27-01-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وقد تمسك(قده) بإطلاق الآية الكريمة الدالة على تخيير الصرورة في بعض الموارد فتمسك به لإثبات أن الذي لبّد شعره هو أيضاً بالخيار بمقتضى إطلاق الآية الكريمة وإذا أردنا أن نستفيد تعيّن الحلق في حقه فهو بدليلٍ خارجيّ وإلا فاطلاق الآية الكريمة يقتضي التخيير[1] ، وهكذا تمسك بالاطلاق في موردٍ آخر[2] لإثبات أن غير الصرورة أيضاً يكون حكمه التخيير فغير الصرورة أيضاً مخيّر بإطلاق الآية الكريمة ، وهذا توضيح ما ذكره.
وفي مجال التعليق نقول:-
أوّلاً:- إن التمسك بالاطلاق في مقامنا شيءٌ لا معنى له لأن الآية الكريمة ليست بصدد إنشاء حكمٍ شرعيّ وإنما هي بصدد الإخبار عن كونهم يدخلون إما مقصّرين أو حالقين ولازم هذا الإخبار هو ثبوت التخيير الشرعي لا أن الآية ابتداءً هي ورادة كأنشاءٍ للحكم الشرعيّ ومعه كيف نتمسك بالاطلاق ؟! إن الاطلاق لا يصحّ إلا في موارد الإنشاء دون موارد الإخبار كما هو واضحٌ ، وأغرب من ذلك أنه تمسّك بالاطلاق بالنسبة إلى غير الصررة فإنّا ذكرنا أنه تمسّك بالاطلاق في موردين أحدهما غير الصرورة فكيف نتمسّك بالاطلاق في غير الصرورة مع فرض أن جميع المسلمين كانوا صرورة ؟! إذن من ناحيتين لا يمكن التمسّك بالاطلاق في حقّ غير الصرورة من ناحية أن الحكم إخباريٌّ وليس انشائيّاً ومن ناحية أن جميع المسلمين قد حجّوا صرورةً إذ لو كان بعضهم قد حجّ غير صرورة لا يمكن التمسّك بالآية الكريمة رأساً فلأجل أن يمكن أن يتمسك بها لابد وأن نفترض أنهم بأجمعهم كانوا صرورةً ومع كونهم كذلك كيف يمكن أن نستنتج التخيير في حقّ غير الصرورة بعد كونهم جميعاً صرورة ؟! ولكن هذه المناقشة ليست أساسية يعني أنها لا تضرب الجذور والأسس التي اعتمد عليها(قده) في إثبات التخيير ، نعم تضرب الإطلاق ولكنّها لا تضرب أصل الفكرة.
وثانياً:- إن الآية الكريمة أخبرت بأن بعض المسلمين يدخل وهو حالق والبعض الآخر يدخل وهو مقصّر وهذا لا يمكن أن نستفيد منه التخيير بالنسبة إلى الرجل الصرورة إذ لعل بيان هذين الوصفين باعتبار أن بعض المسلمين كانوا نساءً والنساء ليس عليهنَّ حلق وإنما عليهنَّ التقصير فيصحّ آنذاك بأن تخبر الآية الكريمة بأن بعضهم يدخل حالقاً يعني الرجال الصرورة والبعض الآخر يدخل وهو مقصّر يعني النساء  فكيف إذن مع وجود هذا الاحتمال نستفيد أن الرجل الصرورة مخيّر بين الأمرين إذ كما أن هذا الاحتمال الذي ذكره موجودٌ هذا الاحتمال الذي نذكره موجود أيضاً إذ الآية في صدد الإخبار عن واقعٍ وهذا الواقع كما يلتئم مع الشكل الذي ذكره يلتئم مع الشكل الذي ذكرناه ، بل لا نحتاج إلى إدخال النساء في الحساب فحتى لو قصرنا النظر على الرجال فقط فنقول لعلّ بعضهم كان معذوراً من الحلق لدمّل أو لغيره فحكمه يصير حينئذٍ التقصير فبهذا الاعتبار يحتمل أن الآية أخبرت أن بعضهم يدخل محلّقاً والبعض الآخر يدخل مقصّراً.
وخلاصة المناقشة:- إن الآية الكريمة بصدد الإخبار والإخبار عن واقعٍ يحتمل احتمالات متعدّدة والذي ينفعه هو خصوص الاحتمال الذي ذكره - وهو أن الجميع كانوا رجالاً من غير عذرٍ - فهنا نعم سوف يثبت التخيير ولكن قلت إن الإخبار عن هذا الواقع لعله نشأ من الاحتمالين الآخرين.
