10-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 417 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
وثانياً:- إن ما ذكره من عدم الحاجة إلى طواف النساء بعد بلوغه - لأنه قبل البلوغ لا حرمة لرفع القلم وبعد ذلك لا دليل على ثبوت حرمةٍ - هو طريق ذات الشوكة - إن صح التعبير - أي يصاحب مشاكل ومصاعب إذ قد يقول قائل له:- إنه قبل أن يبلغ الصبي أنتم قلتم بأن الحرمة مرتفعة بحديث رفع القلم، ونحن نقول إن الحرمة لم ترتفع من الأساس وإنما الذي ارتفع هو تنجّزها فالحرمة المنجّزة - أي الموجبة لاستحقاق العقوبة على المخالفة - هي المرتفعة وأما أصل الحرمة فليست مرتفعة إذ لا مانع من ثبوت الحرمة بلا تنجّز وحديث رفع القلم غابة ما يدلّ عليه هو هذا المقدار أمّا ما زاد على ذلك فليس بواضح من الحديث، ومعه فلا يأتي ما ذكره(قده) من عدم الحاجة إلى طواف النساء، بل نقول هناك حاجة إليه فإن الحرمة هي ثابتة من البداية غاية الأمر أنه لا عقوبة على مخالفتها لفرض أنه ليس ببالغ فيشمله حديث رفع القلم، ولكنّه بعد أن بلغ فتلك الحرمة السابقة هي ثابتة سابقاً وليست جديدة حتى نحتاج إلى دليلٍ على ثبوتها، بل هي ثابتة من السابق والآن يثبت تنجّزها باعتبار أن حديث رفع القلم لا معنى لتطبيقه بعد البلوغ فيحتاج إذن إلى طواف النساء.
وليس للسيد الخوئي(قده) من جواب إلا أن يقول:- كلّا إن حديث رفع القلم يرفع أصل الحرمة لا أنه يرفع تنجّزها، يعني أن الصبي ليس مشمولاً في سجل التشريع والأحكام. ولكن هذا قابلٌ للأخذ والرد، يعني أن استظهاره ليس بذلك الأمر السهل.
وهناك طريق آخر بديل عن الطريق الذي سلكه وهو سهل ويؤدي نفس النتيجة وذلك بأن يقال:- إننا نذهب ونتكلم من البداية حينما يحرم الصبي هل يوجد اطلاقٌ يدلّ على ثبوت حرمة النساء في حقّه ؟ إنه إذا كان موجوداً فنحتاج آنذاك إلى حديث رفع القلم كما صنع هو(قده)، أما إذا قلنا لا يوجد إطلاق أصلاً يستفاد منه أن الصبي حينما يحرم تثبت في حقّه حرمة النساء والحرمة خاصّة بالرجل الكبير فقط إذا أحرم دون الصغير فعلى هذا الأساس لا حاجة إلى طواف النساء من باب أنه من البداية ليس مشمولاً فلا يوجد دليل يدلّ على حرمة النساء في حقّ المحرم إذا كان صبياً . فإذن يصير المورد أشبه بالسالبة بانتفاء الموضوع، يعني قصور دليل حرمة النساء على المحرم، فالدليل هو ضيّق في حدّ نفسه ويختصّ بالرجل ولا يعمّ الصبي، أما كيف نثبت هذه الدعوى ؟ نقول في محال اثباتها:- إِنّنا إذا رجعنا إلى أدلّة حرمة النساء بالإحرام نجد أن بعضها يختصّ بعنوان الرجل من قبيل صحيحة معاوية المتقدّمة فإنها قالت:- ( ... إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه إلا النساء والطيب .. )[1] فإن الموضوع في هذا الحكم هو الرجل فالرجل تحرم عليه النساء ولا تحلّ إلّا بطواف النساء.
ومن قبيل صحيحة الحلبي:- ( سالته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال:- لا بأس أنا ربما أخّرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقرب النساء والطيب )[2]، وموردها أيضاً هو الرجل حيث قالت ( سألته عن رجل ) والمخاطب بقوله ( ولا تقرب ) هو الرجل كما هو واضح . هذه بعض الألسنة التي أخذت عنواناً خاصّاً وهو الرجل.
