27-06-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:-  المبيت بمنى
فرعان في المقام:-
هناك فرعان قد أشار إليهما غير واحد من الفقهاء يرتبطان بمسألة المبيت في منى:-
الفرع الأوّل:- لو فرض أن المكلف خرج من منى بعد الزوال وقبل حلول المساء وبعد أن خرج تذكر أنه ترك شيئاً في منى- كالمسبحة أو الخاتم - فعاد إليها بعد المساء، والسؤال:- هل يلزمه أن ببيت في منى باعتبار أنه الآن يصدق عليه قد عليه حلّ المساء وهو في منى ؟
والجواب:- ذكر غير واحدٍ من الفقهاء أنّه لا يجب عليه ذلك، قال في التذكرة:- ( ولو رحل قبل الغروب ثم عاد لأخذ متاعٍ أو اجتيازٍ أو زيارة لم يلزمه المقام )[1]، وهكذا ذكر في الجواهر[2].
والوجه في عدم وجوب المبيت:- هو أن العنوان الذي أخذ في الروايات لا يصدق عليه فإن المهمّ في المسالة روايتان إحداهما صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من تعجّل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس فإن ادركه المساء بات ولم ينفر )[3]، والرواية الثانية صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( .... إذا جاء الليل بعد النفر فبت بمنى فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح )[4]، إن العنوان الذي أخذ في هاتين الروايتين لا ينطبق على هذا ولو لأجل الانصراف، فعنوان ( إن أدركه المساء بات ) نفهم منه أنه أدركه المساء وهو في منى وهذا لم يدركه المساء وهو في منى بل أدركه خارج منى، وهكذا العنوان الآخر وهو ( إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى ) فإنه لا يصدق عليه إذ المقصود من جاء الليل يعني وهو في منى وهذا لم يجئ الليل بلحاظه وهو في منى وإنما هو خارج منى حينما جاء الليل . إذن لا يجب على مثل هذا المبيت، وسوف يتعرّض السيد الماتن(قده) إلى هذا الفرع بشكلٍ مستقلٍّ في مسألة ( 430 ).
ولكن الذي نقوله:- إن هذا الفرع لا يشتمل على نكتة علميّة حتى يستحق التعرض إليه لأجلها، نعم في الرسائل العمليّة ربما يخفى ذلك على عوام الناس فيتعرّض إليه لا من باب النكتة العلميّة بل من باب أنه يخفى على بعض الناس أمّا ذكره في الكتب العلميّة فلا لأنها لا تتعرّض إلا إذا كانت هناك نكات علميّة.
ومن الغريب أن الشيخ التبريزي(قده) في تهذيبه[5] ذكر أنه يمكن أن نحكم بوجوب المبيت تمسّكاً بإطلاق النصّ الذي قال:- ( فإن أدركه المساء بات ) ، وهكذا ( إذا جاء الليل فبت بمنى ).
وتقريب الاطلاق أن يقال:- إن الرواية قالت ( إذا أدركه المساء ) وهي لم تقيّد بأن يدركه في بدايته، ومعه يصدق على مثل هذا الشخص أنه أدركه المساء وهو في منى غايته لا من أوّله بل أدركه في وسطه، والرواية لم تقيّد بما إذا أدركه من أوّله، فلابد وأن يكون مقصوده(قده) هو مأ أشرت إليه .
ولكن الجواب واضح:- حيث يدّعى الانصراف، فإن عنوان ( إن أدركه ) يعني وهو في منى، فالبداية مأخوذة من باب أن عنوان أدركه يفهم منه هذا، فإن قبلنا بهذا فبها ونعمت، وأمّا إذا فرض أنه أخذك التشكيك وأنه قد يوجد مجالٌ لمثل ما يقول(قده) فيمكن أن نضيف ونقول:- إنّه بناءً على ما أشرنا إليه في باب الاطلاق من أن الاطلاق يصحّ التمسّك به إذا فرض أنّ المتكلّم لو كان يريد المقيّد واقعاً لاستهجن منه عرفاً الاطلاق، إنه إذا كان يستهجن منه الاطلاق في حالة إرادته المقيّد واقعاً بحيث لو ظهر وقال إن مرادي هو المقيّد لاستهجن منه فآنذاك يصح التمسّك بالإطلاق، وأمّا إذا لم يستهجن منه الاطلاق فلا يمكن التمسّك بالإطلاق.
ونأتي إلى مقامنا ونقول:- إذا ظهر المتكلّم وقال إن مقصودي هي الحالة العاديّة - أي الإنسان الموجود في منى وحلّ عليه المساء فأنا حينما أطلقت فهذا هو مقصودي - فهل يستهجن منه هذا الاطلاق ويقال له لماذا لم تقيّد ؟!  كلّا لا يستهجن منه ذلك، ومعه لا يصحّ التمسّك بالإطلاق وينحصر هذا التعبير بمن كان بمنى ولا يشمل من خرج من منى ثم عاد إليها بعد دخول المساء.
