33/03/12


تحمیل
 الموضوع :-

الواجب الثالث من واجبات الطواف ( جعل الكعبة على يساره ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الثالث:- جعل الكعبة على يساره في جميع أحوال الطواف ، فإذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل الأركان أو لغيره أو ألجأه الزحام الى استقبال الكعبة أو استدبارها أو جعلها على اليمين فذلك المقدار لا يُعَدُّ من الطواف . والظاهر أن العبرة في جعل الكعبة على اليسار بالصدق العرفي كما يظهر ذلك من طواف النبي صلى الله عليه وآله راكباً .



والأولى المداقَّة في ذلك لاسيما عند فتحتي حِجْرِ إسماعيل وعند الأركان.

 ..........................................................................................................
 يشتمل المتن المذكور على النقاط التالية:-
 النقطة الأولى:- يجب على الطائف عند شروعه من الحجر الأسود أن يجعل الكعبة على يساره كما هو المتعارف الآن في طواف الطائفين ويحترز بذلك عن حالتين:-
  1. أن يجعل الكعبة على يمينه بأن يطوف بعكس اتجاه الطائفين.
  2. أن يطوف على يساره ولكن مع استقبال الكعبة أو استدبارها.
 وقد ذكر في المدارك [1] بأن ذلك مقطوعٌ به في كلام الأصحاب وأن العلامة(قده) أسنده إلى علمائنا وذلك يؤذن بكون المسالة اجماعية.
 وعلى أي حال لا خلاف في ذلك من حيث الفتوى وإنما الكلام في التخريج الصناعي والفني لذلك.
 وقد يستدل على ذلك بالوجهين التاليين:-
 الأول:- ما نسب في المدارك إلى العلامة(قده) من أنه استدل عليه بفعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله ( خذوا عني مناسككم ).
 وذلك كما ترى:- أما فعل النبي صلى الله عليه وآله فهو أعم من الوجوب كما هو واضح ، وأما ( خذوا عني مناسككم ) فغاية ما يدل عليه هو أن ما يفعله النبي صلى الله عليه وآله يلزم أن يؤتى به على النحو الذي أتي به هو ولعله أتى بذلك بنحو الاستحباب . إذن لا يمكن إثبات الوجوب بهذا الحديث - لو تم سنداً -.
 الثاني:- ما جاء في كلمات غير واحدٍ وهو التمسك بمثل صحيحة معاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار [2] دون الركن اليماني بقليل فابسط يديك على البيت ......... ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر الأسود ) [3] .
 ولتوضيح المقصود لابد من شرح بعض مفرداتها باختصار وذلك بأن يقال:- ان الطائف حينما يبتدئ بالحجر الأسود ويسير فانه يصل إلى باب الكعبة بسرعة إذ الفاصل بينهما قليل ثم إلى الركن العراقي ثم إلى الركن الشامي ثم إلى اليماني ، والركن اليماني يصطلح عليه بـ( مؤخر الكعبة ) يعني أن البداية من الحجر الأسود ومؤخر الكعبة ونهايتها هو الركن اليماني ، وقبيل الركن اليماني بقليل يوجد المستجار وهو ما يقابل باب الكعبة من الجهة الأخرى - فباب الكعبة مع المستجار هما متقابلان - والروايـة تقـول ( إذا فرغت من طوافـك ) أي الشوط الأخير ( وبلغت مؤخر الكعبة ) أي الركن اليماني ( وهو بحذاء المستجار ) أو هو المستجار ، ثم قال ( دون الركن اليماني بقليل ) وهـذا تفسـير للمستجـار ( فابسط يديك على البيت .... ) هذا مضمون الرواية وليس فيه خفاء.
 أما تقريب الدلالة فيقال :- ان هذه الكيفية تتحقق فيما إذا وضع الطائف الكعبة على يساره وشرع على يساره ، وأما إذا شرع على يمينه فالفراغ من الطواف ومؤخر الكعبة يكون هو الركن العراقي لا الركن اليماني ، إذن هذه الرواية تدل على لزوم الطواف بنحوٍ تكون فيه الكعبة على يسار الطائف . نعم هذا لا يثبت أنه لا يجوز الاستقبال أو الاستدبار للكعبة بل غاية ما يثبت هو أن الطواف يلزم أن يكون على اليسار ، هكذا ذكر غير واحدٍ منهم السيد الماتن(قده) [4] .
