06-02-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/02/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 406 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وأما حكمها بالنسبة الى الصرورة بناءً على تعيّن الحلق في الصرورة:- فقد تقدم أن صاحب الجواهر(قده) ذكر أن المورد هو من الدوران بين المحذورين بناءً على أن حرمة الحلق في حق المرأة حرمة ذاتية لا تشريعية فإنه إذا كانت ذاتية يدور الأمر بين المحذورين فإن كانت امرأة فيحرم عليها الحلق وإن كانت رجلاً فيتعيّن عليه الحلق - لأنه فرضنا أنه صرورة وفرضنا أن الصررة يتعين عليه الحلق - فيدور الأمر بين محذورين فتتخير . نعم بناء على الحرمة التشريعية يلزم أن تجمع بينهما لأن الحرمة التشريعية تأتي حينما يُقصَدُ التشريع أما إذا قصدت الخنثى تفريغ ذمتها مما اشتغلت به فحينئذٍ لا تشريع فيجب الجمع بينهما ، لكن نحن كلامنا في أنه بناءً على كون الحرمة ذاتية فإذا كانت ذاتية فيكون المورد من الدوران بين المحذورين فتتخير بينهما كما في سائر موارد الدوران بين المحذورين ، واختار السيد(قده) الروحاني ذلك في المرتقى[1] حيث قال:- ( وأما الخنثى المشكل فيلزمها التقصير على القول بالتخيير للرجل الصرورة وغيره وأما على القول يتعيّن الحلق .... فإن كانت حرمة الحلق على النساء تشريعية فعلتهما معاً بنية الاحتياط لتحصيل العلم بالإحلال وإن كانت ذاتية تخيرت بين الأمرين لدوران الأمر بين الوجوب والحرمة في كلٍّ منهما ) . هذا ما أفاده العلمان.
بيد أنه يمكن أن يقال:- إن الحكم هو الجمع بين الحلق والتقصير حتى بناءً على كون الحرمة ذاتية - أي حرمة الحلق في حق النساء - والوجه في ذلك هو أن الخنثى يوجد لديها علم إجمالي بوجوب إما الحلق أو التقصير ومقتضى هذا العلم الاجمالي لولا الابتلاء بمحذورٍ - كمحذور الدوران بين المحذورين - وجوب الجمع بينهما وحينئذٍ نقول إذا اختارت أحد الطرفين ولنفرض إنها اختارت التقصير - فإنها بالتالي لابد وأن تختار أحدهما - فحينئذٍ يكون الفرد الثاني - أعني الحلق - سوف تجزم بعدم حرمته في حقها لأنها إذا كانت امرأة حقّاً فقد أتت بوظيفتها وهو التقصير وأحلّت فيكون الحلق مباحاً بناءً على أن المرأة في دائم الأحوال يجوز لها أن تحلق فحينئذٍ يكون هذا من المباحات وأما إذا كانت رجلاً في الواقع  فالوظيفة آنذاك في حقّها هي الحلق فيكون الاتيان بالحلق واجباً وليس محرّماً بل ولا مباحاً . إذن على كلا التقديرين يصير الفرد الثاني ليس بمحرّمٍ جزماً بعد اختيار الفرد الأول ومادام ليس محرّماً فيلزم الاتيان به من باب العلم الاجمال الذي أشرنا إليه حيث أنه يعلم بأن أحدهما واجباً فيلزم الاتيان بالفرد الثاني امتثالاً للعلم الاجمالي.
