1440/03/30


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.

ونذكر بعض الروايات في هذا المجال:-

الأولى:- معتبرة الحلبي:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام: العمد كلما اعتمد شيئاً فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصىً أو بوكزةٍ فهذا كلّه عمد ، والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره )[1] ، فالإمام عليه السلام قال هنا ( العمد ) وفسّره وقال ( والخطأ ) ثم فسّره فيظهر أنَّ العمد والخطأ هو مصطلح متعارف بينهم في اختصاصه بباب الجناية.

الرواية الثانية:- رواية العلاء بن فضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( العمد الذي يضرب بالسلاح أو بالعصى لا يقلع عنه حتى يقتل والخطأ الذي لا يتعمده )[2] ، والتقريب هو التقريب.

الرواية الثالثة:- معتبرة أبي العباس[3] عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قلت له أرمِ الرجل بالشيء الذي لا يقتل مثله ، قال: هذا خطأ ، ثم أخذ حصاة صغيره فرمى بها ، قلت: أرمِ الشاة فأصيب رجلاً ؟ قال: هذا خطأ الذي لا شك فيه ، والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله )[4] .

والسائل في الرواية أطلق كلمة ( عمد ) و ( خطأ ) ولم يبيّن أيّ عمدٍ وأيّ خطأ فيظهر أنَّ هذا شيئاً واضحاً والامام عليه السلام أخذ يبيّن له ميزان العمد والخطأ.فإذاً هذه الروايات تثبت لنا الصغرى التي أشرنا إليها ، فنطبق الكبرى التي ذكرناها.

ثالثاً:- يمكن أن يقال: إنَّ العمد والخطأ مصطلحان خاصات بالأسباب التكوينية ، وأما الأسباب الاعتبارية فلا يستعمل لها عرفاً مصطلح العمد والخطأ ، وإنما يستعمل لها عرفاً مصطلح القصد وعدم القصد ، فمثلاً لو كان بيد شخصٍ عصىً وشأن العصى أنه من ضُرِب بها يحمرّ جسده ، فإذا ضربت شخصاً بعصىً واحمرّ جسده لهذا يقال له عرفاً إنه عمدٌ سواء قصد الاحمرار أم لم أقصده ، لأن شأن العصى هو أنها توجب الاحمرار ، فإذا حصل الاحمرار كان هذا عمداً عرفاً قصد الاحمرار أو لم يقصده ، وأما إذا فرض أنَّ نفس العصى ضربتُ بها شخصاً مرّة وكانت الضربة عادية وليست ضربة قاتلة فحصل قتلٌ والحال أنَّ شأنها الاحمرار ولكنه مات وأنا لم أقصد ذلك فإذا حصل القتل فهذا يقال له خطأ.

فإذاً هذه أسباب تكوينية ، وسمّيت تكوينية لأنها موجبة للأثر تكويناً لا تشريعاً ، فهنا يستعمل مصطلح العمد والخطأ ، وأما في باب الأسباب التشريعية مثل بعت واشتريت فهذه أسباب تشريعية للنقل والانتقال ، وهذه لا يستعمل فيها وبلحاظها مصطلح العمد والخطأ عرفاً وإنما يستعمل مصطلح القصد وعدم القصد ، فيعبّر ويقال قصدت الملكية بكلمة ( بعت ) أو يقال ( لم أقصد الملكية ) ولا يعبّر بتعبير العمد والخطأ . وهذه القضية لا بأس بها.فإذا قبلناها حينئذٍ نقول:- حيث إنه استعمل العمد والخطأ في الرواية وهو خاص بالأسباب التكوينية فلا يعم مثل باب العقود وإنما هو خاص بالأسباب التكوينية.

وفرق هذه المناقشة عن السابقة:- هو أنَّ تلك المناقشة خاصة بباب الجنايات ولا نعممها لكل الأسباب التكوينية ، ويحتاج إلى روايات ، فإذا كانت الروايات قاصرة فسوف تبطل تلك المناقشة ، بخلاف هذه المناقشة فإنما تامة من دون حاجة إلى ملاحظة الروايات ، والمنظور فيها هو التعميم لجميع الأسباب التكوينية ، لا أنه يريد أن يجني على شخصٍ لكن المثال الذي ذكرناه كان جناية ، أما إذا فرض أنه كانت هناك نار في بيتي فيستعمل العمد أو الخطأ أيضاً ، فإن كنت أنا الذي أشعل عود الثقاب وحصل غير المقصود فصار إشعال وغير ذلك فيقال هذا عمدٌ رغم أنه لا توجد جناية ، وأما إذا حصل شيء آخر كأنَّ احترقت الدار فيقال إنَّ هذا خطأ رغم أني لم أجنِ على أحد.

