07-07-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  مسألة ( 427 ) / الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت بمنى ).
استدراك:- ذكرنا في المحاضرة السابقة أنه قد يستدل ببعض الروايات على عدم الاجتزاء بالمبيت في النصف الثاني من الليل في منى والرواية الثانية التي ذكرناها - والتي كانت في محاضرتنا السابقة هي أوّل رواية - هي رواية أبي الصباح الكناني:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الدُّلْجَة إلى مكة أيام منى وأنا أريد أن أزور البيت، فقال:- لا حتى ينشق الفجر كراهية أن يبيت الرجل بغير منى )، فهذه الرواية ذكرناها كدليلٍ على عدم الاجتزاء بالمبيت في النصف الثاني، ولكن لم نذكر تقريباً أو لعلّ ما ذكرناه كان مشوّشاً.
والآن نريد أن نبينه بشكلٍ جليّ فنقول:-كيف نقرب دلالة هذه الرواية على عدم الاجتزاء بالمبيت في النصف الثاني ؟ والتقريب هو:- إن الراوي سأل الإمام عليه السلام عن الدُّلْجَة يعني الخروج من منى أوّل الليل إلى مكة والمفروض أنه في ليالي منى التي يجب فيها المبيت فقال ( لا حتى ينشق الفجر ) فلو كان يُجتزَى بالمبيت في النصف الثاني لكان من المناسب له عليه السلام أن يقول ( لا إلّا أن ترجع قبل النصف الثاني )، فإذا كان النصف الثاني يجزي فلماذا يمنعه من الخروج رأساً إلى الفجر ولكان يقول له:- ( إلّا أن ترجع قبل نصف الليل ) أو يقول له:- ( نعم إذا رجعت قبل نصف الليل )، ولكن الإمام عليه السلام ترك ذلك وقال:- ( قبل الفجر ) فهذا يدلّ على أن اللبث والمبيت في النصف الثاني لا يجزي.
ولكن ما ذكرناه من الردّ يأتي نفسه:- حيث قلنا إن هذه الرواية تدلّ على المبيت في النصف الأوّل أيضاً لا يجزي فلو كان يجزي لكان من المناسب له أن يقول أخرج بعد منتصف الليل لكن نهاه عن الخروج إلى الفجر فهذا يدلّ على أن النصف الأوّل وحده لا يكفي وإنما اللازم هو تمام الليل.
التفصيل بين الليالي:-
ذكرنا فيما سبق أنه يجوز للمكلف أن يجتزئ بالمبيت في ليالي منى بأحد النصفين والآن نقول:- هل هناك فرقٌ بين ليلة الحادي عشر والثاني عشر من جانبٍ وبين ليلة الثالث عشر ؟ فربما يقال إن ليلة الثالث عشر لها ميزة فمن أدركه غروب ليلة الثالث عشر وهو في منى لزمه البقاء أو من لم يتّق الصيد والنساء يلزمه المبيت من أوّل الليل إلى آخره، فليلة الثالث عشر لها ميزة عن غيرها، هكذا نفرّق، أو نقول إن الليالي الثلاث جميعها على منوالٍ واحدٍ فحتّى الليلة الثالثة عشر يكتفى فيها بأحد النصفين ؟
المناسب لو لاحظنا صحيحة معاوية السابقة الدالة على الاجتزاء بأحد النصفين لرأيناها مطلقة من هذه الناحية فهي قالت:- ( عن أبي عبد اله عليه السلام قال:- لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بِت في غيرها فعليك دم فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلا وأنت في منى[1] .... وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها[2] )، إنها لم تفرّق بين ليالي التشريق بل ورد في صدرها هكذا:- ( لا تبِت ليالي التشريق ) فتشمل الليالي الثلاث حينئذٍ ولا يختص بالليلة الأولى والثانية.
إذن لو لاحظنا الروايات فيمكن أن نقول إنه لا فرق من هذه الناحية . كما أنّه لو لاحظنا كلمات الفقهاء فعله لا نجد تفرقة بين الليالي، فلا الروايات ولا كلمات الفقهاء.
