1439/10/12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/10/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- أصالة اللزوم - مسألة ( 52 ) – المكاسب المحرمة.

ونذكر مثالين للترتب الأول للترتب الشرعي والثاني للترتب غير الشرعي لتتضح الفكرة:-

أما مثال الترتب الشرعي:- فهو ما لو فرضنا أنَّ الأب قد مات حين صلاة الظهر كما أنَّ أحد أولاده توفي في حادث سير ولكن لا نعلم هل صار الحادث بعد موت الأب أو قبله ، فإذا كان موت الابن بعد موت الأب فسوف يرث أباه[1] ، ففي مثل هذه الحالة نستصحب بقاء حياة الولد إلى ما بعد الظهر فيصدق آنذاك أنَّ الولد كان باقياً على قيد الحياة إلى ما بعد وفاة الوالد ، وهذا موضوعٌ لإرث الولد فيرث مادام حياً إلى زمان موت الوالد وقد أحرزنا بقاء حياة الولد إلى حين موت الوالد بالاستصحاب ، وهذا الرتب شرعياً فيجري استصحاب بقاء حياة الولد إلى موت الوالد ، ولا يعارضه استصحاب عدم استحقاق الولد ، لأننا نشك هل الولد يستحق الارث أو لا ، يعني حينما كان الوالد حيّاً فهذا الولد لم يكن يستحق شيئاً جزماً والآن نشك هل صار يستحق أو لا فنستصحب عدم استحقاقه للإرث ، فنقول هذا الاستصحاب لا يجري ، فإنَّ استصحاب حياة الولد إلى حين موت الوالد يكون حاكماً والترتب ترتب شرعي ، فالشرع قال ( إذا كان الولد حياً إلى حين موت الوالد فسوف يستحق الارث ) وهذا قد اثبتناه بالاستصحاب ، فلا يعود حينئذٍ مجال لاستصحاب عدم استحقاقه الارث.

أما مثال عدم الترتب الشرعي:- فهو ما إذا حصل النذر على أنه متى ما التحى الولد فحينئذٍ يتصدّق الوالد ، ففي مثل هذه الحالة نحن نستصحب عدم نبات اللحية فنشك هل نبتت لحيته أو لا فنستصحب حياة الولد حتى نثبت استحقاق التصدق لأن لحيته قد نبتت ، وفي المقابل يوجد استصحاب آخر وهو أننا نشك في أنه هل ثبت استحقاق التصدق أو لا فإنه لم يكن ثابت جزماً والآن نشك هل ثبت أو لم يثبت فننفي استحقاق التصدّق باستصحاب عدم استحقاق التصدّق.

وقد يقول قائل:- إنَّ هذا الاستصحاب الثاني لا يجري ، لأنَّ استصحاب الحياة يكون حاكماً ، فهو يثبت لنا حياة الولد وبالتالي يثبت لنا نبات اللحية واستحقاق التصدّق فهو حينئذٍ أصل حاكم.

ونحن نجيبه ونقول:- إنَّ استصحاب الحياة لا يثبت لنا نبات اللحية ، لأن هذا الأثر ليس أثراً شرعياً وإنما هو أثر عادي ، إذ لا يوجد نص يقول ( إذا كان الولد حياً إلى عشرين سنة فقد نبتت لحيته ) ، ونما العادة جرت على أنَّ الولد إذا صار عمره عشرين سنة فلحيته سوف تنبت ، فاستصحاب الحياة لا يثبت نبات اللحية ، فإذا لم يتثبت ذلك فاستصحاب عدم استحقاق التصدّق يكون جارياً من دون حكومة استصحاب الحياة عليه فإنَّ الترتب ليس ترتباً شرعياً.

إذن النتيجة:- هي أنه يلزم أن نلتفت إلى هذه النكات ، فمتى ما قلنا إنَّ هذا الأصل حاكم على ذاك فلابد هنا من ملاحظة الترتب هل هو ترتب شرعي أو غير شرعي.

وفي موردنا إنه بعد فسخ البائع استصحبنا بقاء لملكية المشتري ، ولكن قلنا قد يقال يوجد حاكم عليه وهو استصحاب بقاء علقة البائع فيكون حاكماً.

ونحن نقول:- افترض أننا بالاستصحاب اثبتنا بقاء علقة البائع لكن هل يوجد نص يقول ( متى ما كانت علقة الباع موجودة فإذن زالت ملكية المشتري عند فسخ البائع ) ؟ إنه لا يوجد هكذا ترتب ، فإذن استصحاب بقاء العلقة حيث لا يثبت أنَّ هذا المبيع ليس ملكاً للمشتري إلا بالملازمة غير العقلية دون الملازمة الشرعية فحينئذٍ لا يكون حاكماً على استصحاب بقاء ملكية المشتري الذي هو الاستصحاب الأول .

هذا كله توضيح لما سبق.