ولعله بالتأمل توجد فروق أخرى.ولكن بالتالي كلتا المناقشتين تصبّان في وادٍ واحد ، وهو أنَّ مصطلح العمد والخطأ لا يعم باب العقود والأسباب الاعتبارية ، فهما يشتركان في هذا الشيء ، فإما أنه يختصّ بباب الجناية ، أو أنه يختص في خصوص الأسباب التكوينية ، فروح المناقشة لا يبعد أن تكون واحدة ولكن الصورة والهيكلية تختلف.

رابعاً:- إنه بناءً على ما ذكره الشيخ الأعظم(قده) يلزم ما لا يمكن الالزام به ، فلو فرض أنَّ الصبي في شهر رمضان بَعدُ لم يبلغ وهو نوى الصوم ولكن في النهار رأى أكلاً طيّباً فافطر ، فعلى رأي الشيخ الأنصاري(قده) يكون صومه صحيح ، لأنَّ قصده كلا قصد ، يعني أنَّ أكله للطعام وقع بلا قصد ، واستعمال المفطر إذا وقع بلا قصدٍ لا يكون موجباً للإفطار ، وهل تلتزم بهذا ؟!! إنه لا يمكن الالتزام بهذا ، أو في باب الاحرام ارتكب محرّمات الاحرام ، فيلزم أن تلتزم بأنَّ أيّ محرّم من محرّمات الاحرام يصنعه الصبي لا يوجب شيئاً في حقه ولا يؤثر على الاحرام ، فإنَّ بعض الأفعال لو صدرت توجب إبطال الاحرام وتوجب ابطال العمل ، فمثلاً القران بين الطوافين يبطل الطواف ، فيلزم أن نقول إنَّ القران بين الطوافين لا يوجب إبطال الطواف لأنه صدر بلا قصد ، وكذلك في الصلاة ، كما إذا فرض أنه ارتكب أحد الأمور خطأً من دون قصدٍ فبعضها لو صدر من دون قصد لا تؤثر على الصلاة ، فمثلاً إذا ترك التشهد أو ترك السجدة أو ترك الحمد من دون قصدٍ وإنما تركها نسياناً فهنا لا تبطل الصلاة ، فيلزم أنه إذا ترك الصبي الحمد عمداً لا تبطل بذلك صلاته أيضاً ، ومن هذا القبيل يمكن أن نذكر أمثلة كثيرة .

فالشيخ عليه أن يلتزم في مثل هذه الحالات بعدم البطلان ، وهل يُلتزَم بذلك ؟ إنه لا يمكن أن يلتزم به.

إن قلت:- إنَّ هذه الأمور قد خرجت بالاجماع أو بوضوح ذلك بين المتشرعية ، فالوضوح والاجماع هما الدليل على هذا التخصيص ، فلا يلزم محذور ، فنخرج هذه الموارد ويبقى الباقي تحت الاطلاق ؟

قلت:- إننا نضمّ إحدى مقدمتين ليكتمل ما ذكرناه:-

الأولى:- إنه متى ما دار الأمر بين معنىً يلزم منه كثرة التخصيص ومعنىً آخر لا يلزم منه كثرة التخصيص فالعرف يفسّر النص والكلام بما لا يلزم منه التخصيص ، وهنا إذا فسّرنا العمد والخطأ بتفسير الشيخ الأعظم(قده) بحيث جعلناه عاماً لكل الموارد ولم نخصَّصه بباب الجنايات فحينئذٍ سوف يلزم كثرة التخصيص ، بينما لو خصّصناه بباب الجنايات فقط فسوف لا يلزم هذا المحذور ، فإذاً لابد أن نفسره بغير باب الجنايات حتى لا يلزم هذا المحذور.

الثانية:- إنه كلّما دار أمر الكلام بين معنيين يلزم من أحدهما التخصيص والآخر لا يلزم منه التحصيص[5] فالعرف يحمل الكلام على ما يلزم منه التخصيص،

فإذاً روح هذه المناقشة هي أنه سوف يلزم تخصيصات متعددة لا يمكن الالتزام بها ، ثم نضم إلى ذلك إحدى المقدّمتين حتى تتم هذه المناقشة.هذه أربع مناقشات لما أفاده الشيخ الأعظم(قده) ، ولكن المناقشة المهمة هي الأولى ، فعلى هذا الأساس لا يمكن التمسّك بهذه الطائفة.

[3] وهو أبو العباس البقباق، وهو ثقة.
[5] وفرق هذه المقمة عمّا سبقتها هي انه في تلك كثرة التخصيص أما هذا فاصل التخصيص.