1440/10/13


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 66 ) – شروط المتعاقدين.

وأما ما أفاده بالنسبة إلى الزكوات والأوقاف فيمكن أن يقال:- بأنَّ الوقف أو الزكاة هو ملك لعنوان الفقير الذي هو الموقوف عليه مثلاً أو هو مورد الزكاة لأنَّ الزكاة للفقير والوقف مثلاً على طلبة العلم فحينئذٍ إما أن يكون ملكاً للعنوان لأنَّ ملكية العنوان لا بأس بها ، فهي أمر اعتباري فيمكن أن يكون مالكاً ، أو تكون الأوقاف والزكوات ملكاً للأفراد - أما ما هو الصحيح فهذا لا يهمنا الآن - أو هناك نحو ثالث أنت تستطيع أن تصوّره ، وولي أو وكيل العنوان أو الأفراد هو الحاكم الشرعي يعني الفقيه في زمان غيبة الامام أو الامام عليه السلام في زمان وجوده ، فيبيع الفقيه إذاً بولايته أو بوكالته عنهم ، فعلى هذا الأساس افترض أنه هم لا يبيع أحد منهم ولا يملّك ولكن الولي عنهم أو الوكيل يمكن أن يتصدّى لذلك ، فلا مشكلة من هذه الناحية.

هذا بالنسبة إلى ما أشار إليه من النقض في هذه الموارد الثلاثة.

ونقول شيئاً للسيد الخوئي(قده):- وهو أنه افترض أنا فسّرنا البيع بالاعطاء كما تريد ولكن الاشكال إن تم في هذه الموارد الثلاثة بناءً على تفسير البيع بالتمليك يأتي أيضاً بناءً على الاعطاء ، فبيع الكلّي إذا لم يكن له فرد فكما ذكر هو أنَّ الاشكال يأتي في أنه كيف يتم التمليك لأنه لا يوجد فرد فإنك لا تملِّك شيئاً ، ونحن نقول إنَّ الاعطاء أيضاً كذلك ، فإذا لم يكن الفرد موجوداً فماذا تريد أن تعطي ، فإنه إذا لم يكن الفرد من أفراد الكلّي موجوداً فكما أنه لا يمكن التمليك لعدم وجود فردٍ من الأفراد ، كأن أملكك داراً بمواصفات كذا فإذا لم تكن الدار موجودة لا يمكن التمليك كما لا يمكن الاعطاء أيضاً لأنه لا يوجد شيء حتى تعطيه ، فالمشكلة في هذا المورد كما تأتي بناءً على تفسير البيع بالتمليك تأتي على تفسيره بالاعطاء ، وهكذا بالنسبة إلى الأوقاف فمَن يُملِّك فإذا كان الفرد لا يمكن أن يملِّك أو لا يملَّك فنفس الشيء أيضاً لا يمكن أن يعطي أو لا يمكن أن يعطى ، فالإشكال سيّال ولا يختص بما إذا فسّرنا البيع بخصوص التمليك ، بل يأتي بناءً عل تفسيره بالاعطاء ، فإنَّ الاعطاء فرع وجود شيء يعطى وفرع وجود شيء يعطى إليه ، فإذا لم يوجد شيء يعطى أو شيء يعطى إليه فالإعطاء لا يتصوّر كما لا يتصور التمليك كما قال ، ولكن نحن تخلّصنا من المشكلة بما أشرنا إليه.

وأما ما أفاده بالنسبة من الاستشهاد بمثال السارق فجوابه:- إنَّ السارق إذا لم يقصد التملك للشيء المسروق فصدق البيع أول الكلام ، فكأنه أخذ القضية مفروغ عنه ، ولكن من قال إنَّ السارق لا يقصد التملّك ، بل حكمه حكم الغاصب ، فهو يأخذ الشيء ويتبنّاه ، وإذا لم يقصد التملّك من قال أنه يصدق البيع بنحوٍ يحقّ لمالك أن يجيز ؟ ، إنه(قده) أخذ ذلك كأصول مسلّمة - يعني أن السارق لا يبني على أنه مالك ، كما أنَّ المالك لو أجاز يقع البيع صحيحاً للمالك - ولكن هذا أول الكلام ، لأنه حوالة على شيء غير واضح وغير ثابت ، بل يمكن أن ندّعي أنَّ السارق يبني على أنه مالك - فأنه غاصب - وإذا لم يبنِ على أنه مالك فنقول إنَّ صدق البيع هو أوّل الكلام ولا يحق لمالك أن يجيز البيع ، فإذاً هذا حوالة على شيء غير ثابت.