وقد تسأل وتقول:- إذن أين صار الدوران بين المحذورين الذي نشعر به بالوجدان ؟
والجواب:- إن الدوران بين المحذورين يتحقق في كل فردٍ في البداية وليس في مرحلة البقاء والاستمرار ففي البداية إذا أرادت أن تختار التقصير فهو يدور أمره بين محذورين ولكن بعد أن اختارته - إذ المفروض أن الاختيار جائز في الدوران بين المحذورين - فالفرد الثاني لا تحتمل أنه حرام في حقها ففكرة الدوران بين المحذورين تكون ثابتة في البداية دون مرحلة البقاء ، وبهذا يختلف مقامنا عن بقيّة المقامات فإنه في سائر المقامات إذا اختار المكلف أحد الطرفين فالطرف الثاني يبقى فيه احتمال الحرمة واحتمال الوجوب بينما في مقامنا يزول احتمال الحرمة في الطرف الثاني وإذا زال فحينئذٍ يلزم الجمع بينهما . إذن اتضح أنه حتى بناءً على الحرمة الذاتية للحلق في حقّ المرأة مع ذلك يجب الجمع بين الحلق والتقصير من جهة أن الدوران بين المحذورين يكون في مرحلة البداية وليس بدايةً واستمراراً وذاك الكلام من أنه يُختار أحدهما فهو يتمّ فيما إذا كان الدوران بين المحذورين في البداية الاستمرار دون مثل المقام ، وهذا من النكات الجميلة التي يجدر الالفات إليها.
ويجدر الالتفات أيضاً الى أنه يمكن أن نقول:- بأن الوظيفة هي الجمع من جهة اختلال الأصول الموضوعيّة لفكرة للحكم بالتخيير بأن يقال إن الحكم بالتخيير مبنيّ على أصلين الأوّل هو أن الحلق في حق المرأة محرّم بالحرمة الذاتية والثاني هو أن التقصير في الصرورة محرّمٌ فإنه إذا بنينا على هذين الأصلين الموضوعيين فقد يقال حينئذٍ بالتخيير ، وإن اتضح أنه لا مجال له بل الوظيفة هي الجمع أما أن الأصل الأوّل يمكن رفضه فباعتبار أنّا قرأنا فيما سبق الروايات الدالة على أن حكم المرأة هو التقصير فإن الوارد فيها ( عليهن التقصير ) وهذا التعبير يدلّ على أن الوظيفة هي التقصير ولا يجزي الحلق أما أنه لو حلقت يكون محرّماً فهذا لا يستفاد من لنصوص . إذن فكرة التخيير لو تمّت فهي تحتاج الى هذين الأصلين الأول هو أن الحرمة ذاتية بالنسبة الى الحلق في حقّ النساء وهي قد قلنا بأنها قابلة للمناقشة وأما الثاني وهو التقصير في حق الرجال فيمكن أن يقال نحن حتى لو قلنا بأن وظيفة الرجال في الصرورة هي الحلق لكن الاتيان بالتقصير من باب احتمال أن الإحلال يتحقق به وهو الوظيفة فالإتيان به بهذا الشكل لا يوجد ما يدلّ على تحريمه فإننا لو رجعنا الى ما دلّ على حرمة إزالة  الشعر وجدنا أن تلك الروايات هي واردة في موارد خاصّة ولا يمكن أن يستفاد منها قانون كليّ بصيغة ( أن كل إزالة للشعر بأيّ شكلٍ من الأشكال في حق المحرم شيءٌ محرّم ) بل الأدلة واردة في موارد خاصّة من قبيل صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم  يحلق أو يقطع الشعر )[2] فإنها تدل على أن قطع الشعر لا يجوز في حالة الحجامة وإذا أردنا أن نلغي خصوصيّة الحجامة فنتعدى الى الموارد المثيلة ولا تشمل مثل موردنا الذي يريد فيه أن يزيل الشعر لاحتمال أنه وظيفته الواقعيّة وبقصد الإحلال فتعميم الحرمة لمثل حالتنا بإلغاء خصوصيّة الحجامة لا يثبت.
ولا توقلنَّ:- إما أن تلغي خصوصيّة الحجامة وإما أن لا تلغيها ، فإن لم تلغها فيلزم أن تقتصر على المورد وأما إذا ألغيتها فيلزم أن تتعدى الى جميع الموارد ومنها موردنا.
