05-02-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 406 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
إن قلت:- إنه يمكن تشكيل علم إجمالي بالتكليف في المقام وذلك بأن يقال:- إنه على تقدير كونها أنثى يلزمها التقصير وعلى تقدير كونها رجلاً يجب عليها أحدهما بنحو التخيير ، إذن دار الأمر بين وجوبين بين وجوب التقصير ووجوب أحدهما فصار التردّد بين حكمين إلزاميين وبذلك يثبت التنجيز.
قلت:- إن شرط تنجيز العلم الاجمالي هو عدم إمكان جريان البراءة بالنسبة إلى أحد الطرفين بخصوصه بأن كان كلا الطرفين قابلاً للبراءة أما إذا كان أحد الطرفين تجري البراءة بلحاظه والطرف الثاني لا تجري البراءة بلحاظه فلا يجري الاستصحاب آنذاك إذ يحصل التأمين في أحد الطرفين بلا معارضة فلا ترديد والمقام من هذا القبيل فإن الوجوب التعييني تجري البراءة بلحاظه إذ أن فيه كلفة زائدة فإذا جرت البراءة صار المكلّف في سعةٍ بينما البراءة بلحاظ الطرف الثاني - أعني وجوب أحدهما - لا تجري لأنها لو جرت فالنتيجة تكون آنذاك هي الضيق لأن الوجوب التخييري قد انتفى ولازم انتفاء الوجوب التخييري هو أنه يتعيّن عليه الطرف لا أنه مخيّرٌ فصار في ضيقٍ وأصل البراءة جاء للمنَّة والتوسعة على العباد دون التضييق عليهم والمفروض أن أصل الوجوب في الجملة ثابت فلا يمكن أن نرفع بالبراءة الوجوب تماماً - يعني التخييري والتعييني - بحيث لا وجوب للحلق ولا للتقصير فإن هذا مجزوم البطلان فإذا أردنا إجرائها عن الوجوب التخييري للتقصير فهذا معناه أن النتيجة سوف تكون هي التعيّن لا رفع الوجوب من الأساس فإن المفروض هو أننا نعلم بثبوت الوجوب ولا نريد أن نجري البراءة عن أصل الوجوب بل نجريه عن حيثية التخيير فآنذاك يثبت التعيين ويلزم خلف المنّة ومتى ما لزم خلف المنّة فلا يجري أصل البراءة . إذن لا يجري أصل البراءة في المقام بلحاظ الوجوب التخييري فيجري بلحاظ الوجوب التعييني بلا معارض وبالتالي لا يكون هذا العلم الاجمالي منجزاً . إذن لا يمكن تصوير علم إجماليّ في المقام.
والأجدر في مقام الجواب عن أصل الإشكال أن يقال:- إن المورد يجري فيه الاستصحاب إما بنحوٍ  تجري معه البراءة ولكن لا تنفع أو بنحوٍ لا تجري معه البراءة.
أما النحو الأول الذي يجري فيه الاستصحاب وكذلك البراءة ولكنها لا تنفع فذلك بأن يقال:- إن البراءة إذا جرت فهي تنفي تعيّن التقصير يعني أن الحلق جائزٌ ولا حرمة من ناحيته وهذا بمجرده لا ينفعنا لأننا نريد أن نثبت ارتفاع محرّمات الإحرام وبأصل البراءة عن تعيّن التقصير لا أنه تثبت حليّة المحرّمات فإن الحديث كما مرّ مراراً حديثٌ نافٍ ينفي تعيّن التقصير وحرمة الحلق أما أنه يثبت أن محرّمات الإحرام صارت جائزة وارتفعت الحرمة عنها فهذا لا يثبته فيجري آنذاك استصحاب بقاء حرمة تلك المحرّمات وهذا ما قلناه من أن الاستصحاب يجري ولا يمنع من جريان البراءة فالبراءة جرت ولكن بشكلٍ لا ينفع في إثبات ارتفاع محرّمات الإحرام فيجري الاستصحاب آنذاك ، اللهم إلا إذا افترضنا – وهذه قضيّة أشرنا إليها سابقاً  - أنّا استفدنا من النصوص أنه متى ما جاز الحلق أو التقصير تكليفاً فالمحرمات ترتفع بهما أي بأي واحدٍ منهما لو تحقق مادام جائزاً فإذا استفدنا هكذا فهذا معناه أنه يوجد دليل اجتهادي على ارتفاع المحرّمات فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب أما إذا رفضنا ذلك فالنوبة تصل آنذاك إلى الاستصحاب.
