1440/06/19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

وكلا الكلامين قابل للمناقشة:-

أما ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ففيه:- إنا لا نحتمل أن خطاب ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يرد به كل عقد صدر في الدنيا كما مثلنا ولو في بلاد الهند فإن هذا غير محتمل ، فالخطاب من الأوّل ليس فيه جنبة والشمول والعموم لكل عقد ثم نقول خرج بالاجماع العقد الذي لا اجازة فهي ولا إذن ، وإنما هو من البداية لابد وأن يكون ضيقاً ، فالمقصود ليس هو كل عقد وإنما العقد المنتسب لك بالصدور أو ... فالمقصود هو النسبة الضيقة وليس كل عقد وهذا ينبغي أن يكون من الأمور الواضح.

وهذ الكلام مرفوض خصوصاً على مبنانا في باب الاطلاق ، إذ المتكلم لو ظهر وقال ليس مقصودي هذه الدائرة الوسيعة وإنما مقصودي الدائرة الضيقة فهل يشكل عيله آنذاك ويقال إذاً لماذا لم تقيد ؟ كلا لا يشكل عليه ، لأنه يقول إنَّ الأمر واضح ولا يحتاج إلى تقييد فإن العقد الصادر من الغير لا معنى لأن يجب الوفاء به عليه فإن هذا غير محتمل والارتكاز العقلائي يأباه.فإذاً ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أنَّ هذا الخطاب يقصد منه الدائرة الوسيعة شيءٌ مرفوض.

إن قلت:- إنه بالتالي لا فرق بحسب النتيجة بين ما قاله الشيخ الأعظم(قده) وما صرت إليه ، لأنَّ الشيخ الأعظم(قده)يقول خرج بالاجماع العقد الذي لا اجازة فيه ولا إذن وأنت تقول إنَّ المقصود هو دائرة ضيقة فلا تتغير النتائج وإن كانت الألفاظ متغايرة ولكن النتيجة واحدة ، فبعد وحدة النتيجة لا حاجة إلى هذا النزاع ؟

قلت:- بل النتيجة مختلفة ، فمثلاً في العقد الذي يفترض فيه أن المالك يوجد عنده رضا قلبي ولكن من دون مبرز فعلى رأي الشيخ الأعظم(قده) يكون هذا العقد صحيحاً ، فعلى رأيه يتمسك بالعموم ، لأن الاجماع على خروج بعض العقود لا نجزم بشموله للعقد الذي فيه رضا فيبقى تحت العموم فيكون صحيحاً ، كما صنع الشيخ الأعظم(قده) ، بينما على ما نهب إليه من أنَّ المقصود هو العقد المنتسب إليكم بنسبة معينة- سواء كانت النسبة هي الصدورية او غير ذلك فهذا ليس بمهم ولكن نسبة اضيق وليس كل عقد - فنشك بمجرّد الرضا الباطني من دون مبرز في أصل شمول العموم لهذا العقد ، فالشك يكون في أصل شمول العموم ، لأنَّ الدائرة المقصودة هي الدائرة الضيقة ويشك في شمولها لهذا العقد وأنه بمجرّد الرضا الباطني ينتسب هذا العقد ينتسب إليه أو لا ، فلا يمكن حينئذٍ التمسك بالعموم.

فإذاً الفارق بين المسلكين ليس مجرّد فارق نظري وإنما هناك فارق عملي تترتب عليه نتائج مختلفة.فإذاً ما أفاده مرفوض لما أشرنا إليه.

وأما ما افاده الحا ميرزا علي الايراني(قده):- فهو كما ذكرنا أنه قد أفاد كلامين:-

الأوّل:- إنه قال إنَّ المقصود من ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يعني العقود الصادرة منكم.

ونحن نقول له:- إنَّ هذه مجرد دعوى وهي تحتاج إلى اثبات ، وكان من المناسب في البداية أن يقول إنَّ هذا العموم لا يمكن التمسك به بعرضه العريض ثم يقول إنَّ المقصود هو أوفوا بالعقود الصادرة منكم فإنَّ هذه مجرد دعوى في مقابل دعوى الشيخ الأعظم(قده) ، فإذاً لابد من تضعيف ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) أوّلاً كما ضعّفناه نحن وقلنا إنه لا يوجد احتمال أنَّ المقصود هو أنَّ كل عقد من العقود إذا صدر في الدنيا يجب الوفاء به ولو لم يكن منتسباً إليك بشكلٍ من الأشكال فإنَّ هذا ليس هو المقصود من البداية أصلاً ، فإنه لابد من بيان ذلك ثم تقول إنه لابد أن يكون المقصود من ذلك هو الدائر الضيقة.

هذا مضافاً إلى أنه(قده) قيَّدَ بحيثية الصدور ، وكان المناسب كون المدار لا على حيثية الصدور بل على حيثية الالتزام كما أشرنا إليه ، حيث أن وجوب والوفاء يتناسب مع من التزم بالعقد فيجب عليك الوفاء به لا حيثية الصدور بما هي صدور بقطع النظر عن حيثية الالتزام ، فكان من المناسب بعد اثبات أنَّ القصود هو الدائرة الضيقة المصير إلى ما أشرنا إليه من أنَّ المدار ليس على حيثية الصدور وإنما على حيثية الالتزام به لأنها هي المناسبة لوجوب الوفاء.

