1440/08/11


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

ويمكن أن نقال:- إنه يوجد مفهوم حتى للاستثناء المنقطع ، وذلك بأن يقال بتطبيق مقدمات الحكمة ، ببيان أنه لو كان هناك فرد آخر قد جاء غير الكتب لأشار المتكلم إليه ، ولما اقتصر على الكتب ، فلماذا حصر وقال ( ما جاء القوم إلا كتبهم ) ، فعدم ذكر بديل - يعني ( أو أسلحتهم ) ( أو حيواناتهم ) - فهذا بمقتضى مقدمات الحكمة يدل على عدم وجود شيء آخر فالاقتصار على الكتب يدل على أنه لم يجئ غير الكتب وبذلك يثبت المفهوم لكن لا من طريق الصناعة بل من طريق مقدمات الحكمة ، وبذلك وفقنا بين الوجدان والصناعة ، فإنَّ الصناعة التي بنى عليها الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) وغيره تقول إنَّ الاستثناء المنقطع ليس له مفهوم وهي صناعة لا بأس بها ولكن يبقى الوجدان قاضٍ بوجود المفهوم فانطلقنا من هذا الوجدان إلى مقدمات الحكمة ومن خلالها أثبتنا خصوص الجائي بخصوص الكتب.

والنتيجة النهائية على ما ذكرنا هي أنَّ الاستثناء المنقطع يثبت له مفهوم ولكن لا من باب اقتضاء الصناعة ، وإنما من باب اقتضاء الوجدان المعتمد على مقدّمات الحكمة.

وأما بالنسبة إلى مفهوم الوصف:- والمقصود من مفهوم الوصف كما قلنا يعني ( عن تراضٍ ) في ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ ، وكلمة ( عن ) هنا نشوئية ، يعني إلا أن تكون تجارة ناشئة عن تراضٍ ، ثم يقال إنه في بيع الفضولي التجارة ليست ناشئة عن تراضٍ ، إذ لو كانت ناشئة عن تراضٍ لم يكن المورد من الفضولية ، فلازم الفضولية أنَّ التجارة لم تنشأ عن تراضٍ ، وإنما التراضي إن حصل فهو يحصل بعد ذلك ، فبالتالي التجارة ليست عن تراضٍ ، ومادامت لم تنشأ عن تراضٍ فلا يثبت جواز الأكل ، فلا يحصل بذلك التملّك.

وفي الجواب نقول:-

أولاً:- إنَّ الخطاب المذكور موجه إلى من يملك المال ، فأنت إذا كنت صاحب مال فيتوجه إليك الخطاب ويقول لك لا تأكل يا فلان مالك بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ ، والتجارة متى تكون تجارتك بحيث تنتسب إليك ؟ إنها تنتسب إليك بالاجازة ، فبالإجازة يصدق أنَّ التجارة هي تجارتك ، وحينما انتسبت إليك يصدق أنها نشأت عن تراضٍ ، فإذاً تجارة المالك في باب الفضولي ناشئة عن تراضٍ فإنَّ الخطاب موجّه إلى الملّاك لا إلى غيرهم ، والملّاك إنما تنتسب إليهم التجارة حين الاجازة فآنذاك تكون التجارة تجارتهم ، وحين الانتساب تكون ناشئة عن تراضٍ ، فحينئذٍ الآية الكريمة ينبغي أن يستدل بها على صحة بيع الفضولي لا على بطلانه ، لأنَّ الخطاب كما قلنا موجّه إلى الملّاك وحينما تنتسب إليهم التجارة يصدق أنَّ تجارتهم عن تراض ، وبذلك تثبت صحة تجارة المالك الذي بيع ماله فضولاً حين اجازته بمقتضى الآية الكريمة ، إذ آنذاك يصدق أن التجارة تجارته وهي ناشئة عن تراضٍ.

ثانياً:- إنَّ قيد كون التجارة عن تراضٍ ليس قيداً وشرطاً تعبّدياً محضاً وإنما هو شرط عقلائي قبل أن يكون شرعياً وتعبّدياً ، فإنَّ العقلاء يرون أنَّ التصرف في أموال الآخرين لابد وأن يكون مع الرضا فإنَّ العاقل بما هو عاقل يحكم بذلك ، والشارع حينما ذكره فهو قد ذكره من باب الاقرار بما عليه العقلاء ، فإذا قبلنا بهذا نقول إنَّ العقلاء لا يرون فرقاً بين أن يكون الرضا متقدماً وبين أن يكون حاصلاً بعد ذلك ، فلو قلت لك ( لا تأخذ أموال الغير إلا عن رضا ) فنحن لا نفهم منه الرضا القبلي فقط أما الرضا البعدي فلا يكفي ، وإنما نفهم كفاية الرضا البعدي أيضاً فإنه يشمله الأخذ عن رضا ولكن بالتوسعة العقلائية.

فإذاً هذا الشرط بعدما كان شرطاً عقلائياً لا يكون المقصود منه خصوص تلك الحصة - أعني ما إذا نشأت التجارة عن رضىً مسبق - ، بل إذا كان معها رضى سواء كان مسبقاً أو مقارناً أو بعد ذلك ، وتوسعة الشرط بهذا الشكل إما أن ندّعي أنه من الأول هو المقصود ، فمن البداية الآية الكريمة تقصد هذه التوسعة ، أو ندّعي أنَّ الآية الكريمة ليست فيها هذه السعة من البداية ولكن هذه توسعة بمقتضى الارتكازات العقلائية ، ففرق بين المطلبين ، فمرة ندعي أنَّ النص من البداية وارد ومقصوده السعة حالة النشوء القبلي أو المقارن أو البعدي ، ومرة ندّعي أنَّ المقصود هو حالة الرضا القبلي ولكن العقلاء يوسعون ويلحقون حالة نشوء الرضا بعداً بحالة النشوء القبلي ، وكلاهما وجيه.

ثم إن قبلنا ما ذكرناه ، يعني قلنا إنَّ الارتكاز العقلائي يقتضي التوسعة وجزمنا به فبها ويرتفع الاشكال حينئذٍ ويقع عقد الفضولي بعد الاجازة صحيحاً ، أما إذا شككنا في ذلك فنقول إنَّ هذا يكفينا هنا - وليس دائماً إنما يوجد اختلاف بحسب الموارد - إذ يصبح دليل اشتراط الرضا مجملاً ، يعني يصبح مردداً بين أن يكون المعتبر كون الرضا سابقاً وكون كفاية الأعم وإن كان الرضا لاحقاً فإنه يصدق آنذاك التجارة عن رضا ، فإذا ترددنا وصار الأمر مجملاً فالآية الكريمة لا يمكن التمسك بها آنذاك لإثبات الرضا القبلي وبالتالي اثبات بطلان معاملة الفضولي ، فتعود الأدلة الدالة على صحة بيع الفضولي بالاجازة بلا معارض فنتمسّك بها.

والخلاصة من كل هذا:- إنَّ الكتاب الكريم لا يمكن التمسك به لإثبات بطلان معاملة الفضولي.