1440/05/08


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

ورب قائل يقول:- إنَّ بطلان البيع الأول شيء وجيه ، لأنه يوجد اكراه ، فأحد المصراعين يقع بيعه باطلاً من باب الاكراه ، وأما بالنسبة إلى المصراع الثاني فالمناسب أن يقع بيعه صحيحاً ، لأنَّ بيعه من باب الاضطرار ، يعني أنَّ الشخص المكرَه يقول مع نفسه ( أنا ماذا أصنع بالمصراع الثاني بعد فرض أنَّ المصراع الأول قد بعته لأجل الاكراه ) فإنَّ المصراع الواحد لا ينتفع به فيضطر آنذاك لبيعه ، وإذا كان بيعه من باب الاضطرار فنضم قضية أخرى وهي أنَّ بيع المضطر يقع صحيحاً ، فمن اضطر إلى بيع داره لعلاجٍ ونحوه يكون بيعها صحيحاً وإلا فسوف يكون خلف المنَّة ، فنحن قد فرضنا أنَّ بيع المضطر صحيح ، فالمناسب في موردنا أن يقع البيع بلحاظ الفرد الثاني صحيحاً ، لا أنه يقع باطلاً بلحاظ كليهما.

وهذه مناقشة على ما ذكرناه بلحاظ الشق الأوّل ، فإنه في الشق الأول ذكرنا أنه إذا كان الرضا ببيع الثاني متفرّعاً على الاكراه على بيع الأول فالبيع الثاني يقع باطلاً أيضا باعتبار أنَّ هذا الرضا متفرّع على الاكراه فهو بحكم الاكراه ، أما بعد أن أدخلنا البيع الثاني في عنوان الاضطرار فمن المناسب أن يقع صحيحاً ، هكذا قد يخطر إلى الذهن في هذا المقام.

وفي الجواب نقول:- تارةً يفترض أن يكون بيع المصراع الثاني متأخراً عن بيع المصراع الأول بفترة ، وأخرى يبيع كلا المصراعين في آنٍ واحد ، فإن فرض أنَّ بيع المصراع الثاني كان في زمن متأخر عن بيع الأول فما ذكر في الاعتراض شيء وجيه ، باعتبار أنه بعد فترة سوف يجلس البائع مع نفسه ويفكّر ويقول ( ماذا أصنع بهذا المصراع الثاني !! ) فيبيعه من باب الاضطرار ، فيقع حينئذٍ صحيحاً ، إلا أنَّ هذا خلف المفروض في كلامنا ، فإنَّ المفروض أنه باعهما سوية وفي آنٍ واحد ، وأما إذا باع الثاني متأخراً عن الأول فهذا يدخل في الفرع الثاني من الفروع الثلاث للمسألة ، لأنَّ الفرع الثاني هو أن يبيع الأول ثم بعد ذلك يبيع الثاني بعد فترة وقد حكمنا هناك بالصحة باعتبار أنه يبيعه عن اختيار ، فإذاً الصحة مسلَّمة فيما إذا وقع البيع الثاني متأخراً عن بيع الفرد الأول ، وهذا خارج عن محل كلامنا ، أما محل كلامنا فهو فيما لو باعهما دفعة واحدة ، ومن المعلوم أنه إذا باعهما في دفعة واحدة فكما أنَّ الأول يباع لأجل الاكراه فالثاني أيضاً يصدق عليه ذلك ، إما من باب أنَّ الاكراه على بيع أحد مصراعي الباب هو اكراه حقيقةً على بيعهما معاً وليس على أحدهما ، لأنهّ المصراع الثاني سوف يبقى عاطلاً ، فالإكراه على بيع أحدهما هو اكراهٌ على بيع الآخر ، فيصدق الاكراه بلحاظ كليهما ، أو من باب إنه وإن صدق الاضطرار بلحاظ الثاني إلا أنَّ هذا الاضطرار هو بسبب الاكراه ومتفرّع على الاكراه على بيع الأول ، وما تفرّع على الاكراه يكون بحسب النتيجة والروح والواقع بحكم الاكراه ، فالمناسب أن يقع البيع باطلاً بلحاظ كليهما فيها إذا باعهما دفعةً واحدة لا على سبيل الفصل والتدرّج ، والمفروض في كلامنا هو ذلك.

إن قلت:- إذا فرض وقوع البيع باطلاً فهذا خلف المنَّة ، إذ سوف يصير المكرَه أشبه بفاقد الطهورين ، لأنّ البيع بلحاظ كلا المصراعين صار باطلاً والظالم قد أخذ كلا المصراعين وأيضاً هذا المكرَه لا يملك الثمن لأجل بطلان البيع ، فحينئذٍ يكون البطلان على خلاف المنَّة ، فيلزم الحكم بالصحة حتى لا يلزم خلف المنّة ، فإن حديث رفع الاكراه امتناني فيلزم أن نفترض أنَّ البيع صحيح وإلا يلزم خلف المنَّة.