وتظهر ثمرة ما بيّناه أنه بناءً على ما ذكر من أنَّ المدار على الصدور ربما يقال كما هو قال إنه بالاجازة لا يصير العقد صادراً من المجيز فلا يكون مشمولاً لـ ﴿ أوفوا ﴾ ، بينما على ما ذكرنا من أنَّ المدار ليس على حيثية الصدور بل على حيثية الالتزام فربما يقال إنَّ الالتزام يصدق بالاجازة فإذا أجاز يتحقق الالتزام فإذا بنينا على هذا فيكون العقد حينئذٍ مشمولاً لـ ﴿ أوفوا ﴾ وهذه ثمرة عملية أيضاً.

إذاً كان من المناسب جعل المدار على حيثية الالتزام لا أشرنا إليه من أنها هي المناسبة لحيثية وجوب الوفاء ، وثانياً إنَّ الثمرة تظهر فيما أشرنا إليه.

وأما بالنسبة إلى كلامه الثاني:- حيث قال إنه يمكن أن نسلك طريقاً جديداً لتصحيح عقد الفضولي ، ولكن بواسطة هذه الطريقة يصير العقد ليس فضولياً وإنما يخرج عن الفضولية فيكون هنا إيجاب من طرف المشتري الأصيل وقبول من المالك بكلمة ( أجزت ).

وفيه:- إنَّ الايجاب والقبول يحتاجان إلى إنشاء ، فأحدهما ينشئ النقل والآخر يقبل بإنشاء النقل ومن المعلوم أنَّ كملة ( أجزت ) يعني أجزت ذلك العقد الذي صدر ، فيه تدل على إمضاء العقد الفضولي الذي صدر بين الطرفين ، فإذا كلمة ( أجزت ) تدل على الامضاء ما صدر وليس على الانشاء والمهم في باب البيع أن يكون كلا الطرفين يصدر منه إنشاء وهذه الكلمة لا تدل على الانشاء وإنما تدل على إمضاء ما صدر فيشكل ما أفاده من هذه الناحية.

وبهذا انتهينا من التعليق على كلام العلمين.

وربما يقال في تصحيح عقد الفضولي بالاجازة:- بأنَّ العقد والنقل هو من الأمور الاعتبارية وليس من الأمور الحقيقية والأمور الاعتبارية يكفي في تحققها الاجازة ، فإذا قال المالك ( أجزت ) كفى ذلك في انتساب الأمر الاعتباري إليه فيشمله ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.

وهذه الطريقة غير طريقة الشيخ الأعظم(قده) ، لأنَّ الشيخ الاعظم(قده) لم يأخذ في الحساب قضية الأمر الاعتباري وأن الأمور الاعتبارية تنتسب إلى الاشخاص بالاجازة بينما هذا البيان يأخذ هذه القضية بعين الاعتبار وممن ثار إلى ذلك الشيخ النائيني والسيد الخوئي ، أما السيد الخوئي(قده) فقال:- ( من الظاهر أن التصرفات الاعتبارية ليست كالأفعال الخارجية ..... بل هي قابلة للاستناد إلى المالك أما حدوثاً كما في عقد الوكيل وأما بقاءً كما في العقد الفضولي إذا لحقته اجازة المالك )[1] ، وعلى نفس المنوال ذكر ذلك في مصباح الفقاهة[2] ، وقلنا ممن ذكر الشيخ النائيني(قده) حيث قال:- ( كل مكلف يجب عليه الوفاء بعقده )[3] ، فهذه العبارة توحي بذلك وهو أنه بالاجازة يكون العقد عقده فيجب عليه الوفاء به.

ومن الواضح أنَّ هذا نصف الكلام أما النصف الثاني فقد حذف لوضوحه ، وهو أنه بعدما انتسب الأمر الاعتباري بالاجازة فيشمله اطلاق ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ ، لأنه بالتالي قد انتسب إليه العقد.

هكذا قد يقال في توجيه تصحيح العقد الفضولي بالاجازة.

وما أفيد لا بأس به ولكن كان من المناسب تحقيق هذه القضية:- وهي أنَّ المدار في العقد ينبغي أن يكون ماذا فهل الدار على كل عقد كما ذهب إليه الشيخ الأعظم(قده) والسيد الخميني(قده) أو أنَّ المدار على العقد الصادر منك كما ذهب إليه الحاج ميرزا علي الايراني وهو أنَّ المدار على حيثية الصدور ، أو المدار على حيثية الالتزام كما ملنا إليه من باب أنَّ ذلك هو المناسب لحيثية وجوب الوفاء ، أو المدار على مطلق الانتساب ، ، فكان من المناسب أن تحقق هذه القضية وقد اتضح من خلال ما ذكرناه أنَّ الأنسب هو كون المدار على حيثية الالتزام لأنها هي المناسبة لوجوب الوفاء ، مضافاً إلى أنها هي القدر المتيقن عند الشك والتردد فإنه إذا التزم الشخص بالعقد فحينئذٍ هذا هو القدر المتيقن ، فكان من المناسب تحقيق هذه القضية ثم اختيار أحد هذه الاحتمالات وقد قلنا أنَّ الاحتمال المناسب هو أن يكون المدار على حيثية الالتزام لا حيثية الانتساب بأيّ شكلٍ اتفق ، لأنَّ ظاهر كلام السيد الخوئي أنّ الانتساب يتحقق بالاجازة وهذا المقدار يكفي.

إذاً هكذا ينبغي أن يقال وقد اتضح من خلال ما ذكرنا أنَّ الطريق المناسب للتمسّك بـ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ هو أن يقال إنه بالاجازة يتحقق الالتزام بالعقد الصادر عرفاً فيشمله آنذاك ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.