33/02/06


تحمیل
 الموضوع :-

الشرط الثالث:- شرطية الطهارة من الخبث / اشتراط الطهارة في الطواف / شروط الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي (قد).
 الوجه الثاني:- رواية يونس بن يعقوب ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأنا أطوف ، قال:- فعرِّف الموضع ثم أخرج فاغسله ثم عُد فابن على طوافك ) [1] ، بتقريب:- انه لو لم تكن الطهارة شرطاً فلا حاجة لأن يأمر الإمام عليه السلام بالخروج وغسل الموضع فكان المناسب له أن يحكم عليه بالاستمرار أو بالتقييد بين الاستمرار وبين الموضع . إذن دلالتها على اعتبار الطهارة في الملابس شيء وجيه.
 نعم هي خاصة بالملابس فكيف نثبت اعتبار ذلك - أي الطهارة - في البدن ؟ يمكن أن يستند في ذلك إلى دعوى عدم الفرق عرفاً من هذه الناحية بين الملابس والبدن ، بل ربما تدَّعى الأولوية كما هو واضح ، فلا ينبغي التشكيك من هذه الناحية.
 نعم المهم هو ملاحظة سندها فإنها رويت بطريقين:-
 الطريق الأول:- الشيخ الصدوق(قده) عن يونس بن يعقوب ، وإذا رجعنا إلى مشيخة الشيخ الصدوق [2] وجدنا في سنده الحكم بن مسكين وهو لم يوثق في الكتب الرجالية.
 الطريق الثاني:- رواية الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن بنان بن محمد عن محسن بن أحمد عن يونس بن يعقوب وطريق الشيخ الطوسي إلى محمد بن أحمد بن يحيى المعروف بـ( صاحب دبة شبيب تشبيها لكتابة نوادر الحكمة بدبة شبيب ) معتبر ولا مشكلة فيه وإنما المشكلة في بنان بن محمد ومحسن بن أحمد فأنهما مجهولان ، وعليه فيشكل الأمر في هذه الرواية.
 نعم نستدرك ونقول:- الا على بعض المباني ، كأن يُصحَّح الطريق الاول أي طريق الشيخ الصدوق(قده) - باعتبار أن الحكم بن مسكين قد ورد في كامل الزيارات بناءاً على كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد الكتاب المذكور ، ونحن لا نرتضي ذلك.
 أو بأن يقال:- ان الحكم قد روى عنه بعض الأعاظم ومن جملتهم ابن أبي عمير - بناءاً على كبرى وثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة أي محمد بن أبي عمير والبزنطي وصفوان - فانه قد روى عنه محمد بن أبي عمير بسند صحيح أي روى عن الحكم بن مسكين [3] - وعليه يمكن تصحيح السند باعتبار هذا المبنى أو غيره ، وإذا كنا نجد خلافاً بين الفقهاء في هذا الشرط فان أحد مناشئه المهمة هو هذه الرواية فهل هي معتبرة حتى يصير هذا الشرط ثابتاً ومعتبراً أو هي غير معتبرة فلا يثبت اعتبار هذا الشرط ؟
 وهناك قضية ثانية:- وهي أنه حتى لو اعتبرنا هذه الرواية من جهة أحد المباني فربما يشكل عليها بأنها معارضة برواية البزنطي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام ( قلت له رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه ، فقال:- أجزأه الطواف ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر ) [4] بتقريب:- انه عليه السلام حكم بالأجزاء وقال ( أجزاه الطواف ) وهذا معناه أن الطهارة ليست شرطاً في صحة الطواف وإلا فكيف حكم بالأجزاء؟!!
 وقد تقول:- إذا لم تكن شرطاً فكيف قال عليه السلام ( ينزعه ويصلي في ثوب طاهر ) أَوَليس هذا تناقضاً ؟
 قلت:- ربما يحمل هذا على الحكم التكليفي ، فتصير النتيجة هي أن الطهارة واجبة تكليفاً في الطواف ولكنها ليست شرطاً في صحته جمعاً بين الحكمين ، وبناءاً عليه تصير هذه الرواية معارضة لرواية يونس بن يعقوب.
