33/05/25


تحمیل
 الموضوع :- الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما الحكم الثاني:- أعني أنها - أي صلاة الطواف - ركعتان فيدل عليه مضافاً إلى تسالم المسلمين واتفاقهم على ذلك السيرة المتوارثة يداً بيد وأيضاً بعض الروايات المتقدمة فإنها صرحت باسم الركعتين ، وعليه فلا موجب للتوقف من هذه الناحية.
 وأما الحكم الثالث:- أعني أنها عقيب الطواف- فذلك أيضاً لنفس ما سبق ، يعني للاتفاق والسيرة وبعض الروايات المتقدمة فإنها صرحّت بأن الصلاة يؤتى بها بعد الطواف.
 أجل سوف يأتي كلام في أنه هل تلزم الموالاة أو لا ؟ إلا أن ذلك قضية أخرى يتعرض إليها في مسألة مستقلة.
 النقطة الثانية:- إن الركعتين هما كصلاة الصبح من حيث الكيفية والمكلف مخيّر في القراءة بين الجهر والاخفات . إذن هذه النقطة تشتمل على حكمين
 أما الحكم الأول:- فيدل عليه أيضاً الإجماع بين المسلمين على ذلك والسيرة المتوارثة ، ومضافاً إلى هذين الدليلين يمكن التمسك بالإطلاق المقامي بمعنى أن النصوص حينما أمرت بالإتيان بركعتين وسكتت عن بيان الكيفية فذلك يفهم منه عرفاً أنه ليس لهما كيفية خاصة غير الكيفية المتداولة في صلاة الصبح التي هي ركعتان فلو كان هناك اختلاف فهو يحتاج إلى تنبيهٍ وعدم التنبيه يدلّ على أنها موافقة من حيث الكيفية لصلاة الصبح ، وهذا نظير ما يذكر في باب الغسل فان النصوص بيّنت أن على الحائض أن تغتسل وعلى المستحاضة في بعض الحالات ويوم الجمعة يستحب الغسل ....... وهكذا ولكنها لم تبيّن كيفية الغسل ، والفقيه يتمكن أن يتمسك بالإطلاق المقامي بأن يقول ( ان سكوت النصّ عن بيان كيفية الغسل يفهم منه عرفاً أن الكيفية هي نفس كيفية غسل الجنابة فان الاختلاف لو كان فهو الذي يحتاج إلى بيان فالسكوت يدل على عدم الاختلاف ) وهذا كما قلنا تمسك بالإطلاق المقامي.
 ولعله ذكرت مرّةً أن الإطلاق المقامي ليس له ضابط من حيث النتيجة التي تثبت من خلاله فالنتيجة تختلف والمهم أن نقول إن السكوت يدل على أن النتيجة هي هذه ، أما ما هي النتيجة ؟ قد تكون هي السعة أحياناً قد تكون هي الضيق وقد تكون شيء آخر ، والمهم أنه لا يمكن ضبط ذلك ويختلف باختلاف الموارد ، وفي المقام النتيجة هي أن السكوت يدلّ على وحدة الكيفية بين الصلاتين.
 وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني:- فقد يتمسك له بالإطلاق اللفظي وذلك بأن يقال:- إن النصوص حينما ذكرت وجوب الإتيان بركعتين لم تقل يلزم فيهما الجهر أو يلزم فيهما والاخفات فيكون مقتضى الإطلاق اللفظي هو التخيير.
 وقد يقال:- ليس هناك إطلاق لفظي بل هناك إطلاق مقامي فان الإمام عليه السلام في مقام بيان الوظيفة لم يذكر قيد الجهر أو الاخفات فإطلاق المقام يقتضي التخيير.
 فان تمّ أحد هذين فهو وان لم يتمّا كان لنا الانتقال إلى الأصل العملي وهو يقتضي التخيير أيضاً حيث أن الذمة مشغولة بأصل صلاة ركعتين بنحو الجزم أما أنها مقيّدة بالجهر مثلاً فهو كلفة زائدة غير معلومة فينفى بالبراءة ، وبذلك تكون النتيجة بمقتضى الأصل العملي هي البراءة أيضاً.
 إن قلت:- هناك علم إجمالي يمكن تشكيله في المقام وذلك بأن يقال:- إن المكلف يعلم إجمالاً أن الواجب عليه اما الجهر بالقراءة أو الاخفات بها فأحدهما ثابت في حقّه ومقتضى منجزّية العلم الإجمالي هو لزوم الاحتياط.
 قلت:- هذا وجيه إذا لم يوجد احتمال ثالث وهو أن يكون الثابت في حق المكلف شرعاً هو السعة والتخيير ، يعني أن الأمر لا ينحصر واقعاً بين أن يكون الواجب هو الجهر بالخصوص أو الاخفات بالخصوص بل لعل الثابت واقعاً هو التخيير والسعة من هذه لناحية . إذن لا يمكن تشكيل العلم الإجمالي المذكور ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.
 النقطة الثالثة:- أن الواجب الإتيان بالركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام بل يكفي مطلق العنديَّة - إن صحَّ التعبير - وإنما يلزم أن يكون ذلك خلف المقام فلا تكفي الصلاة أمامه ولا من أحد جانبيه.
 وقبل أن نوضح الحال في ذلك نطرح سؤالين الأول ليس بمهمٍ والثاني هو المهم:-
 أما السؤال الأول:- هل يلزم الإتيان بالصلاة عند مقام إبراهيم في مكانه الفعلي أو في مكانه السابق ؟ وقد سئل الرضا عليه السلام عن ذلك حيث جاء في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود ( قلت للرضا عليه السلام:- أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال:- حيث هو الساعة ) [1] .
