1440/10/27


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 68 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

إنَّ الاحتمالات في الاجازة ثلاثة ، فإما أن تكون كاشفة ، أو تكون ناقلة ، والكشف على نحوين ، كشف حقيقي وكشف حكمي ، فإذاً الأقسام ابتداءً اثنان ولكن حيث إنَّ الكشف ينقسم إلى حقيقي وحكمي فبهذا الاعتبار يمكن أن نقول هي ثلاثة.

والمقصود من الكشف الحقيقي:- أن تكون الملكية ثابتة من حين العقد ودور الاجازة دور الكاشف ، وأما الكشف الحكمي فالملكية ثابتة حين الاجازة لا من بداية العقد إلا أنَّ آثار الملكية من جواز التصرّف وغير ذلك تكون ثابتة من حين العقد ، فالملكية من حين الاجازة وآثارها من حين العقد ، وهذا ما يصطلح عليه بالكشف الحكمي ، أي الكشف حكماً ، وإلا فهو ليس بكشف حكماً ، لأنَّ الملكية ثابتة من حين الاجازة.

وأما النقل:- فهو واضح ، إذ المقصود منه أنَّ الملكية تكون متحققة حين الاجازة مع آثارها ، فمن حين العقد لا ملكية ولا آثارها وإنما يثبت ذلك من حين الاجازة.

أنحاء الكشف الحقيقي:- الأنحاء المتصورة في الكشف الحقيقي متعددة:-

النحو الأول:- أن تكون الاجازة كاشفة بمعنى لأمارية فهي لا دور لها في التأثير فحينما تحصل الاجازة يقول المالك أجزت فقوله أجزت لا يؤثر في حصول الملكية وإنما هو مجرد أمارة لا أكثر من قبيل أمارية الدخان على وجود النار فإنَّ الدخان لا تأثير له في النار وإنما التأثير هو للنار وليس له فدوره مجرّد أمارة لا أكثر ، ومن قبيل أذان المؤذن فهو يكشف عن تحقق وقت الوجوب ، فالأذان لا يأتي بالوجوب ولا يؤثر في ذلك وإنما دوره دور الأمارة لا أكثر.

فإذاً نلتزم في الاحتمال الأول أن تكون الاجازة الكاشفة هي كاشفة بتمام معنى الكلمة ، يعني هي مجرد أمارة وليس لها تأثير من قرب ولا من بعد ، وربما يظهر من السيد العاملي صاحب مفتاح الكرامة البناء على ذلك حيث قال:- ( إنَّ العقد سبب تام مع الاجازة وإن تأخرت عنه فعلاً فهو مراعى لا موقوف فإن حصلت كشفت عن تأثيره من حين وقوعه )[1] ، وربما نسب الشيخ الاعظم(قده) في المكاسب هذا الاحتمال إلى المشهور ولكن لم يعبر عنه بهذا التعبير وإنما قال كلاماً نفهم منه ذلك حيث قال:- ( وأما على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الاجازة المتأخرة شرطاً لكون العقد السابق بنفسه مؤثراً تاماً فالذي يجب الوفاء به نفس العقد من غير تقييد )[2] ، وربما تشير إليه عبارة الشيخ النائيني(قده) حيث قال:- ( ومنها أن تكون كاشفةً عن الموضوع الذي رتّب الشارع عليه الأثر أي العقد الذي تتعقبه الاجازة صحيح في علم الله من أول الأمر من دون دخل الرضا أو شيء آخر فيه والذي لا تتعقبه الاجازة باطل كذلك )[3] .

وأشكل السيد الخوئي(قده)[4] وقال:- إنَّ هذا وإن كان هذا وإن كان ممكناً ولكنه مخالف لظاهر الأدلة حيث تقول﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ ... ﴾ وظاهر ذلك مدخلية الرضا الذي هو الاجازة في الفضولي ، فظاهر الآية الكريمة أنَّ الرضا له تأثير في تحقق جواز الأكل لا أنَّ دوره دور الأمارة والكاشف المحض.

ويمكن أن يقال:- إنَّ الأمارية معقولة في القضايا الخارجية يعني في الأحكام المنشأة بنحو القضية الخارجية دون ما إذا كانت بنحو القضية الحقيقية فإنه إذا كانت بنحو القضية الخارجية بأن يقال هكذا مثلاً ( إذا رضي هذا المالك فالعقد مؤثر من البداية ) بحيث يكون المنظور هو واقع خاصة لا بنحو القضية الكلية الخارجية ، فهنا إذا كان الحكم جزئياً والقضية خارجية يمكن أن تكون الاجازة مجرّد أمارة من دون أن يكون لها تأثير ، وأما إذا كانت بنحو القضية الحقيقية كما في الآية الكريمة - وهي ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ - فإنها تبيّن حكماً كلّياً وليست ناظرة إلى حكم خاص بل هي ناظرة إلى حكم بنحو القضية مقدّرة الوجود وهو ( إن حصلت تجارة عن تراض فكلوا ) ، وهذه قضية حقيقية كلية فهنا لا يمكن الأمارية.

