1440/05/28


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

 

رجوع الى صحيحة عمر بن يزيد

بالنسبة الى صحيحة عمر بن يزيد ذكرنا ما يستفاد منه وأن المقصود ب(إمام عدل) الوارد فيها ما يشمل المعصوم، ونضيف اليوم قرينة أخرى وهي ان نفس الرواية ورد في ذيلها (ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة) بعد قوله (عليه السلام)

(لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل صلاة جماعة)، فانه لو كان المقصود ب(إمام عدل) المعصوم وبصلاة الجماعة صلاة الجمعة كما ذكروا بل حتى لو كان المقصود بها صلاة جماعة فيكون المسجد منحصراً بهذه المساجد الأربعة المذكورة في الذيل، فحينئذ لا معنى لقوله (عليه السلام) (لا بأس ان يعتكف في مسجد الكوفة …)، لان الإعتكاف في هذه المساجد متعين، فالمناسب ان يكون المقصود ب (إمام عدل) الإمام العادل الشامل للمعصوم وغيره، فيحتمل ان يكون كلام الإمام (عليه السلام) في الذيل لدفع توهم قد يحصل لدى الشيعة من انه لا يجوز الإعتكاف في مسجد المدينة ومسجد مكة لانه لا يصلي فيه امام عدل.

 

عود إلى ما انتهينا إليه

قلنا ان الترجيح مع الروايات الدالة على القول الثاني، لكن هذا لا يعفينا من ان نرجع الى هذه الروايات لنرى ما هو المعتبر في المسجد الذي يصح الاعتكاف فيه باعتبار ان هذه الروايات لها ألسنة متعددة، فان الوارد في بعضها التعبير ب(المسجد الجامع) او (مسجد جامع)، والوارد في بعضها (مسجد الجماعة) او (مسجد جماعة)، فيقع الكلام في انه هل هناك فرق بينهما؟ وعلى تقدير الفرق يقع الكلام في كيفية العلاج.

قد يقال انهما مختلفان وان (مسجد جماعة) اعم من (المسجد الجامع)، وذلك لان الاول يصدق على مسجد المحلة ومسجد السوق ومسجد القبيلة بخلاف الثاني لانه اخذ فيه (أي المسجد الجامع) إعداده لإقامة الصلاة لعموم الناس من دون خصوصية لطائفة دون طائفة ومحلة دون محلة، بحيث يكون مورد توجه جميع اصناف الناس، ولذا يكون عادة لكل بلد مسجد جامع واحد.

ولكن يمكن التأمل بهذا الكلام بإعتبار أنه ورد التعبير ب(مسجد جماعة)، والظاهر منه أن الجماعة ليست وصفاً للصلاة حتى نستفيد إعتبار إقامة صلاة الجماعة في المسجد الذي يصح الإعتكاف فيه، وإنما هو وصف للمسجد فالتنويع يكون بلحاظ نفس المسجد، فتارة يكون مسجد جماعة وأخرى يكون مسجد قبيلة أو محلة، وهذا التعبير (أي مسجد جماعة) ورد في الروايات مطلقاً من دون تقييد هذه الجماعة بطائفة أو قبيلة مثلاً. فيستفاد أن المراد بها ما يساوق (المسجد الجامع) أي المكان الذي أعد لتقام فيه الصلاة من عموم الناس، بخلاف مسجد القبيلة أو السوق مثلاً الذي أعد لتقام فيه الصلاة من فئة معينة.

ويؤيد هذا الفهم (أن الوصف للمسجد لا للصلاة) أن الصلاة لم تذكر في الرواية، فإن فسرناها بهذا التفسير فلا يبعد حينئذ أن يكون المقصود من التعبيرين (مسجد الجماعة والمسجد الجامع) هو معنى واحد وهو المعنى الذي ذكرناه.

أما اذا فسرنا عبارة (مسجد الجامع) بالمسجد الذي تقام فيه صلاة الجمعة فيكون الإعتبار بإقامتها، أي بما تجمّع فيه أهل البلد، ومقصودهم من تجمّع بالتشديد هو تجمّعهم لإقامة صلاة الجمعة، وقد نقل هذا الرأي عن بعض الفقهاء وأصروا عليه. وبناءاً عليه فيكون هناك فرق بين التعبيرين، إذ لا يفهم من (مسجد الجماعة) إشتراط إقامة صلاة الجمعة فيه؛ إلا أن الظاهر عدم إعتبار ذلك في تحقق عنوان (مسجد الجامع)، فهناك إتحاد بين التعبيرين.

ومع التنزل وإفتراض أن (مسجد الجماعة) أعم من (المسجد الجامع) اللازم لأن تكون النسبة بينهما هي العموم والخصوص المطلق نلتزم بتقييد الروايات التي ورد فيها تعبير (مسجد الجماعة) بالروايات التي ورد فيها تعبير (المسجد الجامع)، فينتج أن المعتبر في المسجد الذي يصح الإعتكاف فيه أن يكون مسجداً جامعاً لعموم الناس.

نعم، يبدو أن هناك شرطاً إضافياً في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة -بظهورها الأولي- غير إشتراط كون المسجد مسجداً جامعاً -بالمعنى الذي تقدم- وهو أن يصلي فيه إمام عدل، أي أقيمت فيه صلاة صحيحة بإمامة إمام عادل جماعة؛ فهل يعتبر هذا في المسجد أولا؟

ذكر صاحب الجواهر أن هذا الشرط مما لم يقل ولم يلتزم به أحد، ووافقه السيد الخوئي (قده) وقال بأن الإلتزام به خرق للإجماع المركب، لأنه لم يقل أحد بإعتبار إقامة صلاة صحيحة جماعة في المسجد الذي يصح الإعتكاف فيه، وحينئذ يحمل هذا الشرط على الإستحباب والأفضلية، لعدم إمكان الأخذ به، فيعتبر في المسجد أن يكون مسجداً جامعاً سواءاً أصلى فيه إمام عدل جماعة أم لا.[1]

لكن يبدو أن القضية أهون من هذا، لأن نفس إشتراط كون المسجد جامعاً -وكذا إشتراط كونه مسجد جماعة بناءاً على الفرق بينهما- يستبطن إفتراض إقامة صلاة الجماعة فيه، إذ عادة تقام صلاة الجماعة في المسجد الجامع، فالتركيز لابد أن يكون على شيء آخر وهو أن الإمام الذي يصلي صلاة الجماعة فيه هل يشترط أن يكون عادلاً كما هو ظاهر الصحيحة أو لا؟ وبهذا الشرط -لو تم- يصير هناك فرقاً بين المسجد الجامع لنا فيجوز فيه الإعتكاف وبين المسجد الجامع لهم فلا يجوز ذلك.


[1] موسوعة السيد الخوئي ج٢٢، ص٣٦٩-٣٧٢.