1440/06/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

مناقشة الوجه الأول:- إنه أدّعى الشيخ الأعظم(قده) الاجماع بلسانٍ مخفّف حيث عبّر بـ ( ظهور الاجماع ) ، يعني أن الظاهر هو الاجماع ، وهذا غير القطع بالاجماع ، نعم قال إنَّ بعض مشايخنا نقل الاجماع ، قال(قده):- ( والدليل عليه بعد ظهور الاجماع بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا )[1] .

وفيه:-

أولاً:- إنَّ هذا الاجماع لم بثبت تحققه ، فإنه لم يرد ذكره في لسان الفقهاء بشكل مكرر حتى تركن إليه النفس ، وإنما نسب الى الشهد(قده) في حواشيه على القواعد[2] ، ومن جملة من ادّعى الاجماع صاحب الجواهر(قده) فإنه في مسألة أنَّ بيع الفضولي صحيح أو لا قال قد يتمسك لصحة بيع الفضولي بصحيحة محمد بن قيس - الواردة في الوليدة - حيث دلت على صحة عقد الفضولي ولكن المانع من قبولها هي أنها اشتملت على الردّ أوّلاً من قِبَل مالك الوليدة ثم اجاز والاجماع على خلافه ، قال(قده):- ( تدل - على تأثير الاجازة بعد الردِّ والفسخ وهو خلاف الاجماع - ).

فالذين ادعوا الاجماع اثنين ، ولعل الشيخ الأعظم(قده) يقصد من قوله ( من بعض مشايخنا ) هو صاحب الجواهر(قده).

الذي نريد أن نقوله:- إنَّ الاجماع لم يثبت تحققه بشكل واضح وجزمي ، لأنه لو كان ثابتاً حقاً لتناقلته كلمات الأعلام بشكلٍ كثير ، ولكن لا نجد هذا المعنى ، فنشك في أصل انعقاده.

ثانياً:- إنه حتى لو سلّمنا تحقق الاجماع ولكن مع وجود مدرك محتملٍ لهذا الاجماع فلا يكون كاشفاً قطيعاً يداً بيد عن رأي المعصوم عليه السلام ، وفي المورد يوجد ما يحتمل استناد المجمعين عليه ، وهما الوجهان الأخيران اللذان ذكرهما الشيخ الأعظم(قده) ، فلعل المستند لهذا الاجماع هو أحد هذين الوجهين ، فيكون هذا الاجماع - إن فرض تحققه - محتمل المدرك ، فلا قيمة له ، بل تعود القيمة إلى المدرك ، فإذا ناقشنا في المدرك فحينئذٍ لا يبقى شيء.

ومن الغريب تهافت كلام الشيخ النائيني(قده):- فإنَّ له تقريرين الأولّ هو منية الطاب للشيخ موسى الخوانساري(قده) ، والثاني هو كتاب المكاسب والبيع للشيخ محمد تقي الآملي ، حيث قال في منية الطالب:- ( أما الاجماع فتحققه ممنوع بل قد يقال بأنه لا إشعار به في كلمات العلماء إلا كلام الشهيد في القواعد )[3] ، وحاصله هو المناقشة الأولى التي ذكرناها ، وهي أنَّ صغرى الاجماع غير ثابتة ، ولكنه ذكر في كتاب المكاسب والبيع عكس ذلك ، فإنه قال إنَّ الاجماع الذي ادّعاه الشيخ يكشف عن التسالم القطعي بين الأصحاب ، ونصّ عبارته:- ( ولا يخفى أنَّ دعوى الاجماع من مثل المصنف كاشف قطعي عن تسالم الحكم بين الأصحاب ).

والاشكال عليه واضح:-

أولاً:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) لم يدّعِ الاجماع بشكلٍ قوي حتى نقول إن دعوى الشيخ الاجماع في المقام كاشف عن التسالم القطعي ، إنما يصير كاشفاً فيما إذا كانت دعواه قوية وبضرسٍ قاطع والحال أنه عبّر بـ( ظهور الاجماع ).

ثانياً:- إنَّ الاجماع الذي ادّعاه الشيخ كسائر الاجماعات كيف تكشف عن التسالم القطعي ؟ ، يعني نقول: إنه حتى لو كان الاجماع الذي ادّعاه الشيخ هو قد ادّعاه بشكلٍ قطعي ولكن أقصى ما يدل عليه هذا هو أنه هناك إجماع ، أما أنَّ هناك تسالماً ووضوحاً والقضية مسلّمة ولا تقبل النقاش فهذا أوّل الكلام ، لأنَّ لازم هذا أن نقول هكذا في كل إجماع.