وبعض الألسنة الأخرى أخذت عنواناً مطلقاً، من قبيل صحيحة أو رواية محمد بن حمران - على كلامٍ في محمد بن حمران - ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج غير المتمتّع يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال:- كلّ شيءٍ إلا النساء، وعن المتمتّع ما يحلّ له يوم النحر ؟ قال:- كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب )[3]، إن الموضوع هنا هو عنوان الحاج وهو عامّ يشمل حتى غير البالغ.
ولكن نقول:- إمّا أن يدّعى الانصراف إلى خصوص البالغ، وإذا رفضنا ذلك وقلنا لا موجب لدعوى الانصراف فيأتي ما أشرنا إليه في باب الاطلاق وهو أنه لو ظهر المتكلم هنا وقال إن مقصودي من الحاج هو خصوص البالغ فهل يستهجن منه هذا الاطلاق ؟! يمكن أن يقال:- كلّا لا يستهجن منه هذا الاطلاق ؛ لأن العادة هي أن الذي يحج هو الكبير، فهذه العادة الغائبة تسمح للمتكلّم أن يعبّر بالحاج ويقصد البالغ ولا يكون هذا الاطلاق مستهجناً لو أراد المقيد واقعاً، فإذا لم يكن مستهجناً فإذن لا مثبت للإطلاق والتعميم . فإذن دليل حرمة النساء على المحرِم غير البالغ قاصر في حدّ نفسه بلا حاجة إلى حدث الرفع وبالتالي لا حاجة إلى طواف النساء لأن الحرمة لم تكن ثابتة من البداية حتى يكون رفعها بعد البلوغ يحتاج إلى طواف النساء.
إذن نحن وافقنا السيد الخوئي(قده) من حيث النتيجة ولكن سلكنا طريقاً آخر لا يشتمل على المصاعب والتعثّرات التي يشتمل عليها طريقه.


مسألة( 417 ):-  كما يجب طواف النساء على الرجال يجب على النساء، فلو تركه الرجل حرمت عليه النساء ولو تركته المرأة حرم عليها الرجال.
والنائب في الحج عن الغير يأتي بطواف النساء عن المنوب عنه لا عن نفسه.
..........................................................................................................
تشتمل هذه المسألة على فرعين:-
الفرع الأول:- إن طواف النساء واجب على النساء أيضاً ولا يختصّ ذلك بالرجال.
الفرع الثاني:- لو كان الشخص نائباً فطواف النساء يأتي به عمَّن ؟ فهل يأتي به عن نفسه أو عن المنوب عنه ؟
وقبل أن نتكلّم عن هذين الفرعين نشير إلى قضية فنيّة:- وهي أن الفرع الثاني لا ربط له بالفرع الأوّل فلماذا هذا الدمج في مسألة واحدة وذِكر هذا الفرع كذيلٍ للفرع الأوّل ؟ بل كان المناسب ذكر مسألة مستقلة لهذا الفرع الثاني لأنه يتعرّض إلى قضيّة أخرى غير القضيّة الأولى.
والكلام يقع عن الفرعين:-
أما بالنسبة إلى الفرع الأوّل:- فالكلام تارةً يقع عن الحكم التكليفي وأخرى عن الحكم الوضعي:-
أما الحكم التكليفي:- أعني أنه يجب تكليفاً على النساء الاتيان بطواف النساء - بقطع النظر عن الحكم الوضعي وأنه إذا لم تأتِ به هل يحرم الرجال عليها أو لا ؟ - فلا ينغي الإشكال فيه ولم ينقل خلاف في ذلك، ويمكن الاستدلال له ببعض الروايات، من قبيل صحيحة الحسين بن علي بن يقطين المتقدّمة حيث جاء فيها:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء ؟ قال:- نعم عليهم الطواف كلّهم )[4]، إنه ورد فيها ( والمرأة الكبيرة )، وقيد ( كبيرة ) لا نحتمل أن له خصوصيّة فإن هذه دلّت على الوجوب في حقّ النساء، بل ذاك مفروغٌ عنه لأنه يسأل عن الكبيرة ويقول هذه ماذا تفعل بطواف النساء لأنها كبيرة وليست محلّا للزواج فتدلّ أنه في حقّ غير الكبيرة مفروغٌ عنه.