 ومن هنا قال المحقق في الشرائع ما نصه ( الثالثة يجب أن يصلي ركعتي الطواف في المقام حيث هو الآن ولا يجوز في غيره فان منعه زحام صلّى وراءه أو إلى أحد جانبيه ) [2]
 وقد تسأل:- ما هي قصة هذا التساؤل وما هي خلفياته ؟
 والجواب:- انه جاء في بعض الروايات أن مقام إبراهيم كان في زمان إبراهيم عليه السلام متصلاً بالكعبة المشرفة وهكذا كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي زمان الخليفة الأول وفي بدايات خلافة الثاني ولكن بعد ذلك فصله الخليفة الثاني عن الكعبة كما كان كذلك في عهد الجاهلية فانه في زمان الجاهلية فُصِل عن الكعبة بحجَّة أنه يحصل زحامٌ عنده وبالتالي يحصل زحام عند الكعبة فرجّحوا فصله عن الكعبة ، هكذا ورد في بعض النصوص ، والخليفة الثاني أيضاً سأل بعض الناس وقال من يعرف مكانه في زمان الجاهلية - أي قبل بناء الكعبة وقبل أن يضعه النبي صلى الله عليه وآله بيده المباركة حيث وضعه متصلاً بالكعبة - فقال شخصٌ أنا أعرف مكانه وعندي المقياس أيضاً فذهب وجاء بالمقياس وفُصِل ، هكذا جاء في بعض الروايات ، ولأجل هذا وقع التساؤل فلاحظ ما رواه الشيخ الصدوق [3] حيث ذكر موثقة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام ( لما أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم أن أذّن بالناس في الحج أخذ الحَجَر الذي فيه أثر قدميه ثم قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره الله عز وجل به فلما تكلم بالكلام لم يحتمله الحجر [4] فغرقت رجلاه فيه فقلع إبراهيم عليه السلام رجليه من الحَجَر قلعاً فلما كثر الناس وصاروا إلى الشرّ والبلاء ازدحموا عليه فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه [5] ليخلو الطواف لمن يطوف بالبيت فلما بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ردّه إلى الموضع الذي وضعه فيه إبراهيم عليه السلام فما زال فيه حتى قُبض رسول الله وفي زمن أبي بكر وأول ولاية عمر ثم قال عمر:- قد ازدحم الناس على هذا المقام فأيكم يعرف موضعه في الجاهلية ؟ فقال له رجل:- أنا أخذت قدره بِقِدَّة [6] ، قال:- والقدَّة عندك ؟ قال:- نعم , قال:- فات به ، فجاء به فأمر بالمقام فحُمِل ورُدَّ إلى الموضع الذي هو فيه الساعة ) ، وعلى منوالها رواية نقلناها في مسألة ( 303 ) حينما ذُكر أنه هل يلزم أن يكون الطواف بين الكعبة والمقام ؟ وهي رواية محمد بن مسلم ( سألته عن حدّ الطواف ...... قال:- كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يطوفون بالبيت والمقام وأنتم الآن تطوفون ما بين المقام وبين البيت ..... والحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت ) [7] .
 وعلى أي حال هاتان الروايتان تدلان على أن المقام كان في عهد إبراهيم وفي عهد النبي متّصلاً بالكعبة المشرفة ثم فُصِل بعد ذلك.
 ولكن نقلنا في تلك المسألة عن صاحب الجواهر(قده) أن مالكاً والطبري نقلا أنه كان في عهد إبراهيم عليه السلام منفصلاً وليس متصلاً بالكعبة ولكنّه في عهد النبي صلى الله عليه وآله كان متصلاً ولم يفصله وانما الذي قام بفصله هو الخليفة الثاني ونصّ عبارته هكذا ( عن مالك والطبري من أن قريشاً قد ألصقته بالبيت خوفاً عليه من السيول واستمر كذلك في عهد النبي فلما ولي الثاني ردَّه إلى موضعه الآن الذي هو مكانه زمن إبراهيم الخليل ) [8] .
 ورد صاحب الجواهر ذلك برد جميل حيث قال:- إن النبي صلى الله عليه وآله أولى من الثاني بالتصدي لهذه المسؤولية ، مضافاً إلى أنه من أين عرف الثاني مكانه في عهد إبراهيم عليه السلام ؟
 ومن هنا قال صاحب الجواهر ( ومن هنا كان المحكي عن ابن أبي مليكة أن موضعه اليوم وفي الجاهلية وفي زمن النبي والخليفة الأول والخليفة الثاني واحد ) ، وعلى أي حال هذه قضية جانبية ليست مهمة.
 ولكن القضية المهمة التي تخطر إلى الذهن وهي أنك قد تسال ويقول:- إذا ثبت أن هناك تغيير فما هي وظيفتنا ؟ هل نتّبع ما صنعه الخليفة الثاني ؟
 والجواب:- إن أأمتنا صلوات الله عليهم أمضوا ذلك وأمرونا بأن نطوف بين الكعبة والمقام حيث هو الآن فنسير على ما أمرونا به ولا وجه للقلق من هذه الناحية.


[1] الوسائل 13 - 422 - 71 من أبواب الطواف ح1.
[2] الشرائع في المسالة الثالثة من أحكام الطواف
[3] علل الشرائع 423.
[4] يحتمل :- تأتي في لغلة العرب بمعنى ( يتحمل ) أي لم يتحمله,
[5] أي الذي فيه الآن منفصلا عن الكعبة.
[6] والقدَّ :- هوسير من جلد.
[7] الوسائل 13 - 350 - 28 من أبواب الطواف ح1.
[8] الجواهر 19 - 296.