1440/10/05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 66 )– شروط المتعاقدين.

مسألة ( 66 ):- إذا باع الفضولي مال غيره عن نفسه لاعتقاده أنه مالك أو لبنائه على ذلك كما في الغاصب فأجازه المالك صحّ البيع ويرجع الثمن إلى المالك.

.............................................................................................

مضمون المسألة واضح وهو أنه لو فرض أن الفضولي باع مال غيره عن نفسه وليس عن المالك ، فهو باعه عن نفسه إما لكونه غاصباً أو لأجل أنه تصوّر كونه مالكاً ، كما لو تخيل أن هذه الدار داره فباعها ، فحينئذٍ إذا أجاز المالك[1] وقع صحيحاً لنفسه وبالتالي يكون الثمن له ، وفي العبارة ورد أنه يكون للمالك وكان من المناسب أنه مهما أمكن الاضمار فهو أولى من عدمه فإن كلمة ( المالك ) قد ذكرت لأنه ذكر في العبارة ( فأجاه المالك صح البيع ) فالأنسب أن يعبر بعد ذلك ويقال ( ويرجع الثمن إليه ).

وما هو المدرك لوقوع البيع صحيحاً للمالك ؟ إنه يمكن التمسك لذلك بوجهين:-

الوجه الأول:- التمسك بالعمومات التي ذكرناها لإثبات صحة بيع الفضولي بشكل عام مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ أحل الله البيع ﴾ أو ما شاكل ذلك فإن ﴿ أوفوا بالعقود يشمله ﴾ يشمله ، فإنه بعد اجازة المالك العقد لنفسه ينتسب العقد إليه فإذا انتسب إليه يكون مشمولاً للأمر بالوفاء لعموم ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فيقع صحيحاً.

بيد أنَّ هذا يتم على ما ذكرناه سابقاً ، وأما على ما ذكره الحاج ميرزا علي الايرواني من أن المقصود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني أوفوا بالعقود الصادرة منكم - وهو بنى على هذا من دون توجيه فنّي - وبناءً على هذا يقال إنه بالاجازة لا يصير العقد صادراً من المالك المجيز ، نعم هو ينتسب إليه إلا أنه لا يتصف بكونه صادراً من المالك ومعه فلا يشمله ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.

لذلك تمسك الحاج ميرزا علي الايرواني لإثبات صحة الفضولي لا بالعمومات بل تمسك لذلك بالأدلة الأخرى ، وهذا مطلب قد ذكرناه سابقاً ، ومن الواضح أنه يكفيه أن يقول - وإن لم يذكر ذلك - إنه حيث يحتمل كون المقصود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو أوفوا بالعقود الصادرة منكم فإنَّ هذا احتمال وجيه رغم وجود احتمالٍ آخر وهو ( العقود المنتسبة إليكم ) ، ولكن بعد وجود هذا الاحتمال - أي احتمال ( العقود الصادرة منكم ) - فتصير الآية الكريمة مجملة ، وبالتالي يحتمل ارادة ( الصادة منكم ) ، وعليه فلا يصح التمسك بعموم الآية الكريمة لإثبات صحة معاملة الفضولي.

ولكن نحن علقنا في بداية مسألة بيع الفضولي حينما ذكرناه المستندات لصحة بيع الفضولي وكان المستند الأول هو العمومات وهناك دخلنا في هذه القضية.

ولكن في ردّ الحاج ميرزا علي الايرواني نقول:- المناسب ليس هو حثية الصدور بل حيثية الالتزام ، يعني العقود التي التزمتم بها وانسبت إليكم بنحو الالتزام ، فإنَّ الأمر بالوفاء يتناسب مع العقود المنتسبة إلى الشخص بنحو الالتزام بمضمونها ، فيجب عليك أن تفِ بالعقد الذي التزمت به وانتسب إليك بنحو الالتزام به ، أما حيثية الصدور فلا تتناسب مع وجوب الوفاء ، إذ لعله يصدر العقد من دون أن التزم به كما لو كان هَزَلاً.

إذاً حيثية الالتزام هي التي تتناسب مع وجوب الوفاء ، فمن المناسب أن يكون المقصود هو أنه أوفوا بالعقود التي التزمتم بها وانتسبت إليكم بنحو الالزام وليس المقصود العقود التي انتسبت إليكم بنحو الصدور للقرينة التي ابرزناها ، ومعه يصح التمسك بالعمومات لإثبات صحة بيع الفضولي في موردنا.

وقد تقول:- المفروض أنَّ البائع قد قصد البيع لنفسه بينما المالك قد قصد أنه يقع له فكيف يصح ويقع له بعد فرض أنَّ البائع قد قصد أن يكون له وليس للمالك ؟

نقول:- إنَّ هذا سيأتي وسنذكره كمانعٍ من الموانع وكإشكال من الاشكالات ، ولكن بقطع النظر عنه يصح التمسك بالعمومات.

