1441/05/17


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 76 ) حكم الثمن إذا ردَّ المالك البيع الفضولي ولم يمض المعاملة – شروط المتعاقدين.

قاعدة الغرر: -

جاءت هذه القاعدة في كلمات غير واحدٍ من الفقهاء، ولكن لا يعرف لها مدرك واضح، وممن جاء ذكر هذه القاعدة في كلماته الشيخ الأعظم(قده) فإنه ذكرها في المكاسب في أكثر من موضع ويظهر أنه يبني عليها، وأحياناً يمثل ويقول كشاهد الزور إذا رجع، أو في مورد آخر يقول كمن قدَّم طعاماً إلى غيره موحياً بأنَّ الطعام ملكه فتيّن أنه ملك الغير أو ملك الشخص المقدَّم إليه الطعام، فذكر هذه القاعدة مع المثال، وكأن ذكر المثال قد يرمز به إلى مستند القاعدة كما سوف نوضح، وقد ذكر الشيخ الأعظم(قده) هذه القاعدة في موارد متعددة من المكاسب حيث قال :- ( الظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور فإن البائع مغرّر للمشتري ....... فهو كشاهد الزور الذي يرجع إليه إذا رجع عنه شهادته )[1] ، وذكر في مورد آخر:- ( لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهراً فيمن قدم مال الغير إلى غيره الجاهل فأكله )[2] ، إذاً هذه القاعدة مذكورة في كلمات الفقهاء.

وأما ما يحتمل كونه مستنداً لهذه القاعدة أمور: -

الأول: - ما جاء في كلمات صاحب الجواهر(قده) من أن السبب أقوى من المباشر، والسبب هو المغرّر فهو الذي سبب إلى تلف الطعام المقدّم فهذا السبب أقوى من المباشر، قال:- ( بل هو من باب قوة السبب على غيره ولو مباشرةً )[3]

وهذا الكلام لا أراه لائقاً بالفقيه، ولعل هذا أنسب بفقه غيرنا منه بفقهنا، فإنَّ مجرد قوة السبب لا يستدعي الضمان، نعم إذا كانت قوة السبب بنحوٍ ينسب الفعل عرفاً إلى السبب دون المباشر فهنا يتم هذا الكلام، ولكن لا من باب قوة السبب بما هي قوة سبب، بل من باب أنه منتسب إليه عرفاً، كمن يعطي سكّيناً بيد مجنون ويوجد إنسان في الغرفة وهو يشير إلى المجنون بأن يطعنه ففي مثل هذه الحالة ينتسب الفعل عرفاً إلى المسبّب، وهكذا لو فرض المسبّب قدّم طعام الغير إلى ضيفٍ فأكله فهنا لا يبعد أنَّ الفعل ينتسب إلى المسبِّب ويقال إنَّ المتلف هو المقدِّم، فالإتلاف ينسب إلى من قدَّم الطعام - أي إلى السبب - وهنا يصح ما ذكر، أما أنه في الدائرة الوسيعة نحكم على أنه مادام السبب أقوى فيكون الضمان على المسبَّب فهذا شيء لا يمكن الالتزام به، وإنما الذي يمكن الالتزام به هو ما كان في الدائرة الضيقة، وذلك فيما نسب الفعل والاتلاف إلى المسبَّب دون المباشر، وأين هذا من مقامنا، فإنَّ مقامنا هو فيما لو باع الفضولي ملك الغير بسعر معين وتلفت العين المبيعة فحينئذٍ قلنا بمقدار الثمن المساوي يضمنه نفس المشتري، لأنَّ التلف صار عنده، أما بمقدار الزيادة ففي مثل هذه الحالة لا نتسب ذلك إلى البائع الفضولي، فلا يقال هذا اتلاف من البائع الفضولي، فلا يوجد انتساب عرفاً، فكلام صاحب الجواهر لا يأتي في مثل هذه الحالة.

الثاني: - التمسك بفكرة الارتكاز العرفي العقلائي، فيقال: إنَّ المرتكز عند العقلاء هو ذلك، يعني في مورد السبب والمباشر العرف والعقلاء يضمنّون السبب دون المباشر، وحيث إن هذا ارتكاز لا رادع عنه فيثبت بذلك امضاؤه وبذلك يثبت المطلوب.