قلت:- إنَّ هذا الاشكال إن تم فهو يتم حتى بلحاظ الفرد الأول الذي هو مكره عليه جزماً ، وكل اكراه على معاملة يلزم أن تكون المعاملة صحيحة وليست باطلة لأنه يلزم خلف المنَّة ، فأنا لا أستفيد من العين لأنَّ المكرِه قد أخذها ، كما لا استفيد من الثمن لأنه ملك الغير ، فما يجاب به هناك يجاب به هنا ، كأن يقال:- صحيحٌ أنَّ البيع باطل ولكن يجوز للمكرَه التصرف في الثمن من باب المقاصَّة إلى أن يتمكن من أخذ ما باعه إكراهاً فيُرجِع الثمن آنذاك إلى المشتري المكرِه.

وهذا ليس إشكالاً جديداً يغاير الاشكال الذي يرد في كل اكراه على المعاملة ، فإنه في كل اكراه على المعاملة نقول هي باطلة ، وهذا باتفاق الفقهاء ولا كلام فيه ، فحينئذٍ هذا الاشكال يرد فلابد وأن يجاب بهذا الجواب ، وهو أنَّ المكرَه يتصرفّ في الثمن من باب المقاصَّة ، فما يجاب به هناك يجاب به هنا.

هذا كله بالنسبة إلى ما صرنا إليه :- وهو التفصيل الذي أشرنا إليه من أنه إذا كان الرضا ببيع الثاني متفرّعاً على الأول فيثبت البطلان في كليهما ، وإذا لم يكن متفرّعاً عليه فتثبت الصحة بلحاظ كليهما.

أما آراء الفقهاء في هذه المسألة:- فهي متعددة:-

ما أفاده الشيخ الأعظم(قده) في هذه المسألة:- حيث ذكر احتمالين:-

الأول:- وهو الذي استوجهه ومال إليه ، وهو وقوع البيع صحيحاً بلحاظ كليهما معللاً بأنه غير المكرَه عليه ، يعني أنك قد أُكرِهت على بيع واحدٍ فبيع الاثنين يغاير المكرَه عليه ، فيقع بيع الثاني صحيحاً.

ثم بعد ذلك احتمل البطلان في كليهما ، ببيان أنَّ أحدهما باطل جزماً لأنه مكره عليه ، وحيث لا تعيّن له إذ لا يُعرَف الباطل فيحكم ببطلانهما معاً.وكلا الكلامين محل تأمل:-

أما بالنسبة إلى كلامه فنقول:- بل هو عين المكره عليه ، باعتبار أن المكرِه صحيح أنه قال بع أحدهما ولكنه هل يقصد بيع أحدهما بشرط أن لا يبيع الآخر معه ، يعني بشرط لا ، أي بشرط أن لا تبيع الثاني معه ، فإذا كان الأمر هكذا فالحق مع الشيخ الأعظم(قده) ، لأنَّ المطلوب هو الواحد وحده من دون ضمّ الثاني إليه ، فإذا ضم الثاني إليه كان مغايراً للمكرَه عليه ، فيقع صحيحاً بلحاظ كليهما ، ويكون ما أفاده وجيهاً ، وأما إذا فرض أنَّ المكرِه يريد بيع أحدهما لا بشرط ، بمعنى ( أنَّ الثاني إن كنت تريد أن تبيعه فهذه قضية مرتبطة بك أو أنك لا تبيعه فهذه قضية مرتبطة بك ) ، والواقع هو هكذا فالمكرِه دائماً يريد بيع أحدهما بنحو اللا بشرط من ناحية بيع الثاني وعدمه ، فإذا كان الأمر بنحو اللا بشرط فيقع بيعهما معاً مصداقاً للمكره عليه ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.

وأما ما أفاده ثانياً فجوابه:- إنه يمكن المصير إلى القرعة أو المصالحة ، إذ بالتالي أليس البيع الواحد هو باطل ؟!! وهذا ليس بمتعيّن ، فيمكن أن نجري القرعة.

وإذ قلت:- إنَّ مورد القرعة هو ما إذاً كان معيَّناً واقعاً لا ما إذا كان لا تعيّن له.

فنقول:-

أما حلّاً:- فيرد عليه أنه لنقل هي مصالحةٌ حينئذٍ ولا يتعيّن المصير إلى البطلان ، فلا يقع الاثنين باطلان ، بل يقع أحدهما باطلاً وهو المكرَه عليه ، أما الثاني فيقع صحيحاً ، ولكن حيث لا تعيّن فيتعين بالمصالحة أو بالقرعة مثلاً.

 

وأما نقضاً:- فيرد عليه إنه إذا فرض أنَّ بطلان أحدهما يسري إلى الآخر حيث لا تعيّن له فالثاني أيضاً تصير عدوى له ، ونحن نقول: بل اعكس القضية ، فنقول إنَّ أحدهما يقع صحيحاً فالثاني ليقع صحيحاً من باب العدوى ، فإذا كانت العدوى من بطلان الأول تسري إلى الثاني فهذه العدوى تأتي أيضاً هنا فنقول إنَّ الثاني ليس مكرهاً عليه فيقع صحيحاً فالأول أيضاً يقع صحيحاً ، وهذا يدل على أنَّ فكرة العدوى في نفسها ليست في محلّها.