1440/05/01


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 60 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

ثالثاً:- وهي مناقشة للمقدمة الثالثة ، فإنه أفاد كلاماً غريباً وهو أنَّ حديث نفي الاكراه يصير ظهوره أقوى من ظهور ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ إذا فرض أنه يترتب الأثر على كلا الفردين ويصير أضعف إذا فرض أنَّ الأثر يترتب على أحد الفردين.

وفي المناقشة نقول:- إنَّ أظهرية هذا من ذاك لا ترتبط بهذه القضية ، فسواء كان الأثر يترتب على كلا البيعين بأن كان كل واحدٍ في حدّ نفسه جامع للشرائط لولا الاكراه أو فرض أنَّ واحداً كان يترتب عليه الأثر دون الآخر ، فإذا كانت توجد أقوائية لحديث نفي الاكراه فهي ثابتة على كلا التقديرين ، وإذا لم توجد فهي لا توجد على كلا التقديرين ، أما أنها موجودة على تقديرٍ دون تقدير فهذا الكلام غريب.

الجواب الثالث:- وهو للشيخ النائيني(قده)[1] وحاصله:- إذا كان الاكراه يتعلّق بجميع الأفراد ، يعني الاكراه على الجامع هو اكراه على جميع الأفراد بشكلٍ متساوٍ ولكن إذا كان الأثر يترتب عليها ، وأما إذا كان الأثر يترتب على فردٍ دون آخر فحينئذٍ ينحصر الاكراه بما لا أثر له أو بما كان أثره أقل ، يعني أنَّ أحد الفردين إما أصلاً لا أثر له كالعقد الفاسد ، أو فرض أنَّ أثره كان أقل من قبيل أن يكرِه الظالم شخصاً ويقول له ( إما أن تشرب النجس أو تشرب النجس والمغصوب ) فهنا الاكراه يتعلّق بهذا الأقل أثراً - يعني الذي هو نجس فقط - ، ومعنى تعلّق الاكراه بهذا الطرف يعني يتحتّم عليك إيجاده ، فالذي يتعين عليك أن توجده أيها المكرَه هو أن تُوجِد هذا الأقل محذوراً والأقل أثراً وهو النجس فقط ، وإذا كان أحدهما نجساً والآخر طاهراً فالطاهر لا أثر له ، يعني لا حرمة فيه ، فالإكراه يكون بلحاظه ، يعني يتعيّن عليك فعله ، والمكرِه وإن لم يتعلّق غرضه بخصوص الأقل مثلاً أو الذي لا أثر له وإنما يتعلّق غرضه بالجامع ولكني أقول إنما يتعلّق غرض المكرِه بالجامع فيما إذا كانت الأفراد متساوية في الأثر دون ما إذا فرض عدم التساوي.

والاشكال عليه:-

أولاً:- إنَّ الاكراه لو كان منصبّاً على الجامع - كما يؤكد هو عليه ولنفترضها متساوية - كيف يتعلّق بكل فردٍ فرد بعد فرض أنه متعلّق بالجامع ؟ ، يعني هو لم يجب على الاشكال !! ، فهو قال إذا كانت الأفراد متساوية فسوف يسري الاكراه إلى كل فردٍ فرد ، وهذا هو عين المشكلة ، فمادام الاكراه منصبّاً على الأحد - يعني الجامع - كيف يتوجه إلى الأفراد ؟ ، وهذا هو الاشكال وهو لم يجب عنه ؟!!

ثانياً:- إنه قال ( إذا كان واحداً منهما له أثر والآخر ليس له أثر فالإكراه يتعلّق بالذي لا أثر له ) ، ونحن نقول: إنَّ هذا المطلب أغرب من الأول ، فإنه إذا كان الاكراه متعلقاً بالجامع كيف ينحصر بعد ذلك بما لا أثر له على حدّ تعبيره؟!!

