32/10/12


تحمیل

الصيد في الحرم وقلع شجره ونبته:-

هناك ما تعم حرمته للمحرم والمحل وهو أمران أحدهما الصيد في الحرم فانه يحرم على المحل والمحرم كما تقدم وثانيهما قلع أو قطع كل شيء نبت في الحرم من شجر أو غيره ولا بأس بما يقطع عند المشي على النحو المتعارف كما لا بأس بأن تترك الدواب في الحرم لتأكل من حشيشه ........... الى أخر ما أفاد ( قده).

 ذكرنا فيما سبق المحرمات على المحرم فانه يجدر التفات الى أن المحرمات على المكلف في مكة هي على نحوين:-

أحدهما:- ما يحرم عليه من حيثية الإحرام وليس من حيثية مكة وشرفها وحرمتها وهذا ما تقدمت الإشارة إليه وانتهينا من ذلك وكان عدد المحرمات حسب ما ذكر السيد الخوئي (قده) خمسة وعشرين محرماً.

وثانيهما:- ما يحرم عليه لا لأجل حيثية الإحرام بل لحيثية مكة وحرمتها بقطع النظر عن كون الشخص محرماً أو محلاً فكلاهما يحرم عليه بعض الأشياء ، ويمكن أن نصطلح على هذا بـ(محرمات مكة ) وعلى ذاك بـ( محرمات الإحرام ) ، وما هي محرمات مكة ؟ انها اثنان:-

الأول:- الصيد وهو من المشتركات - يعني أنه يحرم على المحرم من حيثية الإحرام ويحرم على المحرم من حيثية مكة - فالمكلف إذا كان محرماً حرم عليه الصيد وان كان خارج مكة والمحل يحرم عليه الصيد أيضاً ان كان في مكة وهذا قد تقدم الحديث عنه.

والثاني:- هو قلع وقطع نبات الحرم أي حرم مكة - أعم من كون ذلك النبات شجر أو غير ذلك - وهو الذي يدور حديثنا الآن عنة - . نعم دلت الروايات على بعض المستثنيات نشير إليها فيما بعد .

 وقد ذكر صاحب الجواهر ( أن ذلك - أعني الحرمة بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه)[1]

 وقبل أن نذكر النقاط التي يشتمل عليها المتن لابد وأن نشير الى روايات المسألة وهي كما يلي:-

الاولى:- صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام ( كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبتَّه أنت وغرسته )[2]

 .

 وقريب منها روايته الأخرى[3] بل لعلها عينها غايته لم تذكر الاستثناء يعني قوله ( إلا ما أنبته أنت وغرسته ) وإلا فما قبل الاستثناء متحد بين الروايتين ، ودلالة هذه الرواية على القاعدة الكلية شيء واضح فهي قالت ( كل شيء نبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين ) ومعنى أجمعين هو من دون اختصاص بالمحرم.

 وأما بالنسبة الى سند الرواية المذكورة فقد رواها الشيخ الطوسي بسنده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن عن حماد بن عيسى عن حريز ، وسند الشيخ الى موسى بن القاسم البجلي الذي هو من أجلاء أصحابنا صحيح على ما في المشيخة وهكذا الحال بالنسبة الى حماد وحريز فهما من أجلاء الأصحاب ، وإنما الكلام في عبد الرحمن فانه لم تذكر مشخصاته فهل هو عبد الرحمن بن نجران الثقة أو هو ابن سيابة الذي لم تثبت وثاقته بشكل مؤكد أو غيرهما ؟

  والجواب:- ان الطريق للتخلص من هذه المشكلة هو مراجعة من يروي عنه موسى بن القاسم ومن يروي عن حماد بن عيسى فان عبد الرحمن متوسط بينهم فنراجع الاثنين معاً ، وإذا رجعنا الى ترجمة موسى بن القاسم وجدناه يروي عن عبد الرحمن بن نجران الثقة كما يروي عن عبد الرحمن بن سيابة الذي لم تثبت وثاقته إلا بناءاً على القول بوثاقة أسانيد كامل الزيارات ، فلو خلينا نحن وهذا المقدار للزمنا التوقف لاحتمال أنه عبد الرحمن بن سيابة لأننا لا نبني على وثاقة كل أسانيد كامل الزيارات ، ولكن إذا رجعنا الى ترجمة حماد بن عيسى وجدنا أن من يروي عنه فقط هو عبد الرحمن بن أبي نجران فيتعين أن يكون عبد الرحمن هو عبد الرحمن بن أبي نجران ، وعليه فلا مشكلة في سند الرواية المذكورة ولا في دلالتها.