إلّا أنه توجد روايتان قد يستفاد منهما أن الليلة الثالث عشر من أول الليل الى الفجر والروايتان هما:-
الأولى:- صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( .... إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل[3] فبت بمنى فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح )[4].
الثانية:- صحيحة أو رواية أبي بصير:- ( وعنه[5] عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير قال:- سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينفر في المفر الأوّل، قال:- له أن ينفر ما بينه وبين أن تسفر الشمس[6] فإن هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر وليبِت بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى شاء )[7].
ولكن كما قلنا:- حيث لم يُعرَف قائل وعامل بهاتين الروايتين فهما إذن ساقطتان عن الاعتبار، إلّا أن الاحتياط لأجلهما شيءٌ جيّد.
فالمناسب إذن بالنسبة الى ليلة الثالث عشر هو البقاء حتى الصباح بل حتى طلوع الشمس . وكان من المناسب للأعلام الإشارة إلى ذلك.
تحديد نصف الليل:-
عرفنا فيما سبق أن اللازم في الليلة الأولى والثانية هو المبيت في أحد النصفين، بيد أن السؤال هو:- كيف نحدّد نهاية النصف الأوّل ؟ وهكذا بالنسبة إلى بداية النصف الثاني ؟
فإن قلنا إنّ الليل ينتهي بطلوع الشمس كما يراه السيد الخوئي(قده) فالمناسب أن نأخذ نصف الفترة بين الغروب إلى طلوع الشمس وهي تزيد حينئذٍ بثلاثة أرباع الساعة تقريباً - أو أكثر من ذلك أو أقل باختلاف فصول السنة -، أمّا إذا قلنا إنَّ الليل ينتهي إلى طلوع للفجر فالفترة حينئذٍ تؤخذ من الغروب إلى طلوع الفجر وتُنّصَّف، يعني لابد من حذف مقدار ساعة ونصف تقريباً من الحساب لأن الفارق ما بين الطلوعين هو ساعة ونصف تقريباً، وحينئذٍ سوف يقلّ نصف الليل بثلاثة أرباع الساعة، وحينئذٍ المدار على ماذا ؟ وواضح أنه على الرأي المشهور الذي يرى أنّ الليل يمتدّ إلى طلوع الفجر وليس على طلوع الشمس أنّ المدار هو ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر، إنما الكلام على رأي السيد الخوئي(قده) الذي يرى امتداد الليل إلى طلوع الشمس فهنا يأخذ الفترة الى متى ؟ فهل من الغروب وإلى متى ؟ فهل إلى طلوع الشمس أو يأخذها في خصوص ليالي منى إلى طلوع الفجر ؟
والجواب:- سئل(قده) واستفتي عن ذلك فقال المدار هنا إلى طلوع الفجر[8]، فهنا وافق(قده) المشهور.
والنكتة كما لعلّه يظهر من بعض أجوبته هو أن الروايات حدّدت إلى طلوع الفجر.
والظاهر أنّه يشير بذلك إلى صحيحة معاوية المتقدّمة - وواضح أن تعبير إلى الفجر ليس موجوداً في الروايات ولكن يوجد ما يلازم ذلك - حيث جاء فيها:- ( لا تبِت ليالي التشريق إلا بمنى فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى ... وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تصبح في غيرها )، بتقريب:- أن الصبح عبارة عن طلوع الفجر فيصير المقصود أنه إلى طلوع الفجر لا بأس وأن تكون في غير منى ما دام قد خرجت بعد نصف الليل، فيظهر أن اللازم هو إمّا النصف الأوّل أو هذا النصف الثاني إلى طلوع الفجر، فالدلالة لابد وأن تكون من هذه الناحية وإلا فلا توجد عندنا رواية تدلّ على غير ذلك . هذا ما قد يوجّه به ما أفاده(قده).