 وفي الجواب نقول:- يمكن مناقشة هذه الرواية دلالة وسنداً:-
 أما دلالةً:- فباعتبار أنه قد يدعى انصرافها إلى حالة الغفلة والنسيان فان من البعيد أن يعرف المؤمن أن الطهارة شرط في صحة الطواف وهو وقد جاء إلى بيت الله والى الامتثال والى الطواف وهو يتعمَّد المخالفة ، فلابد وأن يكون المقصود هو أنه كان غافلاً عن ذلك.
 أو يقال:- لو لم نسلم بدعوى الانصراف فيقال إنها مطلقة ، أي هي لم تُقيَّد بقيد العلم والالتفات بل هي مطلقة من هذه الناحية فتقيد بتلك الرواية السابقة الدالة على الشرطية وتحمل على حالة عدم العمد بقرينة تلك الرواية السابقة.
 إذن إما أن يدعى الانصراف أو التقييد هذا دلالة.
 وأما سنداً:- فقد رواها الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام ، وسند الشيخ إلى سعد معتبر كما هو واضح ومحمد بن الحسين من أعاظم أصحابنا ، وأحمد بن محمد هو ابن عيسى الأشعري القمي الثقة الجليل ، وابن أبي نصر هو البزنطي الثقة ، بيد أن المشكلة هي في كون البزنطي يروي عن بعض أصحابه ولم يشخّصه ولعله ليس بثقة ، فتكون الرواية مرسلة فتسقط عن الاعتبار.
 ان قلت:- ان البزنطي هو من أحد الثلاثة ، فإذا قلنا بوثاقة كل من روى عنه أحد الثلاثة فسوف تثبت وثاقة هذا البعض من الأصحاب فانه وان لم نشخصه تفصيلاً ولكن تثبت وثاقته برواية البزنطي عنه.
 قلت:- ان بعض من روى عنه البزنطي لم تثبت وثاقته حتماً ولو لأجل المعارضة بتضعيف الغير ، فلو فرض أن واحداً ممن يروي عنه البزنطي كان ضعيفاً لأجل المعارضة فلا يمكن التمسك بالعموم - أي عموم وثاقة كل من روى عنه البزنطي - فانه قد خرج واحدٌ بالتخصيص جزماً فيصير التمسك بهذا العموم بعد فرض التخصيص وكون المورد من الشبهة المصداقية تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية فان مورد هذه القاعدة - أي عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية - هو أن يكون لدينا عام وخرج منه فرد واحد بالتخصيص - كفقيرٍ معيَّن كما لو قال ( أكرم كل فقير ) وخرج من هذا العموم فقير معيَّن بالمخصص كزيد بن أرقم - وفرض أنه جاءنا شخص فقير ولكن نحتمل أنه زيد بن أرقم فلا يمكن التمسك بالعموم لإثبات وجوب إكرامه لأن الشبهة مصداقية وهي لا يجوز التمسك بها لأنه يوجد عندنا حجتان العام الذي تضيَّق بغير زيد فانه حجة في كل فقير غير زيد وليس في العموم على سعته فالعموم قد انثلمت حجيته فصحيح أن هناك ظهور في العموم ولكنه انثلم من حيث الحجية وصار حجَّة في غير زيدٍ ، والحجة الثانية هي ( لا تكرم زيداً الفقير ) فهاتان حجتان ، وهذا الفرد الذي جاءنا كما يحتمل دخوله في العام فيجب إكرامه كذلك يحتمل دخوله في الخاص فتكون لدينا حجتان وإدخال المشكوك تحت حجية العام ليس بأولى من ادخالة تحت حجية الخاص . إذن لا يمكن الحكم بدخوله في العام كما لا يمكن إدخاله في الخاص فنرجع إلى ما تقتضيه الأصول العملية.
