32/10/13


تحمیل

الرواية الرابعة:- صحيحة حريز الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام ( قال رسول الله صلى الله عليه واله ألا ان الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرام الله الى يوم القيامة لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلا خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، فقال العباس:- يا رسول الله إلا الاذخر فانه للقبر والبيوت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:-إلا الاذخر )[1] . هكذا هي رواية الشيخ الكليني (قده).

 وزاد الشيخ الصدوق (قده) ما يلي:- ( فقام إليه العباس بن عبد المطلب فقال:- يا رسول الله إلا الاذخر فانه للقبر ولسقوف بيوتنا ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة ، وندم العباس على ما قال ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله إلا الاذخر )[2] .

 وهي كما ترى تدل على المطلوب ، أعني عدم جواز قلع أو قطع نبات الحرم أعم من الشجر وغيره حيث جاء في الرواية ( ولا يعضد أي ولا يقطع ولا يختلا خلاها أي ولا يقطع نباتها الرطب - )

قضية جانبية:- ان الرواية دلت أيضاً على حرمة تنفير الصيد بقتله أو باصطياده أو نحو ذلك حيث قيل ( ولا ينفر صيدها ) ، وجاء فيها أيضاً ( ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ) ورب قائل يقول ان هذه الفقرة تدل على أن محرمات الحرم هي أكثر من اثنين والحال أن الفقهاء ذكروا اثنين فقط الصيد وقلع النبات بينما هذه الفقرة تدل على حرمة اللقطة ؟

 والجواب:- انها لا تدل على ذلك لأنها قالت ( ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ) أي إلا لطالب تعريف اللقطة فمن يلتقطها للتعريف لا تحرم عليه وهذه قضية واضحة فمن المسلم أن الالتقاط إذا لم يكن بهدف التعريف فهو محرم من دون فرق بين لقطة الحرم ولقطة غيره ، إذن هي لا تدل على وجود محرم ثالث.

 وقد تعرض المححق الحلي(قده) في الشرائع الى لقطة الحرم وذكر أن في ذلك قولين قول بالتحريم وقول بالكراهة ثم قال ( وهو أشبه ) - يعني القول بالكراهة - ومن أراد مزيد الاطلاع فبإمكانه مراجعة الجواهر[3] .

 وعلى أي حال العبارة المذكورة لا تدل على حرمة اللقطة في الحرم إذا كان ذلك بقصد التعريف.

ومن باب القضية الجانبية أيضاً:- ان هذه الرواية تدل على ثبوت السلطة التشريعية للنبي صلى الله عليه وآله حيث قام العباس إليه وقال ( إلا الاذخر ) والنبي بعد ذلك أمضى ما قاله عمه وهذا معناه أن له سلطة تشريعية إذ لو لم تكن له السلطة المذكورة لا معنى لأن يمضي ذلك ويستجيب لما أراده عمه بل كان من المناسب أن يقول ان القضية ليست بيدي.

  ومثل هذا قد نجده في أئمتنا عليهم السلام ، يعني أن السائل يطلب من الإمام التخفيف والإمام يستجيب ويخفف وهذا قد يستفاد منه ثبوت السلطة التشريعية للإمام عليه السلام أيضاً وإلا فلا معنى للاستجابة للتخفيف ، وهذه قضية جانبية الفت النظر إليها.

الرواية الخامسة:- صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ( لا ينزع من شجر مكة شيء إلا النخل وشجر الفاكهة )[4] ، وهي تدل على الاستثناء - أي استثناء النخل وشجر الفاكهة - وسوف يأتي بيان ذلك إنشاء الله تعالى.

الرواية السادسة:- رواية عبد الله بن سنان ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته ؟ قال:- نعم ، قلت:- له ان يحتش لدابته وبعيره ؟ قال:- نعم ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فإذا دخل الحرم فلا )[5] وهي تدل على حرمة قطع شيء من شجر الحرم ، وسندها كالتالي( محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن موسى بن سعدان عن عبد الله بن القاسم عن عبد الله بن سنان ) والكل ثقاة عدى عبد الله بن القاسم فانه مردد بين الحضرمي الذي قال عنه النجاشي انه كذاب وبين غيره الذي هو مجهول ، فالرواية إذن ساقطة عن الاعتبار بسبب ضعف الرجل المذكور ولذلك عبرنا بالرواية.

الرواية السابعة:- ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن إسحاق بن يزيد ( سأل أبا جعفر عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها ، قال:- اقطع ما كان داخلاً عليك ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك )[6] ، وهي تدل على مطلبين الأول حرمة قطع شجر مكة والثاني استثناء ما دخل عليك - أي ما تدلى على دارك من أغصان وفروع الشجر - فيجوز لك قطعه.

 ولكن المشكلة في سند الشيخ الصدوق الى إسحاق فان إسحاق يمكن توثيقه إذ النجاشي ذكر تحت عنوان ( إسحاق بن بريد ) أنه ثقة ولا يبعد أن ابن بريد وابن يزيد واحد والاختلاف من باب التصحيف وإلا فلا يوجد رجلان أحدهما باسم إسحاق بن يزيد والثاني باسم إسحاق بن بريد فلا يبعد حصول الاطمئنان بالوحدة ، إلا ان المشكلة هي من حيث سند الصدوق الى إسحاق فانه هكذا ( محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن عبد الله البرقي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن مثنى بن الوليد عن إسحاق بن يزيد ) والذي يتوقف من ناحيته هو محمد بن موسى وعلي بن الحسين السعد آبادي ، فان قلنا بوثاقة مشايخ الإجازة فيمكن الحكم بوثاقة السعد آبادي لأنه من مشايخ الإجازة.