نعم نحتمل أنه ناظر إلى قضية أخرى ولكن خانه التعبير:- فهو ناظر إلى مرحلة النجّز والامتثال واستحقاق العقوبة وليس إلى مرحلة نفس الاكراه وإن كانت عباراته يصرح فيها بنفس الاكراه ولكن حصلت خيانة في التعبير ، فهو يريد أن يقول إذا كان أحد الاناءين طاهراً والآخر نجساً فيلزمك اختيار الطاهر عقلاً أو شرعاً ، ولكنه عبّر بدل بعبارة ( الاكراه ينحصر به ) بدلاً من عبارة ( يلزمك ) ، وإلا إذا لم يكن هذا هو مقصوده فما أفاده واضح الوهن.

ولعل هذا هو مقصود الشيخ الأنصاري(قده) أيضاً:- فإنه ذكر في المكاسب أنَّ الفعل المكرَه عليه هو من حيث الجامع والقدر المشترك مكرَه عليه ، وأما من حيث الخصوصية ليس مكرهاً عليه ، يعني حق الاختيار من حيث الخصوصية هو بيدك ، فلا يبعد أن يكون مقصوده أنه في مرحلة الامتثال يلزمك عقلاً أن تنتخب الخصوصية الأقل محذوراً أو التي لا محذور فيها ، وليس من البعيد أنَّ الشيخ النائيني(قده) يقصد هذا المعنى أيضاً ، قال الشيخ الأعظم(قده):- ( نعم هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية وإن كان مكرَهاً عليه من حيث القدر المشترك بمعنى أن وجوده الخارجي ناشئ عن اكراه[2] واختيار[3] وذلك لا يستحق المدح أو الذم باعتبار أصل الفعل[4] ويستحقه باعتبار الخصوصية )[5] .

فإذاً هذا ناظر إلى استحقاق العقوبة وعدم استحقاقها وذلك ناظر إلى مرحلة التنجّز والامتثال لا أصل الاكراه ، فيلزم أن يكون مقصود الشيخ الأنصاري(قده) هو هذا ، فكلا العلمين مقصودهم هو هذا ، وإلا ما أفاده الشيخ النائيني(قده) يكون محل إشكال ولا يمكن قبوله بأيّ شكل من الأشكال.

الجواب الرابع:- وهو للشيخ الأعظم(قده) وحاصله: إنَّ الظالم لو قال لشخصٍ ( إما أن تبيع دارك أو تبيع سيارتك ) فإذا انتخب بيع السيارة فيصدق عليه أنه مكرَه لغةً وعرفاً وإلا يلزم أن لا يكون الإنسان مكرهاً أبداً ، فحتى لو أكره على شيء واحد بأن قال له الظالم ( بِعْ دارك ) وهو باع داره فهذا يلزم أن لا يصدق أنه مكره عليه ، لأنَّ المكرَه عليه هو كلّي ، لأنه يمكنه أن يبيع داره لزيد ، ويمكن أن يبيعها لعمرو ، ويمكن أن يبيعها بهذا القدر من الثمن ، ويمكن أن يبيعها ذاك القدر من الثمن ، ويمكن أن يبيعها بالليل ، ويمكن أن يبيعها بالنهار ... وهكذا ، فصارت هناك أفراد متعددة للمكرَه عليه رغم أنَّ المكرَه عليه واحد ولكن بالتالي سوف يصير كلّياً ، فإذا باعه في الليل فهذه خصوصية وقلنا إنَّ الخصوصية ليس مكرهاً عليها فيلزم من ذلك عدم تحقق الاكراه أبداً.

إذاً نستطيع أن نقول:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) ذكر جوابين أحدهما نقضي والآخر حلّي :-

أما النقضي:- فحاصله: إنه يلزم أن لا يتحقق إكراه أبداً ، إذ ما من مكرَه عليه إلا وله أفراد متعددة ، وتحقق الجزئي الحقيقي - وهو جزئي حقيقي من جميع الجهات - إما متعذّر أو قليل الوجود إن فرض.

وأما الجواب الحلّي:- فهو أنه يصدق عرفاً ولغةً أنَّ هذا الشخص مكره.


[1] حاشية المكاسب، النائيني، ج1، ص396- 397.
[2] أي عن اكراه بلحاظ أصل القدر المشترك.
[3] وعن اختيار أي من حيث الخصوصية.
[4] لأنه مكره.