وقد تقول:- إن هذا وجيهٌ على مختارنا حيث نرى أن الاستصحاب يجري في باب الأحكام فيجري هنا وأما على مبنى السيد الخوئي(قده) الذي يرفض ذلك ويقول إن الاستصحاب في باب الأحكام لا يجري للمعارضة بين استصحاب بقاء المجعول وأصالة عدم الجعل الزائد فبناءً على رأيه لا يجري الاستصحاب إذ أن هذا استصحابٌ للحكم إذ نشك هل أن محرّمات الإحرام باقية أو ليست باقية فنستصحب بقاء الحرمة فهل هناك مخلصٌ من ذلك وحلّ ؟
والجواب:- نعم هناك مخلص وذلك بأن نقول:- إنه(قده) حينما قال إن الاستصحاب لا يجري في باب الأحكام خصّص ذلك بالحكم الكلّي وأما الموضوعات الجزئية التي يكون فيها الشك في الحكم الجزئي فإنه لا يرى مانعاً من جريان الاستصحاب الحكمي والوجه في ذلك هو أن الجعل يختصّ بالموضوعات الكلّية وأما الموضوعات الجزئية فليست فيها جعولٌ جزئيّة بعددها فحينما يحرّم الشارع الخمر لا يوجد جعل حرمة لهذا الخمر ولا لهذا الخمر .... وانما الجعل ثابت للموضوع الكلّي دون الجزئيات ، نعم هذه أحكام فعليّة ففي مرحلة الفعليّة يمكن أن يقال إنه يحصل تعدّد أما في مرحلة الجعل فلا توجد جعول بعدد الأفراد وإلا فقد قلنا في موضعه إن ذلك الجعل الواحد سوف يلزم أن يكبر ويصغر فإذن لا يوجد في باب الموضوعات الجزئية جعول ، وعلى هذا الأساس يجري استصحاب بقاء الحكم الفعلي من دون معارضة بأصالة الجعل الزائد لأنه لا يوجد جعل أصلاً في الموضوعات الجزئية حتى استصحاب بقاء الحكم الفعلي يعارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.
والخلاصة:- إن الشبهة إذا كانت موضوعيّة - يعني جزئية - فاستصحاب بقاء الحكم الفعلي يكون بلا معارضة بأصالة عدم الجعل الزائد وهنا الشبهة موضوعيّة وجزئيّة وليست كليّة.
إن قلت :- كيف لا تكون كليّة بل هي كليّة لأن الخنثى موضوعٌ كليّ في مقابل الرجل والمرأة فالرجل موضوع كليٌّ والمرأة موضوع كليٌّ والخنثى موضوع كليٌّ فلماذا تقول إن الشك هنا هو في الموضوع الجزئي وليس في الموضوع الكليّ ؟! كلا بل هو شكٌّ في الموضوع الكليُّ فتتم المعارضة أيضاً.
قلت:- إن ما نذكره مبنيٌّ على أن الخنثى ليست حقيقةً ثالثةً فبناءً على أن الخنثى هي موضوعٌ مستقل غير الذكر والأنثى فنعم هي سوف تكون موضوعاً كليّاً ولكن نحن الآن نفترض أنها موضوعاً جزئياً فهي إما أن تكون رجلاً أو امرأةً فهي لا تخلو من أحد الحقيقيتين كما قد تشير إلى ذلك بعض الآيات وأن الخنثى ليست حقيقة ثالثة ﴿ خلق الذكر والأنثى ﴾ - وهذا ليس بمهم - فبناءً على أن الخنثى ليست موضوعاً مستقلاً فالشبهة بلحاظها سوف تكون موضوعيّة لأن حكم الرجل نعرفه وحكم المرأة نعرفه أيضاً ولكن الخنثى لا ندري  أهي مصداقٌ للرجل أو أنها مصداقٌ للمرأة فالحكم الكليّ معلوم ٌوإنما الشك في الحكم الجزئي فأيّ العنوانين ينطبق عليها فالشبهة بلحاظها سوف تكون موضوعيّة وجزئيّة ، وهذه فائدة لطيفة.
والخلاصة:- إنه بناءً على ما ذكرناه يكون أصل البراءة عن تعيّن التقصير وجواز الحلق لا ينفعنا لأنه بالتالي سوف لا يُثبِت لنا أن المحرّمات قد ارتفعت فيجري استصحاب بقاء حرمة محرّمات الإحرام من دون فرق بين مبنانا الذي نقول فيه بجريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة وبين مبنى السيد الخوئي(قده) الذي يرفض ذلك لأن الشبهة في المقام جزئية وليست كليّة.
وأما الاستصحاب الثاني الذي لو جرى فهو يمنع من البراءة راساً فذلك بأن يقال:- إن الحالة السابقة للحلق هي الحرمة لأن الخنثى كانت محرمة وفي حالة الإحرام يحرم الحلق التقصير معاً سواء كان رجلاً أو أنثى والآن حينما وصلت الخنثى إلى منى وأرادت أن تُحلّ فتجزم حتماً أن التقصير يجوز لها فسواء كانت رجلاً أو امرأة فالتقصير جائز لها ولكن تشك هل أن الحلق جائزٌ أو ليس بجائز فيجري استصحاب تلك الحرمة السابقة ومعه لا تصل النوبة إلى البراءة عن حرمة الخلق . أذن بناءً على هذا مادام المورد من موارد استصحاب حرمة الحلق - لفرض أنه توجد حالة سابقة وهي حرمة الحلق - فأصل البراءة عن تعيّن التقصير وإثبات جواز الحلق لا يجري لأنه يوجد استصحاب ومتى ما اجتمع الاستصحاب مع البراءة فالاستصحاب مقدّم ، وذكرنا في محاضرات سابقة أن البراءة حينما نريد أن نجريها فلابد من أن نفترض أن الحالة سابقة ليست موجودة أما إذا كانت هناك حالة سابقة بالحرمة أو بالوجوب فأصل البراءة لا يجري آنذاك . إذن اتضح من خلال هذا دفع تلك الشبهة التي تقول لماذا لا نجري البراءة عن أصل تعيّن التقصير . هذا كلّه في حالة غير الصرورة.