 وأما محمد بن موسى بن المتوكل فهو قد ترضى عنه الشيخ الصدوق وقال ( رضي الله عنه ) فان قلنا ان الترضي يفيد الوثاقة فهو وإلا فأمره مشكل . اللهم إلا أن يقال ان هذا الرجل من مشايخ الشيخ الصدوق ولا يحتمل في مشايخ الصدوق الضعف والكذب وما شاكل ذلك.

 وهذا كلام أشبه بالكلام الخطابي منه بالكلام العلمي ولم يكن هناك التزام من قبل الشيخ الصدوق أن لا يروي إلا عن ثقة فان هذا شيء غير ثابت بل انه ذكر في حق بعض مشايخه وهو ( الضبِّي ) أنه كان يقول ( اللهم صل على محمد فرداً ) يعني أنه كان ناصبياً.

وقد تستبدل اللرواية المذكورة برواية أخرى:- وهي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام ( ان الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ؟ قال:- ان بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها )[7] بناءاً على أن المقصود من الرواية السابقة حينما قالت ( اقطع ما كان داخلاً عليك ... ) هو نفس ما يراد في هذه الرواية - يعني اقطع الشجرة إذا نبتت في منزلك - فانه آنذاك يصير مضمونهما واحداً.

 ولكن سند هذه الرواية مشكل أيضاً فقد رواها صاحب الوسائل ثلاث مرات:-

 المرة الاولى:- عن الكافي بالسند التالي ( الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن حماد بن عثمان ) والحسين بن محمد هو الأشعري القمي الثقة والوشاء من وجوه أصحابنا وحماد كذلك ، وإنما المشكلة في المعلى بن محمد البصري فانه قد ضعف ولا أقل لم يوثق.

 والمرة الثانية:- رواها عن التهذيب بالسند التالي ( سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن يحيى عن حماد بن عثمان ) ، وسعد صاحب كتاب الرحمة من أجلة أصحابنا ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب كذلك ، وإنما المشكلة في محمد بن يحيى فانه مجهول أو ضعيف.

ان قلت:- أو ليس أن محمد بن يحيى قد مر سابقاً أنه من ثقاة أصحابنا وقد روى عنه الشيخ الكليني ربع الكافي أو أكثر ؟

قلت:- ذاك الشخص غير هذا فلا ينبغي الالتباس ، فانه إذا ذكر محمد بن يحيى في بداية سند الكليني فهو الأشعري القمي الثقة الجليل وأما إذا ذكر في وسط السند كما هو الحال هنا فان سعداً روى عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى وهذا هو محمد بن يحيى الصيرفي الذي قد ضعف أو هو مجهول . وهذه نكتة رجالية ينبغي الالتفات إليها.

 والمرة الثالثة:- رواها عن التهذيب أيضاً ( عن سعد عن محمد بن الحسين عن أيوب بن نوح عن محمد بن يحيى الصيرفي عن حماد بن عثمان ) ، والمشكلة هي المشكلة ، أي بلحاظ محمد بن يحيى الصيرفي.

الرواية الثامنة:- صحيحة معاوية بن عمار ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال:- حرم فرعها لمكان أصلها ، قلت:- فان أصلها في الحل وفرعها في الحرم ؟ فقال:- حرم أصلها لمكان فرعها )[8] . وبمضمونها روايات أخرى

 والفت النظر الى أن مضمون هذه الرواية يغاير مضمون الرواية السابقة ، فالسابقة كانت ناظرة الى ما دخل في ملك الشخص أما بعنوان التدلي في ملكه أو من باب أنها نبتت بعد شراءه الدار وتملكه لها والإمام عليه السلام حكم بأنه لا بأس بقطعها ، وأما هذه فهي ناظرة الى قضية أخرى غير التدلي في الملك أو النبات فيه وإنما هناك شجرة في الحرم تدلت بعض أغصانها الى خارج الحرم وهي ليست ملكاً لي فهل يجوز قطع ما تدلى خارج الحرم ؟ وهكذا العكس ، يعني لو نبتت في الحل وتدلى بعض فروعها الى الحرم ، والإمام عليه السلام حكم بحرمة القطع في كلتا الحالتين . إذن هذا المضمون يغاير ذلك المضمون فلا ينبغي حصول الخلط من هذه الناحية . هذا كله بلحاظ الروايات.

[1] الوسائل 12 557 88 تروك الإحرام ح1.

[2] المصدر السابق ح4.

[3] الجواهر 38 283 .

[4] الوسائل 12 -554 87 تروك الإحرام ح1.

[5] الوسائل 12 -552 -85 تروك الإحرام ح1.

[6] الوسائل 12 -55 87 تروك الإحرام ح6.

[7] المصدر السابق ح8.

[8] الوسائل 12 -559 90 تروك الإحرام ح1 .