وقد اتضح من خلال كلامنا مطلب حاصله:- إنه لو قال شخص لآخر ( خذ هذا المقدار من المال واشتر به كتاباً لك ) فهنا لتصحيح المعاملة لابد أن نفترض أحد أمرين وإلا فالمعاملة تكون باطلة ، وكيف لم نفترضهما ؟ يعني أنَّ الثمن على ملك المعطي والكتاب يصير للمعطى إليه ، فإنه لا يصح أن يكون الثمن ملكٌ لشخصٍ والمثمن يكون ملكاً لآخر ، بل لابد وأن نفترض لصحة هذه المعاملة أحد أمرين ، فإما أن يكون المقصود من قوله ( خذ هذا المبلغ واشتر به كتابا ً) أنه توجد مقدمة مضمرة ، يعني خذ هذا المال ملكاً وهدية لك واشتر به بعد أن تمت الهدية كتاباً لك ، فهذه المعاملة تصحّ ، فالثمن يصير ملكاً للمشتري فيعطيه للبائع بعدما صار ملكاً له وفي المقابل يحصل على الكتاب ، وإما أن يكون المقصود من ( خذ هذا المبلغ واشتر به كتاباً لك ) يعني اشتر الكتاب لي ثم هو هدية منّي لك.

فعلى الأول يكون الثمن هدية لك وبعد أن يصير هدية له اشتر به كتاباً ، وعلى الثاني يكون الثمن على ملك المهدي وكذلك الكتاب ولكن بعد أن اشتريت الكتاب فهو ملك لي ولكنه هدية منّي لك ، فلأجل تصحيح هذه المعاملة لابد أن نفترض أحد هذين المطلبين كما أشرنا.

وبهذا ننهي كلامنا عمّا أفاده السيد الخوئي(قده) مع المناقشة.

جواب الاشكال الخامس:- وقد أجاب عنه الشيخ الأعظم(قده) بأنَّ صيغة العقد لا تتعرّض إلى أنَّ الثمن يدخل في كيس مَن ، فحينما يقول الفضولي الذي يبيع عن نفسه للمشتري ( بعتك هذا الكتاب بدينار ) فهذا فيه ادخال المبيع في ملك المشتري وهذا واضح ، أما الدينار ففي أي ملك يدخل ؟ إنَّ الصيغة ساكتة عن ذلك ولا تبيّنه وإنما هي فقط تبيّن أنَّ المثمن - وهو الكتاب - يدخل في ملك المشتري أما الثمن يدخل في كيس مَن فهذا مسكوت عنه ، فإذا كان مسكوتاً عنه فنرجع إلى مقتضى المعاوضة ، ومقتضى المعاوضة هو أنَّ من خرج منه المثمن يدخل إلى كيسه الثمن ، أما من لم يخرج من كيسه المثمن لا يدخل في كيسه الثمن ، والمفروض أنَّ الفضولي لم يخرج المثمن من كيسه فلا يدخل الثمن في كيسه ، وإنما المالك خرج المثمن من كيسه فيدخل الثمن إلى كيسه ، هذا هو المناسب ، والاجازة تتعلّق بهذا العقد وتبقى قضية الثمن تابعة لمقتضى المعاوضة ، وحيث إنَّ المثمن خرج من كيس المالك فيدخل الثمن إلى كيسه ، نعم الفضولي بنى على أنه مالك للمثمن ولكن هذا مجرّد بناء ، فتبعاً لبنائه هو يبني على أنَّ الثمن يدخل في كيسه ، ولكن حيث إنَّ المثمن واقعاً هو للمالك فالثمن يكون له ، قال(قده):- ( الأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز ، وتوضيحه أنَّ البائع الفضولي إنما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن ، وأما كون الثمن مالاً له أو لغيره فإيجاب البيع ساكت عنه فيرجع فيه إلى ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك مالك المعوّض تحقيقاً لتحقيق المعاوضة والمبادلة وحيث إنَّ البائع يملّك المثمن بانياً على تملّكه له وتسلطه عليه عدواناً أو اعتقاداً لزم من ذلك بناؤه على تملّك الثمن ........ وحيث إن المثمن ملك لمالكه واقعاً فإذا أجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه فعلى من ذلك أن قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الايجاب حتى يتردد الأمر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين )[1] .


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج2، ص380.