1441/04/25


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

41/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مسألة ( 73 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.

وفي التعليق نقول:- إنَّ التمسك بالسيرة في عرض قاعدة الاتلاف أو التمسك قاعدة الاتلاف في عرض السيرة ليس شيئاً فنياً، إذ قاعدة الاتلاف لا مدرك لها إلا السيرة والارتكاز، وإلا فالحصول على دليل لفظي واضح عليها بحيث يشمل كل الموارد شيء صعب، نعم قد يعثر على دليل لها في مورد ولكن هذا لا تثبت القاعدة بعرضها العريض، بل يقتصر على هذا النص في المورد الخاص، فمستند قاعدة الاتلاف هو الارتكاز، فلا معنى لضم قاعدة الاتلاف إلى الارتكاز، وهذه قضبة منهجية مهمة.

ولعل هذا هو السبب في كلمات السيد الخوئي(قده)، والبعض فهم منها أنه يتمسّك بالسيرة، والبعض الآخر فهم منها أنه يتمسك بالارتكاز، فإذاً التمسك بهما معاً ليس بصحيح، وإنما المناسب التمسك بالارتكاز، وعليه فلابد وأن نتساير مع الارتكاز، وإذا تسايرنا معه نسلّم أنه إذا كانت العين معدّة للاستفادة منها كالفنادق فارتكازنا العقلائي موجود على أنه يضمن المنافع غير المستوفاة، ومع هذا الارتكاز غير المردوع عنه يثبت الامضاء، وأما إذا كان مثل الدار المتروكة فالحق كما قال فإنه لا ارتكاز، ونحن قلنا يكفينا الشك ولا نحتاج إلى دعوى الجزم بعدم الارتكاز، إنما يكفينا الشك في الارتكاز فنتمسك بأصل البراءة، فالطريقة التي سلكها إنَّ كان يقصد منها التمسك بالاثنين معاً فهي محل تأمل، وإن كان يقصد التمسك بقاعدة الاتلاف فالإشكال عليها أوضح، فإنَّ قاعدة الاتلاف لا يوجد عندنا مدرك لفظي لها إلا ارتكاز، فلابد وأن نرجع إلى الارتكاز والمناسب التمسّك به.

هذا مضافاً إلى أنه إذا صار المدار على الارتكاز يتبيّن بذلك حكم الشق الثالث الذي أشرنا إليه وهو لم يشر إليه السيد الماتن: - وهو ما إذا كان الشخص جالساً في داره وجاء شخص آخر وغصبها منه ولكنه لم يستوف منافعها، فهنا بناءً على أنَّ المدرك هو قاعدة الاتلاف المناسب هو الضمان، لأنه أتلف منافعها على المالك، أما إذا كان المدرك هو الارتكاز فقد يشكك في ثبوت الارتكاز على الضمان.

وبهذا انتهينا من مناقشة السيد الخوئي(قده)، فنحن وإن كنّا نوافقه في الجملة في أصل المدّعى، ولكن نناقش في طريقة الاستدلال والمنهجية التي ذكرها.

هذا وقد أنكر الشيخ التبريزي(قده) في ارشاده[1]
وجود ارتكاز أو سيرة في التفرقة على ضمان المنافع غير المستوفاة إن كانت العين معدّة للانتفاع أو غير معدّة وأثبت الضمان في كلتا الحالتين:- يعني سواء كان فندقاً أو كان من قبيل الدار المتروكة فإنَّ السيرة لا تفرّق بين الحالتين.

ولكنه استثني من ذلك فيما إذا كان المانع نوعياً، كما إذا نزلت الثلوج ولم يتمكن الناس من الخروج من بيوتهم، ففي مثل هذه الحالة الفندق لا يمكن الانتفاع به لأنَّ المانع نوعي، وهكذا صاحب الدار لا يتمكن من الذهاب إلى داره الخراب، فإذا كان المانع نوعياً فلا ضمان.

وفيه: -

أما ما ادعاه من أنَّ الارتكاز أو السيرة لا يفرقان بين كون المكان معدّاً للاستفادة كالفنادق أو كان داراً خراباً وفي كليهما يحكم بالضمن:- فهذا حق له، ولا نناقش فيه، لأنَّ هذه قضايا وجدانية وقد يختلف النظر فيها، فله أن يحكم بالضمان، أما نحن الذين نرى أنَّ الارتكاز يفرّق بين الحالتين فنحكم على طبق هذه التفرقة.