 وجوابه واضح:- وهو أن غاية ما تدل عليه الصحيحة هو أن النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل هكذا أي كان يطوف على يساره - أما ذلك لازم فلا يستفاد من الصحيحة فلعل ذلك شيء راجح فعله النبي صلى الله عليه وآله . إذن لا يمكن أن نستفيد اللزوم من نفس هذه الصحيحة.
 والأجدر التمسك بما ذكرناه غير مرة أعني أن يقال:- ان المسألة عامة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً وحيث أن الأصحاب لم يُعرف بينهم خلاف في ذلك فيحصل للفقيه الاطمئنان بأن ذلك الحكم الواضح وهو ما اتفقوا عليه.
 ويمكن أن نقول بروح أخرى أو بصيغة أخرى:- ان سيرة المسلمين قد جرت بالنحو المعهود بيننا اليوم بنحو يُعَدُّ غيره شيئاً مستهجناً ومنكراً ومرفوضاً وهذا يدل على لزوم هذه الطريقة وإلا لما كانت مستهجنة ومنكرة بين المسلمين فيثبت أنها مُتلقّاة بنحو اللزوم والوجوب من معدن العصمة والطهارة.
 والخلاصة:- لا ينبغي الإشكال في لزوم هذه الطريقة المعهودة وإنما الكلام في التخريج الفني والصناعي كما ذكرنا.
 النقطة الثانية:- لو فرض أن الطائف خالف هذه الطريقة المذكورة واستقبل الكعبة مثلاً في بعض طوافه لسبب وآخر فيلزمه إعادة ذلك المقدار لا كامل الشوط أو كامل الطواف.
 أما أنه يلزم إعادة ذلك المقدار:- فلأنه لم يأت بالمأمور به على كيفيته المطلوبة واجزاء غير المأمور به عنه يحتاج إلى دليل وهو مفقود فيلزم إعادة ذلك المقدار بالكيفية المعهودة كي يحصل المأمور به على وجهه.
 وأما أنه لا يلزم إعادة كامل الشوط أو الطواف:- فباعتبار أن المخالفة قد وقعت في بعض الشوط ولزوم إعادة كامل الشوط أو الطواف يحتاج إلى دليل بعد فرض أن المخالفة لم تقع في كامل الشوط أو كامل الطواف . إذن عدم الدليل على ذلك هو بنفسه يكون صالحاً لإثبات كفاية إعادة المقدار الذي تحققت فيه المخالفة لا أكثر.
 النقطة الثالثة:- ماذا يُقصَد من الطواف على اليسار ؟ هل المدار على اليسار الدقِّي أو العرفي ؟
 والجواب:- المناسب أن يكون المدار على اليسار العرفي وذلك لوجوه ثلاثة:-
 الأول:- ان كون المدار على اليسار الدقِّي يحتاج إلى مُثبت ودليلٍ فان غاية ما يثبت بالأدلة المتقدمة هو أصل اعتبار الطواف على اليسار أما أنه بنحو الدقة فذلك مؤونة وكلفة زائدة تحتاج إلى مثبت والأصل هو العدم . إذن يكفينا عدم الدليل على كفاية اليسار العرفي.
 الثاني:- طواف النبي صلى الله عليه وآله على ناقته كما جاءت الإشارة إلى ذلك في صحيحة الكاهلي المتقدمة إذ من الواضح أن الطواف على الناقة يصعب معه تحديد اليسار الدقِّي.
 الثالث:- ان اعتبار اليسار الدقّي مثار الوسوسة ومن البعيد اعتبار الشارع لذلك - والذي لازمه أنه يشجع على الوسوسة - وبالتالي يحصل الاطمئنان للفقيه على عدم اعتباره ، وبالتالي سوف تكون مرجعية هذا الوجه إلى الاطمئنان ، أي نطمئن بأن الشرع لا يريد اليسار الدقِّي لأنه بذلك يشجع على الوسوسة لأنه غير محتمل.
 ومن هنا يتضح أن الأجدر للسيد الماتن(قده) حذف العبارة التي ذكرها بقوله ( والأولى المداقَّة في ذلك لاسيما عند فتحتي حِجْرِ إسماعيل ) لأنها تشجع على الوسوسة إما بالسكوت بعد الحذف أو بإضافة عبارة أخرى وذلك بأن يقال ( ولا حاجة إلى إعمال الدقّة لأنها مورثة للوسوسة ).
 ثم ان هناك مطلباً لا بأس بالإشارة إليه وهو:- أنه لو فرض أن الطائف كان يسير على يساره ولكن في لحظة حصل منه استقبال الكعبة أو استدبارها فهل يضر هذا المقدار ؟ لعل الفقهاء يقولون نعم يضر ذلك ، ولكن لو رجعنا إلى المدرك المتقدم فيمكن أن يقال بعدم قادحيته إذ المدرك إما سيرة المسلمين كما قلنا أو ابتلائية المسألة أو قطع الأصحاب وكل ذلك يؤدي إلى اعتبار اليسار في الجملة وليس بالجملة كما هو واضح.


[1] المدارك 8 127 .
[2] وفي صحيحته الأخرى ( وهو المستجار ).
[3] الوسائل 13 345 26 من ابواب الطواف ح4.
[4] المعتمد.