إذن بناءً على هذا المبنى الذي نذكره في باب الاطلاق يكون عدم صحّة التمسّك بالإطلاق أمراً واضحاً.
الفرع الثاني:- لو فرض أن شخصاً خرج قبل المساء وتذكّر حاجته فرجع إلى منى قبل حلول المساء والمفروض أنّه لم يخرج قبل حلول المساء فإذا فرض أنه خرج قبل حلول المساء فلا مشكلة - يعني هو دخل إلى منى قبل حلول المساء ثم خرج قبل حلول المساء - ففي مثل هذه الحالة هل يجب المبيت في حقه أو لا ؟
والجواب:- تعرّض صاحب الجواهر(قده)[6] إلى هذا الفرع ونقل عن المسالك وجهين، كما نقل عن العلّامة(قده) أنه قرّب الوجوب ن واستقرب السيد الخوئي(قده) في المعتمد[7] الوجوب لوجهين:-
الوجه الأوّل:- إنه برجوعه إلى منى ينكشف أن عنوان النفر ليس بصادقٍ في حقّه، يعني ينكشف أنّ هذا لم ينفر إذ المفروض أنّه عاد إلى منى وبعد عوده إليها فمعنى هذا أنّه لم ينفر إذ النفر هو الخروج من منى بنحو الترك الكلّي وهذا لم يترك منى بشكلٍ كلّي . إذن هو لم ينفر من منى والمفروض أنه قد أدركه المساء فيجب عليه المبيت مادام لم ينفر.
الوجه الثاني:- التمسّك بالإطلاق، فإن الروايات مطلقة من هذه الناحية حيث قالت:- ( إن أدركه المساء بات) يعني وهو في منى وهذا يصدق عليه أنه أدركه المساء وهو في منى، فإذن يجب عليه المبيت.
وقبل أن أعلّق أشير إلى قضيّة فنيّة:- وهي أنه هل ما ذكرهما وجهان في روحهما أو أنهما وجهاً واحداً من حيث الروح والجنبة الفنيّة والصناعيّة ؟
والجواب:- يمكن أن يقال هو وجهٌ واحد، فإن الأوّل من دون أن نضمّ إليه الثاني يعود ناقصاً، فلابد وأن نقول هذا ينكشف أنه لم ينفر من منى فيشمله إطلاق ( من أدركه المساء ولم ينفر من منى بات ) ، لأنه من دون ضمّ الاطلاق يكون الأوّل - وهو عدم صدق النفر - ليس كافياً في الوصول إلى النتيجة المطلوبة.
وأما تعليقنا:-
فأمّا بالنسبة إلى الوجه الأوّل فنعلق عليه ونقول:- ما هو تفسير النفر ؟ إنه بلا إشكال لا يصدق على مطلق الخروج من منى وإنما الكلام هل يتوقف صدقه على الخروج بإضافة عدم العود خارجاً أو بإضافة عدم قصد العود، فالمدار على ماذا ؟ فإن كان المدار على عدم العود خارجاً فهنا يتمّ ما ذكره(قده) إذ بعوده ينكشف أنه لم ينفر، أمّا إذا قلنا إن المدار على عدم قصد العود سواء عاد خارجاً أم لم يَعُد فهنا يصدق عليه النفر وإن عاد لأنه حينما خرج كان قاصداً عدم العود ومفهوم النفر مجملٌ من هذه الناحية ومادام مجملاً فكيف يصحّ التمسّك بالإطلاق ؟!! إن التمسّك بالإطلاق فرع كون المفهوم مبيّناً أما إذا كان مردّداً فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق، إنّه تمسّك بالإطلاق في موارد إجمال المفهوم كما إذا قيل ( أكرم العالم ) ولا ندري أن العالم هل هو خصوص الفقيه أو مطلق من يعرف أموراً، هنا لا يصحّ التمسّك بالإطلاق لأن أصل المفهوم ليس بواضحٍ والاطلاق إنما يصحّ التمسّك به إذا كان المفهوم واضحاً ولكن شُكَّ في إرادة المتكلّم  لقيدٍ زائدٍ وخارجٍ عن المفهوم كقيد العدالة في العالم، أمّا إذا كان الشكّ في أصل المفهوم فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق، ومقامنا من هذا القبيل فإن مفهوم النفر مجملٌ على ما أوضحنا فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق آنذاك لعدم صدق عنوان النفر وأنَّ النفر لم يصدق في حقّه فهذا أوّل الكلام.


[2]  جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج20، ص15.
[5]  التهذيب، التبريزي، ج3، ص304.
[6]  جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج20، ص15.
[7]  المعتمد في شرح العروة الوثقى، ج5، ص383.