05-06-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/06/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 420 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وأما بالنسبة إلى العامد:- فقد يقال إنه تلزمه المباشرة ولا تكفيه النيابة - يعني حتى في حالة عدم تمكنه من المباشرة و كون ذلك حرجيّاً فإنه حتى على لتقدير الذكور لا تكفيه النيابة - خلافاً للناسي والجاهل حيث ذكرنا أنه تجوز له النيابة إما لأنه لا نحتمل بقاء حرمة النساء إلى الأبد فيما إذا لم يتمكن من المباشرة - وواضح أنه بالنسبة إلى الجاهل وأما الناسي فكانت فيه روايات تجوّز النيابة وبإطلاقها قد يستفاد جوازها حتى في حالة المباشرة -، أو يمكن التمسّك بحديث نفي الحرج باعتبار أنّ وجوب المباشرة عليه لتحليل النساء حَرَجٌ عليه، إن هذا شيئاً وجيهاً في حقّ الجاهل والناسي، أمّا بالنسبة إلى العامد فبما أنه قد تعمّد ترك الطواف وألقى نفسه باختياره في المحذور فمن المناسب آنذاك بقاء حرمة النساء عليه إلى أن يطوف بالمباشرة، ولو لم تمكنه المباشرة تبقى الحرمة ثابتة في حقّه لأنه هو الذي ألقى نفسه في ذلك باختياره . وإذا قبلنا بهذا هنا فربما يقال مثله بالنسبة إلى الجاهل أيضاً فيما إذا كان مقصّراً . وقد ذهب إلى ذلك الشهيد الأول(قده) في دروسه على ما نقل صاحب الجواهر بل ذهب نفس صاحب الجواهر إلى ذلك حيث قال:- ( الظاهر اختصاص إجزاء الاستنابة بما إذا لم يكن الترك عمداً أما معه فالأصل يقتضي وجوب الرجوع بنفسه كما صرّح به في الدروس )[1]، وقوله ( فالأصل يقتضي وجوب الرجوع .. ) لعلّه يقصد بذلك الاستصحاب، يعني بالتالي نحن نشكّ في أن النيابة هل تُزيل حرمة النساء في حقّه بعد فرض كونه تاركاً لطواف النساء عمداً فيجري استصحاب بقاء حرمة النساء في حقّه - يعني حتى لو فرض أنه لا تمكنه المباشرة -.
هذا ولكن يمكن أن يقال:- إن المناسب في حالة عدم إمكان المباشرة جواز النيابة رغم أن ترك الطواف نشأ عن عمدٍ، والوجه في ذلك ما أشرنا إليه سابقاً من أنّا لا نحتمل أن حرمة النساء تبقى في حقّ هذا الشخص إلى الأبد، نعم هو قصّر بتركه لطواف النساء . ولو تنزّلنا وقلنا إن هذا الاحتمال موجودٌ فيمكن أن نسلك طريقاً آخر وذلك بالتمسك بقاعدة نفي الحرج المستندة إلى قوله تعالى:- ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ فإن بقاء الحرمة في حقّ الشخص المذكور حكمٌ حرجيٌّ فيكون مرتفعاً بمقتضى القاعدة المذكورة، كما لو فرض أن شخصاً في باب الطهارة أوقع نفسه في الحرج - يعني بتعبيرٍ آخر كأن كان متطهّراً ونقض طهارته وكان الجوّ بارداً بحيث يقع في الحرج لو تطهر - أفهل يحتمل أن يقال إنه مادمت أنت قد ألقيت نفسك في المشقّة فيلزمك أن تتطهّر بالماء رغم أن ذلك حرجيّ في حقّك ؟! فالشخص الذي أجنب أو كان متوضئاً ونقض طهارته وهو في داخل الوقت أفهل يحتمل أن فقيهاً يقول لابد وأن يتوضأ أو يغتسل رغم أن استعمال الماء حرجيّ في حقه ؟!! إن هذا غير محتمل، بل تبقى قاعدة نفي الحرج فعّالة فيتمسّك حينئذٍ بإطلاقها في المورد المذكور، وعلى هذا الأساس يقال له تنتقل وظيفتك إلى التيمّم رغم أنّك ألقيت نفسك في الحرج باختيارك . ومقامنا من هذا القبيل فيتمسّك بقاعدة نفي الحرج في المقام فيكون الحكم ببقاء الحرمة حيث إنه حرجيّ وهو حكمٌ تكليفيٌّ فتكون هذه الحرمة مرتفعة . وواضحٌ أنّه حيث لا يحتمل ارتفاعها بشكلٍ قهريّ فلابد من النيابة، يعني بتعبيرٍ آخر ارتفاعها لا بالمباشرة ولا بالنيابة شيءٌ غير محتمل، أمّا شرطيّة المباشرة في ارتفاع الحرمة حيث إنه حرجيّ فترتفع وتكفي النيابة في حقّه كما ترتفع شرطيّة الطهارة بالماء ويكون الثابت في حقّه الطهارة الترابيّة، فكما نقول بهذا هناك كذلك نقوله هنا، ولعلّه لأجل ذلك ذهب الشيخ النائيني(قده) إلى كفاية النيابة في حقّ الشخص المذكور.