ولكن ما أفاده من أنَّ المانع إذا كان نوعياً فهو لم يتلف عليه شيئاً فلا ضمان فنحن نقول:- إنَّ التخصيص بما إذا كان المانع نوعياً لا موجب له، بل حتى لو كان المانع شخصياً بحيث لا يتمكن المالك من أن يخرج فبالتالي المنفعة سوف تفوت عليه ولو بسبب المانع الشخصي، كما لو احتاج إلى سيارة وهي ليست موجودة عنده أو احتاج إلى عصا وهي ليست موجودة عنده فهذا مانع شخصي مرتبط به ولكن بالتالي حتى لو كان المانع شخصياً فالنكتة التي تمسك بها تأتي هنا أيضاً وأنَّ الغاصب لم يتلف على المالك شيئاً، لأنه بالتالي حتى إذا لم يكن هناك غاصب فالمالك لا يتمكن أن يخرج ليستفيد من هذا الشيء.

وقد يذكر رأي ثالث وحاصله: - إننا لا نسلّم بوجود قاعدة الاتلاف، إذ لا نصَّ يدل على ذلك، نعم ورد النصّ في موارد محدّدة ولا يمكن أن نستفيد من ذلك حكماً عاماً، فقاعدة الاتلاف ليست بتامة، كما أنَّ السيرة والارتكاز أيضاً ليس بثابت، ونستشهد على أنَّ السيرة وقاعدة الاتلاف ليستا بتامتين بما لو فرض أنَّ شخصاً حرّاً حبسه آخر مدة يومين أو ثلاثة وبسبب حبسه قد فاتت عليه منافع، لأنه لو كان غير محبوس لكان يعمل ويربح، فهل يضمن الحابس ذلك؟ إنه لا يضمن، فإنَّ الحر إذا حبسه آخر لا موجب لضمان منافعه، وهذا إن دل فإنما يدل على أنَّ الارتكاز والسيرة غير ثابتين، وهكذا لو فرض أنه كان للحر عين مُنع من الاستفادة منها، كما لو كانت له سيارة ومنعه آخر من الاستفادة منها، فحينئذٍ هل تطبق قاعدة الاتلاف أو تدّعي الارتكاز وبالتالي تحكم بضمان منافع هذه السيارة؟ إنه لا يمكن الحكم بذلك، وهكذا لو فرض أنه كانت عنده أنعاماً ومنعه شخص من رعيها في الأرض المباحة، فهنا قد فوّت عليه منفعةً وهي منفعة الاستفادة من طعام الحيوانات المجاني في تلك الأرض فهل يضمن هذا؟ كلا لا يثبت الضمان، وهكذا لو فرض أنه منعه من تحصيل عينٍ من الأعيان، كما لو فرض أنه كان يوجد درّ النجف في صحراء النجف وهو يريد أن يذهب للحصول عليه ولكن هذا الشخص منعه من تحصيل هذه الأعيان، أو كان قرب النهر وأراد أن يرمي الشباك كي يحصل على الأسماك فيبيعها ولكن هذا الشخص منعه من ذلك فهل يوجد ضمانٌ على المانع؟ كلا لا يوجد ضمان، فهو يستشهد بهذه الموارد الأربعة على أنه لا يوجد ارتكاز، وبالتالي قاعدة الاتلاف ليست بموجودة، وإلا لحكمنا بالضمان في هذه الموارد، فعلى هذا الأساس الضمان ليس بثابت، نعم نستثني موردين أحدهما ما لو فرض أنه أتلف العين على المالك، كما لو كانت عنده سيارة وهو أتلفها كأن أحرقها فهذا موجب للضمان، أو فرض أنَّ الغاصب استوفى منفعتها، ففي مثل هذين الموردين نسلّم بثبوت الضمان، وأما ما زاد على ذلك فلا ضمان.

فإذاً يستدل على ذلك بدليلين، وهذا هو الدليل الأول الذي ذكرناه، ونتيجته هي أنا لا نسلّم بثبوت قاعدة الاتلاف وأنَّ المتلف يكون ضامناً، كما لا نسلّم بوجود ارتكازٍ، وإنما نسلّم ذلك في منطقة ضيقة وهي صورة اتلاف العين أو صورة استيفاء منفعة العين، أما ما زاد على ذلك فلم يثبت، هذا هو الدليل الأول.

وبهذا اتضح أنه يوجد عندنا ثلاثة آراء في المنافع غير المستوفاة، الأول إنه ثبت الضمان إذا كان الشيء معدّاً للاستفادة منه كما في الفنادق وما شاكل ذلك، والثاني هو الضمان مطلقاً، والثالث عدم الضمان مطلقاً.