  ان قلت:- إذا فرض وجود شخص ضعيف يروي عنه البزنطي فسوف يثبت كذب تلك الكبرى - وهي أن كل من يروي عنه البزنطي فهو ثقة - إذ يكفي في كذبها شذوذ مصداق واحد ، فلو قيل مثلاً ( ان كل من يروي عنه فلان فهو ثقة ) وكان يروي عن مائة مثلاً وثبت التخلّف في واحدٍ فهذا معناه كذب تلك الكبرى فتسقط عن الاعتبار . إذن سوف يلزم سقوط أصل الكبرى عن الاعتبار قبل أن تصل النوبة قضية عدم إمكان التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
 قلت:- يمكن أن يدعى أن الكبرى صادقة بَعدُ ، فالبزنطي يبني على وثاقة كل من يروي عنه حتى هذا الواحد غايته هذا قد ضُعِّف بمضعِّف خارجي نظير ما إذا شهدت أنا بعدالة فلان وشهد آخر بأنه ليس بعادل فهذا ليس معناه أني كاذب بل يصير من مورد التعارض بين الجرح والتعديل ، فالكبرى تبقى تامة فكل من روى عنه البزنطي يثبت أنه ثقة بشهادة البزنطي غايته أن ذلك الشخص الذي خرج يكون ضعفه قد ثبت بشهادة النجاشي مثلاً فبشهادة النجاشي يثبت ضعفه من باب التعارض بين التعديل والجرح فيسقط التعديل عن الاعتبار ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.
 ومن هنا كان يُشكَل على السيد الخوئي(قده) بالنسبة إلى كامل الزيارات بأن فلاناً وفلاناً وفلاناً ثبت ضعفهم فيثبت كذب تلك الكبرى التي ذكرها ابن قولويه في مقدمة كتابه وهي أنه لا أروي الا عن الثقاة.
 وجوابه هو هذا الجواب:- "وإني لم اسمعه منه ولكن ينبغي أن يكون هذا الجواب " وهو أن ابن قولويه يوثّق الجميع غايته أن هؤلاء الخمسة أو الستة قد ثبت ضعفهم بمضعِّفٍ وبجرحٍ خارجي ويصير المورد من موارد تعارض الجرح والتعديل فيسقط عن الاعتبار لا لعدم التعديل بل لمعارضة التعديل بالجرح ، وهذه نكتة ظريفة.
 نعم هو قد تراجع بعد ذلك عن كامل الزيارات وكان أحد أسباب رجوعه هو ما ذكرنا حيث توجد كثرة كاثرة فيمن ضُعِّف ولا ينحصر العدد بخمسة أو ستة وهذه الكثرة قد تشكل قرينة على أن مقصود بن قولويه ليس هو توثيق جميع من ورد في أسانيد الكتاب المذكور بل خصوص المباشرين.
 ان قلت:- سلمنا أن بعض من روى عنه البزنطي قد جُرِح ويصير المورد من تعارض الجرح والتعديل ولكن لِمَ لا نطبِّق حساب الاحتمال هنا ونُحصِّل الاطمئنان بأن هذا ليس ممن ضُعِّف كما كنا نطبِّق حساب الاحتمال في حق من يروي عنه ابن أبي عمير في بعض المجالات.
 قلت:- ان تطبيق حساب الاحتمال إنما يكون وجيهاً فيما لو قال البزنطي أو ابن أبي عمير أو صفوان ( عن غير واحد من أصحابنا ) لا ما إذا قال ( عن بعض أصحابنا ) فان البعض يصدق على الواحد ويحتمل أن يكون ذلك الواحد هو ذلك الشخص الذي هون ضُعِّيف ، وهذا بخلاف ما إذا قال ( عن غير واحد من أصحابنا ) فان التعبير المذكور يصدق على ثلاثة فما زاد ومن البعيد أنّ كل الثلاثة هم من خصوص دائرة مَن ضُعِّف . إذن حساب الاحتمال يختص تطبيقه بما إذا كان التعبير بـ( عن غير واحد من أصحابنا ) لا ما إذا كان التعبير بـ( عن بعض أصحابنا ).
 والخلاصة من كل هذا:- ان رواية يونس يمكن أن يتمسك بها لإثبات شرطية الطهارة في لباس وبدن الطائف لإمكان تصحيح السند على بعض المباني والمعارضة برواية البزنطي مدفوعة بما تقدم.


[1] الوسائل 13 -399 -52 ابواب الطواف ح1.
[2] الجزء الرابع من الفقيه.
[3] الكافي 2 - 191 12 ، 5 492 1 . وغير ذلك من الموارد.
[4] المصدر السابق ح3.