النقطة الثالثة:- لو ترك الشخص المذكور إعادة طواف النساء بالمباشرة كما أنه لم يُنِب أحداً حتى مات فيجب آنذاك القضاء عنه.
وهذا كما ترى حكمٌ مخالفٌ للقاعدة فإنها تقتضي عدم توجه الوجوب إلى الغير، قال تعالى:-﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ ، فهو الذي ترك طواف السناء فأنا الوليّ أو غير الوليّ لماذا يجب عليَّ أن أتحمّل عنه قضاء ذلك ؟
إذن مادام قد دلّ الدليل على ذلك فهو حكمٌ مخالفٌ للقاعدة ولكن نلتزم به ولا محذور في ذلك.
إلّا أن الكلام يقع في قضيتين:-
القضية الأولى:- هل وجوب القضاء يتوجّه إلى خصوص الوليّ أو إلى كافّة السلمين بنحو الوجوب الكفائي فإن بعض الروايات يظهر منها ذلك حيث عبّرت وقالت:- ( فليقضِ عنه وليه أو غيره ) ؟
القضية الثانية:- هل القضاء يخرج من أصل التركة أو لا ؟
أما بالنسبة إلى القضية الأولى:- فلم يشِر إليها السيد الماتن في عبارة المتن ولم يسلّط الأضواء عليها حيث قال:- ( فإذا مات قبل تداركه فالأحوط أن يقضى من تركته )، إن هذه العبارة ليس فيها تسليطٌ للضوء على أن الموجّه إليه التكليف بالقضاء هو الوليّ بالخصوص أو جميع المسلمين . ولعلّها ناظرة إلى القضيّة الثانية وهي أنه يخرج من أصل التركة.
وعلى أيّ حال ذهب المحقّق(قده) في الشرائع على ما يظهر من كلامه أن الوجوب خاصّ بالوليّ حيث قال ما نصّه:- ( ولو مات قضاه وليه وجوباً ).
وإذا رجعنا إلى الروايات وجدنا أن صحيحة معاوية بن عمّار التي نقلت الحكم المذكور والتي رويت خمس مرات - إمّا بنحو الروايات المتعدّدة أو أنها رواية واحدة ولكنّها نقلت خمس مرّات - قد ورد في بعض نقلها كما في النقل الثاني ما نصّه:- ( فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقضِ عنه وليّه أو غيره )، بينما جاء في النقل الرابع ما نصّه:- ( فإن توفّي قبل أن يُطاف عنه فليطُف عنه وليّه )، وأمّا الرواية الأولى - النقل الأول - فقد اختلف نقلها فإن الشيخ في أحد النقلين ذكر فقرة ( أو غيره ) في النقل الثاني لم يذكره، وأمّا النقلان الآخران - يعني بتعبير أخر الرواية الثالثة والخامسة - فلم تشيرا إلى أصل هذا المطلب - يعني إذا مات فما هو الحكم -.