ولكن يمكن أن يقال:- لو قبلنا أنّ هذه الرواية تدلّ على أنّ النصف الثاني ينتهي إلى طلوع الفجر ولكن ليس فيها دلالة على أنّ النصف الأوّل يُلاحَظ أيضاً بالقياس إلى طلوع الفجر، فلعلّ النصف الأوّل يبقى على حاله - يعني هو إلى طلوع الشمس - ولكن التغيّر يصير في خصوص النصف الثاني، فالمدار في النصف الأوّل على الوضع الطبيعي - أي إلى طلوع الشمس - حيث يرى السيد الخوئي(قده) أن المدار على طلوع الشمس فيبقى إلى طلوع الشمس ولكن النصف الثاني يحصل فيه تغيّر عن الوضع الطبيعي، فالمدار لأجل هذه الروايات إلى طلوع الفجر فيحصل تغيّر بين النصفين فالنصف الأوّل يبقى على الوضع الطبيعي والنصف الثاني يحصل فيه تغيّر، اللهم إلا أن يقول قائل إن حكم النصفين واحدٌ فإمّا أنَّ الاثنين يكون المدار فيهما على طلوع الشمس أو الاثنين يكون المدار فيهما على طلوع الفجر، أمّا أنَّ ذاك يبقى إلى طلوع الشمس والثاني يبقى إلى طلوع الفجر فإنه شيءٌ بعيد، وإذا كان هذا بعيداً حقاً فيصير هذا قريبة جيّدة . ولكن لا أدري هل هو بعيدٌ حقاً ؟!! إنّه أوّل الكلام.
وعلى أيّ حال كان المناسب له(قده) الإشارة إلى هذا المطلب، ولكن هذا الكلام كلّه يجري على رأيه(قده) الذي يرى أن مدار الليل إلى طلوع الشمس، أمّا بعد أن نبني وفاقاً للمشهور على أنه إلى طلوع الفجر بالدلالة العرفيّة حيث إنّه لو قيل لشخصٍ تعال في الليل فجاء بعد طلوع الفجر فهذا لا يُقبَل منه ويقال هو لم يأتِ في الليل . إذن ليس من البعيد أنَّ الرأي المشهور هو الصحيح فلا تظهر ثمرة إذن لهذا النزاع والكلام.
النقطة الثالثة:-  الأولى لمن خرج بعد النصف الأوّل من منى أن لا يدخل مكّة المكرّمة قبل طلوع الفجر.
ومن هو القائل بذلك ؟ وما هو مدرك القول بذلك ؟
والجواب:- نسب هذا القول إلى الشيخ الطوسي(قده)، أمّا ما هو مدركه ؟ إنّه لا يُدرى فلا يوجد ذلك في الروايات، قال المحقّق(قده) في الشرائع:- ( فلو بات بغيرها كان عليه عن كلّ ليلة شاة إلّا أن يبيت بمكة مشتغلاً بالعبادة أو يخرج منى بعد نصف الليل وقيل بشرط أن لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر )، وقال في المدارك:- ( هذا القول للشيخ رحمه الله وهو ضعيفٌ لإطلاق الإذن في الخروج بعد الانتصاف في عدّة روايات ... بل صحيحة العيص بن القاسم صريحة في جواز دخول مكّة قبل طلوع الفجر حيث قال فيها " وإن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح وهو بمكة " )[9]، وقال في الجواهر:- ( لم نعرف له مأخذاً معتدّاً به كما اعترف به في الدروس )[10]، وقال الشيخ النراقي(قده):- ( ولم أعثر على مستندٍ لهم كما اعترف به في الدروس )[11].


[1]  وقلنا هذا يدل على كفاية النصف الثاني.
[2]  وهذا يدل على الاجتزاء بالنصف الاول.
[3] يعني اليوم الثاني عشر وجاء الليل فدخلت الليلة الثالثة عشر.
[5]  أي عن الحسين بن سعيد. ومن هنا ردّدت بين كونها صحيحة ورواية  - على المباني -.
[6]  هكذا موجود في الوسائل ولكن في المصدر الموجود هو ( تصفَرَّ الشمس ).
[8]  ذكر ذلك في صراط النجاة.