الوجه الثاني:- صحيحة محمد بن قيس المتقدمة الواردة في الولد الذي باع وليدة أبيه واشترها شخصاً واولدها فجاء الأب واطلع على الموضوع وأخذ يطالب بوليدته فرفض المشتري ارجاعها إليه والامام عليه السلام علّم مالكها الأول طريقة لإرجاعه فقال له ( خذ ابنه الذي باعك حتى يرجع لك ولدك ) فصنع المشتري ذلك فلما رأى المالك ذلك أجاز بيع ولده ، فإذاً الرواية واردة في بيع الفضول والفضولي هنا هو ولد المولى وقد باع الجارية لنفسه ، فيمكن أن يقال هذه الصيحة واردة في موردنا ، ونصّها:- ( محمد بن قيس عن ابي جعفر قال:- قضى في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاشترها رجل فولدت منه غلاماً ثم قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير فقال هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال:- خذ وليدتك وابنها فناشده المشتري ، فقال:- خذ ابنه - يعني الذي باع الوليدة - حتى ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيِّع الابن قال أبوه:- أرسل ابني ، فقال:- لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيدة الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه )[2] ، بتقريب أنَّ الولد حينما باع وليدة أبيه فهو باعها لنفسه وليس عن أبيه فإذاً هي واردة في موردنا وحينئذٍ نتمسك بها لاث بات الصحة في موردنا.

إن قلت:- لعل الولد لم يبع الوليدة لنفسه وإنما باعها عن والده لقضاء بعض ديون الوالد واصلاح بعض شؤونه ، فإذاً الرواية لا يمكن التمسّك بها مادام يحتمل أنَّ موردها هو البيع للوالد المالك وليس عن نفسه ، لأنها لم تبيّن أنَّ الولد باع الجارية عن أي واحدٍ منهما ، فهي مجملة من هذه الناحية ، فلا يصح التمسّك بها.

قلت:- يكفينا الاجمال من هذه الناحية ، فإنه مادام يحتمل وجود أمرين يعني يحتمل أنَّ الولد باع الولية لمصلحة الوالد ويحتمل أنه باعها لمصلحته فمادام يحتمل كلا الأمرين فكان على الامام عليه السلام الاستفصال وعدم الاستفصال يدل على أنَّ الحكم مطلق من هذه الناحية والبيع الفضولي يقع صحيحاً حتى إذا كان بيعه عن نفسه ، فالرواية حينئذٍ تدل على الصحة بالاجازة ، لأنَّ الامام عليه السلام لم يستفصل ، فلو كان الحكم بالصحة يختصّ بحالة ما إذا كان البيع عن الوالد لقيّد الامام عليه السلام بذلك وقال ( إذا كان البيع عن الوالد فهذه الطريقة صحيحة ، وإذا كان البيع عن الولد فهذه الطريقة غير صحيحة ) فعدم تفصيل الامام عليه السلام يدل على أنَّ الحكم عام وشامل لكلتا الحالتين ، فيثبت المطلوب.

اللهم إلا أن يقال:- إنَّ حيثية بيع الود عن نفسه تحتاج إلى بيانٍ زائد ، وحيث لا بيان زائد فهذا يدل على أنه باع عن الوالد ، فإذا باع عن الوالد فحينئذٍ لا نستفيد من الرواية شيئاً.

لكن الجواب واضح حيث يقال:- إنَّ إحدى الحيثيتين التي بحاجة إلى البيان ليست بأولى من الأخرى ، بل لعلّ تصدي الولد مع عدم الاشارة بأن الوالد قد أمره بإصلاح شؤونه يدل على أن الولد قد باع الوليدة عن نفسه.

فإذاً التمسك بصحيحة محمد بن قيس جيد في المقام.

إن قلت:- إنه يوجد دليل ثالث ، وهو التمسك بفحوى صحة الفضولية في باب النكاح ، فإنه قد تقدّم وجود بعض الروايات التي تدل على أنَّ نكاح الفضولي يصح بالاجازة ، فلو زوج شخص غيره فضولاً فلو أجاز ذلك الغير وقع صحيحاً ، من قبيل معتبرة محمد بن الحسن الأشعري المتقدمة:- ( كتب بعض بني عمّي إلى ابي جعفر الثاني عليه السلام:- ما تقول في صبية زوّجها عمّها فلما كبرت ابت التزوج ، فكتب لي:- لا تكره على ذلك والأمر أمرها )[3] يعني إذا أجازت والحال أنه نكاح فضولي يقع صحيحاً.

إذاً الرواية دلت على أنَّ الفضولية صحيحة في باب النكاح ، فإذا صحت في باب النكاح حينئذٍ تثبت الصحة في باب البيع بالأولوية فإنَّ البيع أولى بالصحة من النكاح فإنَّ النكاح فرجٌ ومنه يكون الولد.


[1] والمقصود من أجاز المالك أي أجاز وقوع البيع لنفسه وليس للفضولي وكان من المناسب الاشارة إلى ذلك فصحيح اننا نعرف من الخارج أنه أجاز لنفسه لكن كان من المناسب الاشارة إلى ذلك وإلا يتوهم نتوهم أن المالك أجاز البيع لفضولي مع أنه هذا ليس بمقصود.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج21، ص203، ابواب نكاح العبيد والاماء، ب88، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج20، ص276، ابواب عقد النكاح، ب6، ح2، ط آل البيت.