وأيضاً يمكن أن يستفاد ذلك من صحيحة معاوية المتقدّمة التي اشرنا إليها بالنسبة إلى الخنثى حيث ورد فيها:- ( وأمّا المتمتع بالعمرة إلى الحجّ فعلية ثلاثة اطواف وسعيان بين الصفا والمروة)[5]، إن الوارد فيها:- ( وأمّا المتمتع بالعمرة إلى الحجّ ) وهو عنوانٌ مطلق يشمل المرأة وأيضاً يدلّ على الوجوب في حقّها , ولعلّه يستفاد لذلك من روايات أخرى . إذن أصل الوجوب التكليفي لا ينبغي التوقّف فيه.
وإنما الكلام في الحكم الوضعي، يعني لو لم تأتِ المرأة بطواف النساء فهي وإن كانت آثمة لأنها خالفت الحكم التكليفي ولكن هل يحرم عليها الرجال ؟
نقل صاحب المدارك[6] عن العلامة أنه استشكل في ذلك لعدم دليلٍ يدلّ عليه، ثم نقل صاحب المدارك عن الشارح - أعني جدّه الشهيد الثاني - أنه استوجه ذلك، باعتبار أنه ورد في صحيحة معاوية بن عمّار ( فإذا حلقت أو قصّرت فقد حلّ لك كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب ) ، فالنساء حرامٌ دون الرجال فالرجال ليس مذكوراً فمقتضى هذا العموم أن المرأة إذا قصّرت يحلّ لها الرجال- وواضح أنه إذا لم يكن الرجل محرماً -  تمسّكاً بهذا العموم .
ثم ردّ عليه صاحب المدارك قائلاً:- إن الدليل على تحريم الرجال على المرأة لو لم تطف طواف النساء موجودٌ.
وما هو الدليل على ذلك ؟
يظهر أن صاحب المدارك(ده) وقع في حيصٍ وبيصٍ فتمسك بآية تحريم الرفث في الحجّ حيث قال عز من قائل:- ﴿ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ﴾ بعد ضمّ مقدمتين الأولى أن الرفث كما ورد في الرواية عبارة عن الجماع فتدلّ الآية إذن على أنّ الجماع من المحرّمات حالة الإحرام، فإذن يثبت بذلك التحريم في حقّ النساء أيضاً، يعني أن الرجال يحرمون على المرأة لو كانت محرِمة بمقتضى إطلاق هذه الآية الكريمة.
إن قلت:- هذه الآية تقول ( في الحجّ ) فكيف ثبت أن المرأة بَعدُ في الحج ؟ إنها إذا أتت بالتقصير وأتت بطواف الحج والسعي مثلاً فهل يصدق عليها أنها في الحج ؟! ليس من المعلوم أنه يصدق عليها ذلك، فكيف تتمسّك إذن بالآية الكريمة ؟!!
أجاب(قده) وقال:- إنما الحجّ يتمّ بطواف النساء.
وهذه هفوة كبيرة.
فهو يحتاج إلى هذه المقدّمة، يعني يحتاج إلى أن يقول إن طواف النساء إذا لم تأتِ به فهي لا زالت بَعدُ في الحجّ حتى يمكنه حينئذٍ أن يتمسّك بالآية الكريمة وإلّا فلا يمكنه التمسّك بها.
ولكن الإشكال عليه واضح:- باعتبار أنه فيما سبق ادّعى الإجماع وعدم الخلاف على أن طواف النساء ليس جزءاً من الحجّ وذكر بعض الروايات الدالّة على ذلك فكيف يقول هنا بخلافه ؟!!
أذن يشكل التمسّك بالآية الكريمة.
ولكن هناك وجهان آخران أحدهما الروايات والثاني الاستصحاب:-