وهذا وجه وجيه:- ولكنه لا يتم في جميع الموارد، بل علينا ملاحظة الارتكاز، فأينما انعقد الارتكاز فسوف يتم هذا الوجه وإلا فلا يتم، فمثلاً الارتكاز موجود فيمن قدّم طعام الغير إلى شخصٍ فهنا يوجد هذا الارتكاز، وهكذا يوجد هذا الارتكاز فيمن دفع سكيناً إلى مجنون فقتل شخصاً فيثبت الضمان على المسبب بالارتكاز، فهنا الارتكاز موجود، ولكن في بعض الموارد لا يوجد ارتكاز، كما لو فرض أن شخصاً سأل غيره بأنَّ هذه السلعة إذا استوردتها وطرحتها في السوق فهل هي مربحة فقال له نعم هي كذلك ولكن في الواقع الأمر ليس كذلك، فحينما استورد السلعة فإذا بها لا تنفد في السوق ولا يوجد لها مشتري بذلك الشكل المطلوب وكان ذلك الشخص يريد خسارته، فهنا ذلك الشخص قد غرّه بلا إشكال ولكن لا يوجد ارتكاز على كونه ضامناً، ولا أقل نشك في أنه يكون ضامناً، أو لو فرض أنَّ شخصاً من أصحاب السوق حاول ان يتستر على ما عنده من سلعة في المخازن فتخيّل بعضٌ آخر من أهل السوق أنَّ هذه السلعة ليست موجودة في السوق فاستوردها وحينما استوردها قام ذلك الشخص بإخراجها من المخزن فخسر المستورد، فهنا يوجد تغرير بلا إشكال لأنه أخفى السلعة، ولكن الارتكاز على الضمان لا أقل يشكك في وجوده.

فإذاً لا يمكن أن نخرج بقاعدة عامة وهي أنَّ الغار يكون ضامناً تمسكاً بالارتكاز غير المردوع عنه، إذ قد اتضح أنَّ هذا الارتكاز ليس ثابتاً على سبيل القضية الكلية، وإنما هو ثابت في بعض الموارد دون البعض الآخر، وموردنا الذي باع فيه الفضولي ولم يعلم المشتري بأنه فضولي فقد قلنا لا يرجع المشتري عليه بمقدار ولكن يرجع بمقدار الزيادة على الثمن، فهنا هل يوجد ارتكاز على الضمان أو لا؟ إنه لا يبعد وجود مثل هذا الارتكاز مادام المشتري جاهلاً بكون البائع فضولياً، والمهم الذي نريد أن نقوله: هو أن نلاحظ كل موردٍ مورد، وهذه نتيجة تختلف عمّا ذكرها صاحب الجواهر في المدرك الأول، لأنه يخرج بنتيجة أنَّه ضامن دائماً لأنَّ السبب أقوى من المباشر، بينما بناءً على ما ذكرنا صحيح أنه يوجد ارتكاز ولكن نلاحظ دائرة الارتكاز، فإن هذا الارتكاز موجود في بعض الموارد ولكن قد لا يكون موجوداً في موارد أخرى كما مثّلنا.ولو شكّ الفقيه في أنَّ المورد مشمول للارتكاز أو لا، ففي مثل هذه الحالة بحكم بالاحتياط بالضمان أو التصالح بينهما.

الثالث: - الحديث المعروف: - ( المغرور يرجع على من غرّه ).

ولكن إذا رجعنا إلى مصادرنا لم نجد هذا الحديث مذكوراً فيها معاجمنا الحديثية، نعم ورد في معاجم حديث أهل السنة كما في سنن البيهقي حيث روى عن الشافعي عن علي عليه السلام:- ( في المغرور يرجع بالمهر على من غرّه )[4] ، وإذا رجعنا إلى الكتب الاستدلالية وجدنا أن بعض الفقهاء ينسبه إلى المعصوم وكأنه شيء مسلم، كما في جامع المقاصد حيث يقول:- ( وظاهر قوله عليه السلام " المغرور يرجع على من غرّه " )[5] ، وقال في الجواهر:- ( بل لعل قوله عليه السلام " المغرور رجع على من غرّه " .... )[6] ، فهو أيضاً نسبه إلى الامام عليه السلام بضرسٍ قاطع، وكذلك ذكره السيد الحكيم في المستمسك في موارد متعددة ونسبه إلى الامام عليه السلام، حيث تكرر قوله:- ( لقاعدة المغرور يرجع على من غرّه الذي هو مضمون المرسل النبوي )[7] .[8] [9] [10]

ورب قال يقول: - إنَّ ضعف السند لا يهم بعدما كانت الشهرة جابرة، بناءً على جابرية الشهرة للسند الضعيف.

وجوابه: - إنَّ هذا تام لو فرض أنه يوجد خبر ضعيف أما بعد عدم وجود مثل هذا الخبر في معاجمنا الحديثية فالانجبار كيف يتحقق؟!!

هذه ثلاثة مستندات، وقد اتضح أنَّ الأجدر منها هو الثاني، ولكن ينبغي التساير مع حدوده.وهناك روايات خاصة وردت في موارد خاصة نقرؤها لنلاحظ هل يمكن التمسك بها أو لا: -

من قبيل: - صحية أبي بصير عن أبي عبد اله عليه السلام: - ( امرأة شهد عندها شاهدان بأن زوجها مات فتزوجت ثم جاء زوجها الأول، قال:- لها المهر بما استحلّ من فرجها الأخير ويضرب الشاهدان الحدَّ ويضمَّنان المهر بما غرّا الرجل ثم تعتد وترجع إلى زوجها الأول )[11]


[4] سنن البيهقي، البيهقي، ج7، ص219، باب من قال يرجع المغرور بالمهر على من غرّه.