ووجه الفرق:- هو أنه إذا كانت القضية خارجية بأن قلت لفلان ( عقدك هذا يوجب الملكية إن حصل رضا ) فيمكن افتراض تحقق ملكية من حين العقد والكاشف والأمارة على ذلك هو الاجازة فيكون دور الاجازة دور الأمارية ، ففي القضية الخارجية توجد ملكية بالفعل ويمكن تصوّر ملكية بالفعل من حين العقد ، فيصير دور الاجازة أمارة عليها ، وهذا معقول أما أنه مخالف للظاهر فهذه قضية ثانية ، وأما إذا كان الحكم بنحو القضية الحقيقية كما هو في باب الأحكام فإنها عادة تكون هكذا ، فإنَّ ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ هو حكمٌ بنحو القضية الحقيقية ، فلا توجد في الخارج ملكية فعلية كي تكون الاجازة أمارة عليها ، فأصلاً لا معنى بل لا تعقل الأمارية في القضايا الحقيقية وإنما تعقل في القضايا الخارجية ، وحيث إنَّ أحكامنا عادة هي بنحو القضية الحقيقية فالأمارية لا أنها مخالفة للظاهر فقط كما ذكر السيد الخوئي(قده) ، بل لا معنى لها وهي غير معقولة ، حيث إنَّ الأحكام عادة مجعولة بنحو القضية الحقيقية ، وفي باب القضية الحقيقية لا توجد ملكية من حين العقد حتى تكون الاجازة أمارة عليها ، وإنما يكون ذلك في القضية الخارجية.

هذا كله بالنسبة إلى الاحتمال الأول.

النحو الثاني:- أن يكون القصود من الكشف أن تكون الملكية حاصلة من حين العقد والاجازة كاشفة بمعنى أنها شرط متأخر لحصول الملكية من حين العقد ، فإن حصلت الاجازة المتأخرة فحيث إنها شرط متأخر فيكون المشروط - وهو الملكية - متحققاً من حين العقد بعدما تحقق شرطه المتأخر في وقته ، وحينئذٍ على هذا الاحتمال يكون للإجازة دور في التأثير ، فهي تؤثر في حصول الملكية ولكن لا أنها تؤثر في حصول المليكة من الآن بل من حين العقد.

وممن يظهر منه البناء على ذلك صاحب الجواهر(قده)[5] ، وأضاف وقال:- إنَّ استحالة الشرط المتأخر يختص بالتكوينيات ولا يعم الأمور الشرعية والاعتبارية.

وأشكل عليه الشيخ الأعظم(قده)[6] وقال:- إنَّ المستحيل هو مستحل من دون فرق بين الأمور التكوينية والأمور الاعتبارية ، فهل ترى أنَّ التناقض مستحيل فقط وفقط في الأمور التكوينية دون الأمور الشرعية ؟! كلا بل إذا كان مستحيلاً فهو مستحل أيضاً حتى في الأمور الشرعية والاعتبارية ولا فرق بينهما ، حيث ذكر أنه:- ( إن الرضا إذا كان شرطاً للملكية فكيف تتحقق قبله ، ودعوى أن الشروط الشرعية ليست كالعقلية فيمكن فيها التأخر كغسل العشائين بالنسبة لصوم اليوم الماضي على القول به مدفوعة بأن المحال محالٌ من دون فرق بين الموارد وإلا فهل يمكن التناقض في الشرعيات ؟!! ).

وأضاف قائلاً إنَّ ما ورد مما يوهم ذلك[7] ليس شرطاً متأخراً وإنما هو مقارن لأنَّ التعقّب بالمتأخر شرط لا نفس المتأخر والتعقب وصف مقارن ، قال ما نصّه:- ( ما ورد مما يوهم ذلك لابد من الالتزام ان المتأخر ليس سبباً أو شرطاً بل السيب والشرط الأمر المنتزع من ذلك ) ، ثم استدرك وقال:- ( لكن ذلك لا يمكن فيما نحن فيه[8] بأن يقال إنَّ الشرط تعقب الاجازة ولحوقها بالعقد ........ لمخالفته الأدلة ).


[4] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج2، ص340.
[7] يعني مما يوهم وقوع الشرط المتأخر في الشرعيات.
[8] يعني لا يمكن أن نلتزم بأن الشرط هو التعقب، لأنه خلاف ظاهر الأدلة لن ظاهر الأدلة هو نفس الرضا لا التعقّب فهي قالت ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ ولم لم تقل تعقب الرضا.