد دفع الطعام إليهم دون دعوتهم إليه، وما ذُكر يشتمل على عدة فروع:

الأوّل: أن كفارة اليمين هي ما تقدم، وهذا مما لم يقع فيه اختلاف لقوله سبحانه وتعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [1] .

الثاني: أنه يكفي دفع المدّ لو أُريد الإطعام ولا يلزم المدّان، والوجه في ذلك قد تقدم في النقطة الثانية حيث ذكر أن من أراد الإطعام في كفارة شهر رمضان كفاه دفع المدّ، حيث لا يحتمل الفرق في مسألة المدّ بين كفارة وأُخرى، ولذلك عمم الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ ذلك لمطلق الكفارة بالرغم من كون الروايات خاصة بكفارة شهر رمضان.

الثالث: أن من نذر صوم يوم معين وخالف نذره لزمته الكفارة، ولم ينسب الخلاف في ذلك إلاّ لابن أبي عقيل العماني حيث قال بنفي الكفارة، إلاّ أنه لا شاهد له على ذلك كما ذكر صاحب (الجواهر) [2] قدّس سرّه.

الرابع: بعد التسليم بثبوت الكفارة على من خالف نذره، وقع الكلام في تحديدها على أقوال عدة:

القول الأوّل: وهو المنسوب للمشهور [3] إنها ككفارة شهر رمضان وليست ككفارة اليمين.

القول الثاني: وهو المنسوب للشيخ الصدوق ـ قدّس سرّه ـ إنها كفارة يمين.

القول الثالث: ما ذكره صاحب (الوسائل) [4] ـ قدّس سرّه ـ من التفصيل بين ما إذا كان متعلق النذر هو الصوم، فالكفارة هي كفارة إفطار شهر رمضان، وبين ما إذا كان المتعلق شيئاً آخر فتكون كفارة اليمين.

والمناسب وفاقاً للشيخ الصدوق والسيد الماتن كونها كفارة يمين؛ لصحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «إن قلت: لله عليّ فكفارة يمين» [5]، فإن من الواضح أن صيغة «لله عليّ» هي صيغة النذر، ويؤيد ذلك رواية حفص بن غياث، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: سألته عن كفّارة النذر؟ فقال: «كفّارة النذر كفّارة اليمين» [6]، وإنما كانت مؤيداً لا دليلاً، باعتبار ورود القاسم بن محمد في السند، وكل قاسم لم يثبت توثيقه.

هذا وقد يستدل على رأي المشهور القائل بكونها كفّارة شهر رمضان بالروايتين التاليتين:

الأُولى: صحيحة علي بن مهزيار، أنّه كتب إليه يسأله: يا سيّدي، رجل نذر أن يصوم يوماً بعينه فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفّارة؟ فأجابه: «يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة» [7].

ويردها أنها قالت: «... وتحرير رقبة مؤمنة»، ومن الواضح أن ما ذكر مشترك بين كفّارة شهر رمضان وكفّارة اليمين، فكفّارة اليمين تشتمل على عتق رقبة أيضاً.

وعليه فإن كان المقصود من الصحيحة أن تحرير الرقبة واجب معين من دون تخيير بينه وبين غيره فذلك مهجور ولم يلتزم به أحد، وإن كان المقصود التخيير بينه وبين غيره فيرد ما أشرنا إليه من أن التحرير بنحو التخيير أمر مشترك بين كفّارة شهر رمضان وكفّارة اليمين، ومعه فلا يمكن التمسك بالصحيحة لإثبات رأي المشهور.

____________________________

[1] المائدة: 89.

[2] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص264.

[3] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص271.

[4] الوسائل 10: 379، أبواب بقية الصوم الواجب، ب7، 22: 394، أبواب الكفارات، ب23.

[5] الوسائل 22: 392، أبواب الكفارات، ب23، ح1.

[6] الوسائل 22: 393، أبواب الكفارات، ب23، ح4.

[7] الوسائل 10: 378، أبواب بقية الصوم، ب7، ح1.