فعلى هذا الأساس دعوى الاجماع للشيخ الأعظم(قده) ركيكة جداً.

مناقشة الوجه الثاني:- إنه ذكر أنَّ المالك بإجازته للعقد الفضولي يصير أحد طرفي العقد ، وكأنه يصير بائعاً مثلاً ومن المعلوم أنَّ البائع إذا تراجع قبل قبول المشتري انفسخت المعاهدة والبيع والمعاقدة سوف تزول فلا يبقى شيء حتى يقبل الاجازة بعد ذلك ، وفي المقام حيث إنَّ المجيز صار بمثابة البائع والمفروض أنه قد تراجع ، فإذا تراجع فقد انحلّت المعاقدة والمعاهدة فالقبول البعدي لا يجدي شيئاً لزوال المعاقدة.

ولكن يرد عليه:-

أولاً:- إنَّ العقد قد تم بين الفضولي والمشتري ، يعني أنَّ المعاهدة والمعاقدة قد تمت ، والمالك بتراجعه وبردّه لا يعني أنَّ المعاقدة التي تحققت قد تصدّعت وانهدمت وزالت ، بل هي على حالها وإنما المالك قد تراجع ، وهذا التراجع لا يعني أن العقد قد تصدّع ، فيمكنه بعد ذلك أن يتراجع عن تراجعه هذا ويقول قد أجزت ، وما أفاده الشيخ من أنَّ العقد قد تصدّع لا معنى له ، لأنه لم يكن طرفاً في العقد والعقد قد تم سابقاً ، فحينئذٍ قياس مقامنا على ما لو حصل تراجع في أثناء العقد من قبل البائع في غير محلّه.

ثانياً:- سلّمنا أنَّ المورد من قبيل تراجع البائع في وسط العقد ، كما لو فرض في البيع غير الفضولي قال البائع بعت ولكن بعد ذلك تراجع فلماذا لا نقول لا يمكن آنذاك تحقق القبول والمعاقدة فيما لو فرضنا أنَّ شخصاً نصح البائع بعدم التراجع فترك تراجعه وقبل بالبيع ؟! ، فإذا قال المشتري قبلت فقد تمت المعاقدة.

وهذه المناقشة في المشبَّه به ، أما المناقشة الأولى فكانت في المشبَّه وفي أصل التشبيه ، فالآن المناقشة في المقيس عليه - ي في المشبه به - حيث نقول له إنه في العقد المتعارف غير الفضولي لو قال شخص بعتك داري وقبل قبول المشتري تراجع البائع ثم بعد ذلك تراجع عن تراجعه وقبل بالبيع فإذا قال المشتري بعد ذلك قبلت[4] فلا بأس بذلك رغم أنَّ البائع قد تراجع عن إيجابه ، فالتراجع عن ايجابه لا يزيل الايجاب ويبطله بشكلٍ كامل ويهدم المعاهدة من أساسها ، بل إذا رجع فوراً[5] فإذا قال تراجعت عمّا ذكرته وقال المشتري قبلت فلا بأس بتحقق المعاقدة ومضيّها.

مناقشة الوجه الثالث:- وحاصل ما ذكره هو أنَّ الفضولي حينما يبيع للمشتري فسوف تحصل علاقة بين المشتري وبين المبيع ، فإذا فرض أنَّ المالك قال رددت ولا أمضى البيع فقد زالت تلك العلاقة من الأساس لقاعدة ( الناس مسلطون على أموالهم ) ، فمادامت عندي هكذا قاعدة فأنا أتمكن أن أزيل تلك العلاقة التي حدثت بين المشتري وبين مالي ، فأنا مسلَّطٌ على مالي فأزيل تلك العلاقة ، وإذا زالت فلا يبقى على الأرض شيئاً حتى يمكن الاجازة بعد ذلك.


[1] كتاب المكاسب، الأنصاري، ج3، ص426.
[2] فهو عنده قواعد فقهية وفي الحاشية ادّعى الاجماع بمناسبة.
[3] منية الطالب، الخوانساري، ج2، ص92.
[4] بشكلٍ لا ينخرم الاتصال والهيئة الاتصالية إذا اعتبرنا الاتصال بين الايجاب والقبول بشكلً لا ينخرم ولكن هذه قضية ثانية وإذ لم نعتبر ذلك فالأمر اوضح.
[5] أو حتى إذا لم يكن تراجعه فورياً بناءً على عدم اعتبار الموالاة بين الايجاب والقبول.