فإنه يجاب:- من أين لك هذا ؟ فإن سبب الإلغاء للخصوصيّة هو مناسبات الحكم والموضوع وهي تقتضي هذا المقدار دون ما زاد على ذلك.
ومثل صحيحة معاوية بن عمار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم كيف يحك رأسه ؟ قال:- بأظافيره مالم يدمِ أو يقطع الشعر )[3] والأمر في هذه الصحيحة كما في سابقتها فإن إلغاء خصوصيّة المورد بمناسبات الحكم والموضوع لا يمكن أن يستفاد منه التعميم الكليّ بحيث يشمل مقامنا .... الى غير ذلك من روايات حرمة إزالة الشعر . إذن نتمكن أن نقول إن التقصير في حق المحرم الصرورة لم تثبت حرمته إذا أتى به لاحتمال أنه واجبٌ في حقّة ولأجل الاحتياط.
والخلاصة من كل هذا:- إنه يمكن أن نقول بلزوم الجمع بين الحلق والتقصير في حق الخنثى الصرورة إما لأجل إنكار الأصلين الموضوعيين - أعني إنكار الحرمة الذاتية للحلق في حق النساء بل هي تشريعية أو إنكار الأصل الموضوعي الثاني وهو أن التقصير في الرجل الصرورة محرّمٌ - فنقول كلّا بل حتى لو كان صرورة وبنينا على أن الوظيفة في حقّه هي الحلق لم يثبت حرمة التقصير في حقّه لعدم ثبوت الموجبة الكليّة في حقّه وإذا سلمنا بهذين الأصلين الموضوعيين لكن رغم هذا نقول بلزوم الجمع وذلك لأن الدوران بين المحذورين ثابتٌ في البداية وليس في البداية والبقاء.
ثم إنه بقي شيء في عبارة المتن:- وهو أن السيد الماتن(قده) اختار الجمع بين الحلق والتقصير في حق الخنثى الصرورة ولكن قال ( الأحوط لها أن تقدم التقصير ) ولماذا ؟ بيّن(قده) في المعتمد نكتة الاحتياط فقال لأجل أنه لو كانت رجلاً واقعاً فالتقصير في حقها يكون محرّماً إلا أن حرمة التقصير في حقّ الرجل الصرورة ليست قطعيّة فإن الكثير من الفقهاء ذهب الى التخيير في حقّ الصرورة بين التقصير والحلق . إذن حرمة التقصير في حق الصرورة ليست قطعية بل هي خلافيّة بين الأعلام وهذا بخلاف ما لو قدّمت الحلق فإنه يحتمل أن تكون أنثى وحرمة الحلق في حق المرأة اتفاقية ولا خلاف فيها فهي قطعيّة وعند الدوران بين الاتيان بما يحتمل أنه قطعيّ الحرمة أو الاتيان بما يحتمل أنه ليس بقطعيّ الحرمة فالأجدر الاتيان بالثاني الذي لا يكون مقطوع الحرمة.
ولكن في التعليق نقول:- صحيح أن حرمة الحلق في حقّ المرأة هي قطعيّة اجماعية مسلّمة ولكنّ القطعيّ هو الحرمة بالمعنى الأعم الشامل للذاتية والتشريعية وأما الذاتية بالخصوص فليست قطعيّة فصحيحٌ أن الكلّ اتفقوا على الحرمة ولكن أيّ حرمة ؟ فهل هي حرمة ذاتية أو قطعية؟  ولا يوجد قطعٌ بكون الحرمة ذاتية والوجه الذي ذكره(قده) يكون ظريفاً ومقبولاً لو كانت الحرمة القطعيّة ذاتيّة أما إذا كانت تشريعية فلا موجب آنذاك لتقديم التقصير . إذن الاحتياط المذكور لا حاجة إليه.