ثم إنه عرضنا شيئاً وقلنا:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) لم يشر إلى أنَّ هذه الحكومة غير صحيحة لأنها مبنية على الأصل المثبت وكان من المناسب له أن يبين هذا ، وإنما بيّن وجود معارضة فقط ، بل قد يقال إنَّ استصحاب بقاء علقة البائع هو حاكم ، وهو لم يرد الحكومة ، وكان من المناسب له أن يردّ الحكومة ، وقد قلنا إنَّ الشيخ الأعظم (قده) سكت عن هذا ولم يبيّنه ، وكان من المناسب له أن يقول:- هذا مضافاً أنَّ استصحاب عقلة البائع - أي الاستصحاب الثاني - لو جرى فلا نسلّم بكونه حاكماً فإنَّ الترتب ليس شرعياً لأنه من مصاديق الأصل المثبت.

والآن نريد أن ندافع عن الشيخ الأعظم(قده) ونقول:- لعل الشيخ(قده) لم يبين أنَّ هذا الاستصحاب الثاني - أي استصحاب علقة البائع - ليس بحاكم وقد اشتبهت أنت حيث عبّرت بأنه حاكم فإنَّ الترتب بين الأصلين ليس شرعياً فهذا سكت عنه الشيخ ولم يبينه لنكتةٍ ، وهي أنه افترض أنه ليس يحاكم لكن المعارضة حينئذٍ موجودة ، فلا داعي إلى أن يبيّن أنه حاكم أو ليس بحاكم فإنَّ هذا لا يؤثر على النتيجة شيئاً.

ولكن تبقى القضايا العلمية لابد وأن تبيّن ويقال إنَّ الحكومة باطلة ولكن سواء كانت باطلة أم لم تكن باطلة فهذا لا يؤثر على الموقف شيئاً.

والنتيجة:- إنَّ استصحاب بقاء ملكية المشتري بعد فسخ البائع يجري ، لأنَّ المعارض هو استصحاب بقاء علقة البائع وقد قلنا هو لا يجري ، لأنَّ المراد من استصحاب العلقة هو ثلاث احتمالات وجميع التقادير باطلة ، فيبقى استصحاب بقاء ملكية المشتري بعد الفسخ من دون معارض ، ولا تصل النوبة إلى الحكومة ، لأنَّ الحكومة فرع قابلية أن يجري الاستصحاب الثاني - يعني استصحاب بقاء علقة البائع - ، وقد عرفنا أنه غير قابل للجريان على كل الاحتمالات الثلاثة ، فالحكومة أيضاً لا معنى لها ، وسوف تصير النتيجة هي أنَّ استصحاب بقاء ملكية المشتري بعد فسخ البائع جارٍ ، يعني أنَّ هذا الاستصحاب تام ويثبت اللزوم بهذا الاستصحاب ، والوجه في ذلك: هو أنَّ الاستصحاب الثاني المعارض هو لا يجري في حدّ نفسه لما ذكرناه من الشقوق الثلاثة ، وأيضاً مادام لا يجري في حدّ نفسه لا تصل النوبة إلى كونه حاكماً ، فيبقى استصحاب بقاء ملكية المشتري من دون معارض.

إذن اتضح أنَّ الاشكال الأوّل باطل.

الاشكال الثاني:- أن يقال: إنَّ ملكية المشتري فيها احتمالان ، إما أن تكون الملكية الحادثة بالمعاطاة لازمة أو هي جائزة ، فإن فرض أنَّ الملكية جائزة فقد ارتفعت جزماً بفسخ البائع ، وإن كانت لازمة فلا بأس باستصحابها ولكن نشك في أصل حدوثها فلا يجري استصحابها.

إذن على أحد التقديرين يتيقن بالارتفاع ، وعلى التقدير الثاني يشكل في أصل الحدوث ، وعلى كلا التقديرين لا يجري الاستصحاب.

ويردّه:-

أوّلاً:- يقال: إنَّ الملكية ليست على نحوين جائزة ولازمة وإنما الملكية واحدة لا تختلف غايته الشارع تارةً يحكم ، فالاختلاف حينئذٍ يصير في حكم الشارع لا في ذات الملكية ولا نخلط بين المطلبين ، فإنه لا يوجد تعدد في الملكية وإنما هي واحدة ولكن الشرع تارةً يقول هذه الملكية الواحدة أنا أحكم عليها بالجواز إن كان السبب كذا وأحكم عليها باللزوم إن كان السبب كذا ، فهذا الاختلاف هو في حكم الشارع لأجل اختلاف سبب الملكية لا أنَّ الملكية قد اختلفت ، ومادامت الملكية واحدة فيجري استصحاب تلك الملكية الواحدة من دون أيّ إشكال.


[1] وتكون الثمرة أنه سوف ينتقل ارث هذا الابن إلى أولاده.