فالمهم إذن هو النقل الثاني والرابع، ففي النقل الثاني يوجد ( هو أو غيره ) وفي النقل الرابع يوجد اقتصار على الوليّ فقط، فماذا نصنع ؟
وفي هذا المجال نقول:- تارةً نفترض الجرم بأن الوارد هو فقرة ( فليقض عنه وليّه أو غيره )، وأخرى نفترض الشك في ذلك - أي لا نعرف أن فقرة ( أو غيره ) واردة أو لا -.

أمّا على التقدير الأوّل فنسأل ونقول:- ماذا يقصد من هذه العبارة ؟
إن في ذلك احتمالات أربعة:-
الاحتمال الأول:- أن يكون المقصود هو الاشارة إلى الوجوب الكفائي، بمعنى أنه يتوجّه خطابٌ بعد موت الشخص إلى المسلمين الأعم من الولي وغيره بالقضاء عنه.
الاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود هو الاشارة إلى شغل ذمة الميت فقط لا أكثر، فهي ليست بصدد توجيه تكليفٍ إلى الوليّ أو الغير فهي لا تريد أن تكلّف ولا تريد أن توجب وجوباً كفائياً على المسلمين وإنما ذلك كناية عن أنّ ذمته بَعدُ مشغولة أمّا أنه مَن يفرّغها ؟ فهي ليست بصدده.
الاحتمال الثالث:- الجمع بين الاحتمالين السابقين، بأن تكون العبارة المذكور كناية عن شغل ذمة الميت وفي نفس الوقت توجّه تكليفاً إلى الوليّ وغيره بالتفريغ، فهي تجمع بين المطلبين لا أنها تريد أن تبيّن حكماً تكليفياً بحتاً فقط كما كان على الاحتمال الأول، ولا أنها تريد أن تبيّن حكماً وضعياً بحتاً - يعني شغل الذمة فقط لا غير - كما هو على الاحتمال الثاني بل تجمع بين المطلبين.
الاحتمال الرابع:- أن يكون التكليف متوجهاً إلى الوليّ غايته باستطاعة الوليّ أن يتصدّى بنفسه لتفريغ ذمّة الميّت أو بواسطة إنابة الغير ولكن بالتالي الخطاب وشغل الذمّة هو متوجّه إليه، كما يقال بذلك بالنسبة إلى الصلاة فإن الشخص إذا مات وفي ذمته صلاة فالخطاب بالقضاء متوجّه إلى الوليّ دون بقيّة المسلمين غايته باستطاعة الوليّ أن يتصدّى هو بالمباشرة كما أنه باستطاعته أن يستأجر شخصاً أو يطلب من شخصٍ أداء الصلاة، إنه يجوز له ذلك، وهنا أيضاً يقال بذلك، فالخطاب متوجّه إلى الوليّ ولكن باستطاعته أن يباشر بنفسه أو ينيب غيره عنه.
وأظهر هذا الاحتمالات هو الثالث، فإن الأوّل ناظرٌ إلى الوجوب التكليفي فقط وأنه يجب على المسلمين القضاء عنه أمّا أن الميّت فذمته ليست مشغولة فهو شيءٌ بعيد - يعني شيء بعيد أن تكون الرواية ليست بصدد بيان شغل ذمة الميت وإنما هي فقط وفقط تبيّن وجوباً تكليفياً على الغير -.
كما أن الاحتمال الثاني بعيدٌ، وهكذا الاحتمال الرابع لعدم تلائمهما مع العبارة، والذي يتلاءم مع العبارة هو الاحتمال الثالث، يعني أن ذمّة الميت مشغولة ويجب على الوليّ أن يفرغ ذمته أو على بقيّة المسلمين، فهناك وجوب كفائي على الوليّ وعلى بقيّة المسلمين فمن تصدّى تفرغ ذمة الميّت وإذا لم يتصدَ أحدٌ فالكلّ إذن معاقب . هذا كلّه إذا فرضنا أن الوارد في العبارة هو ( فليقض عنه وليّه أو غيره ).


[1] جواهر الكلام، الجواهري النجفي، ج19، ص390.