الرواية الثانية:- موثقة زرارة ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :- حرَّم الله حَرَمَه بريداً في بريد[4] أن يختلا خلاه أو يعضد شجره إلا الاذخِر أو يصطاد طيره ، وحرَّم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة ما بين لابَتيْها صيدها وحرَّم ما حولها بريداً في بريد أن يختلا خلاها أو يعضد شجرها إلا عودي الناضح )[5] .

 ودلالتها على حرمة كل ما نبت في الحرم غير الاذخر واضحة ، وهي أيضا تدل على ثبوت السلطة التشريعية للنبي صلى الله عليه وآله فان الله حرم مكة بريداً في بريد على ما تقول الرواية والنبي حرَّم المدينة بريداً في بريد ، وهذه قضية جانبية لا ربط لها في المقام أردت الإشارة إليها.

 وورد فيها كلمة ( أن يختلى خلاه ) والخُلا بالضم النبات الرطب ويذكر ويؤنث فيقال خُلا وخُلاة نظير حصى وحصاة و ( يختلا ) بمعنى يُقطع فيصير المعنى أن الله عز وجل حرَّم قطع نبات الحرم , أما قوله ( يُعضَد شجره ) فالعَضد هو بمعنى القطع ، وقوله ( إلا الاذخِر ) والاذخِر على ما قيل نبات عريض الأوراق طيب الرائحة وربما قيل عنه أنه تسقف به البيوت ويحرقه الحدّاد بدل الحطب والفحم وهو بكسر الهمزة والخاء يعني ( الاِذخِر) ، وأما قوله ( وحرم النبي صلى الله عليه وآله المدينة بين لابتيها ) ولابَتَيْها أي لا بتي المدينة هو مثنى لابَة واللابَة هي الأرض ذات الحجارة السود والمدينة محاطة بحرَّتين أو لابَتين أحداهما حرَّة واقم ( لابَة واقم ) والأخرى حرَّة وفرة ( لابَة وفرة ) وهذان حدّان لحرم المدينة المنورة ، ثم في آخرها استثناء عودي الناضح حيث قيل ( إلا عودي الناضح ) والناضح هو البعير الذي يستقى عليه الماء ولكنه استعمل بعد ذلك في مطلق البعير أعم من كونه يحمل الماء أو لا ، وعودي الناضح عبارة عن الخشبتين للمحالة - أي البكرة التي يستقى عليها من البئر بواسطة الناضح - ، وقد ورد في المصدر أعني التهذيب هكذا ( إلا عودي محالة الناضح ) ولكن في الوسائل العبارة هكذا ( إلا عودي الناضح) من دون كلمة ( محالة ) والمحالة عبارة عن البكرة التي توضع على البئر وهي ملتصقة بخشبتين .

 كما أن الرواية قالت ( حرم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلا خلاه أو يعضد شجره إلا الاذخر أو يصاد طيره وحرَّم النبي صلى الله عليه وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها ) وكيف يكون ذلك حيث ذكر كلمة ( صيدها ) وهي هنا بدل بعض من كل عن المدينة فكيف يكون ذلك ؟

الرواية الثالثة:- صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام ( يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما يشاء )[6] .

 وهي لا تدل على القاعدة الكلية يعني حرمة كل ما نبت في الحرم وإنما تدل على إباحة ما يأكله البعير وتركه ليأكل من نبات الحرم فهي تدل على الاستثناء من القاعدة الكلية . نعم بالالتزام نفهم القاعدة الكلية أي من الاستثناء يفهم وجود القاعدة الكلية وإلا فلا معنى لذكر الاستثناء من دون ثبوت تلك القاعدة.

 وقريب منها صحيحة محمد بن حمران ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النبت الذي في أرض الحرم أينزع ؟ فقال:- أما شيءٌ تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه )[7]

[1] الجواهر ج18 ص412.

[2] الوسائل 12 -353 ب86 تروك الإحرام ح4.

[3] المصدر السابق ح1.

[4] والبريد هو مسافة أربعة فراسخ .

[5] الوسائل12 554 87 من تروك الإحرام ح4.

[6] الوسائل 12- 558 -89 من تروك الإحرام ح1

[7] المصدر السابق ح2 .