وثالثاً:- يمكن أن نحمل الواو في قوله تعالى ( ومقصّرين ) ليس على العطف بمعنى ( أو ) كما يظهر منه(قده) فإن البيان الذي ذكره يستلزم تفسير الواو بـــ( أو ) يعني ( لتدخلنّ المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلّقين أو البعض الثاني يكون مقصّراً ) فيكون بعضان بعضٌ حالقٌ وبعضٌ مقصّر ولكن نقول من المحتمل أن يكون المقصود هو أن الجميع يكون حالقاً ومقّصراً أي اجتماع كلا الوصفين في حقّ جميع المسلمين وذلك باعتبار أن المتمتّع حينما يرجع من منى إلى مكة لأجل الطواف والسعي ويدخل المسجد الحرام يصحّ أن نقول هو قد دخل حالقاً ومقصّراً فهو حالقٌ في منى يوم العيد مقصّرٌ باعتبار عمرة التمتع لأنه سبقت منه عمرة التمتع سابقاً فحينما يدخل الآن - وأبقينا هذا الدخول هو الدخول الأوّل كما أراد هو(قده) - فالآية الكريمة أرادت أن تصف جميع المسلين لا أن بعضهم حالقٌ والبعض الآخر مقصّر كلا بل إن جميع المسلمين يدخلون المسجد الحرام محلقين ومقصرين محلقين باعتبار ما اتوا به في منى يوم العيد فإنهم صرورة ومقصّرين باعتبار عمرة التمتع التي هي سابقة على الحجّ فإنهم قصّروا فيها فيصدق إذن في حقهم اجتماع هذين الوصفين من دون إمكان استكشاف التخيير ، إن هذا احتمالٌ وجيهٌ في الآية الكريمة ومعه لا يمكن استكشاف التخيير.
إن قلت:- إن هذا يتمّ لو فرض أن حجّ التمتع كان قد شُرّع حين نزول الآية الكريمة وإذا قرأنا الروايات نفهم منها إنه قد شُرّع في نفس عام حجّة الوداع فهم قد حجّوا قِراناً أو إفراداً وبعد أن أتوا بالطواف والسعي نزل جبرائيل عليه السلام وأمر النبي صلى الله عليه وآله أنّ كلّ من لم يَسُق الهدي فليقصّر - وليحلّ والبعض قد اعترض عليه - إذن شُرّع حجّ التمتع في عام حجّة الوداع ولم يكن ثابتاً سابقاً حتى يتمّ ما أشرنا إليه.
قلت:- بالتالي إن بعض المسلمين قد قصّر لأنهم النبي صلى الله عليه وآله أمرهم بالتقصير فالتقصير قد تحقّق منهم ومادام قد تحقّق منهم فحينئذٍ يصحّ الإخبار بأنكم ستدخلون المسجد الحرام محلّقين لأجل الحجّ في اليوم العاشر  ومقصّرين باعتبار ما صدر منكم في مكّة المكرمة بعد تشريع حجّ التمتع وقلب الإفراد إلى حجّ التمتع فبالتالي يتمّ المطلب الذي ذكرناه وإن كان حجّ التمتع قد شرّع في عام حجّة الوداع.
ورابعاً:- إنه(قده) ذكر أن الآية الكريمة تشير إلى أوّل دخولٍ دخلوه إلى المسجد الحرام وكانوا فيه محلّقين ومقصّرين وهذا لا ينطبق إلا على حجّ التمتع ونحن نقول إن الإشارة إلى هذا الدخول هو من باب الإشارة يعني أن الآية الكريمة تقصد أنها تبشّرهم بأنهم سوف يدخلون المسجد الحرام ومع فرض وجود دخولٍ أسبقٍ في وقتٍ أقربٍ - أعني دخول العمرة - لا معنى لأن تؤكد الآية الكريمة على الدخول الثاني الذي هو أبعد نظير من أراد أن يبشّر غيره فإنه يبشّره بالأمر القريب لا أنه يبشّره بالأمر الأبعد . إذن من المستهجن الإشارة إلى هذا الدخول - أي دخول حجّ التمتع - بعد وجود دخولٍ أسبق إلى المسجد الحرام ، وعلى هذا الأساس يمكن أن نقول يمكن أن نحمل الآية الكريمة على ما أشار اليه المفسّرون يعني أنها ناظرة إلى عمرة القضاء التي أتى بها المسلمون في العام الثاني بعد عام الحديبية فإنهم دخلوا المسجد الحرام بعمرةٍ مفردةٍ فتريد الآية أن تشير إليهم وأنّكم تدخلون المسجد الحرام يعني في العام الثاني آمنين أي مع الأمان وهذا وصفٌ يستدعي التأكيد والإشارة إليه لأن صفة الأمان صفة مطلوبة فإنهم سيدخلون المسجد الحرام ويدخلون مع الأمان ثم جاءت لتؤكد هذا الأمان وأنه أمانٌ إلى نهاية العمل - أي نهاية العمرة - والنهاية تكون إما بالحلق أو بالتقصير في العمرة المفردة ، فإذن الآية تشير على أنكم سوف تدخلون مع الأمان أماناً مستمرّاً إلى نهاية العمل فذكرُ وصفِ محلّقين ومقصّرين إشارة إلى نهاية العمل واستمرار هذا الأمان إلى نهاية العمل وفي العمرة المفردة لا محذور من الحلق فهو يجوز نعم هو لا يجوز في عمرة التمتع وأما في العمرة المفردة فيجوز كلا الأمرين فيحتمل أن يكون مقصود الآية الكريمة هو ذلك وبهذا تندفع قضيّة الاستهجان - أي استهجان الإشارة إلى الدخول الثاني-  مع سبق الدخول الأوّل . مضافاً إلى أن الآية الكريمة تكون مشيرة إلى نكتة ذِكرِ ( محلّقين ومقصّرين ) فإنه على البيان الذي ذكره(قده) لا توجد نكتةٌ لذكر ( محلّقين ومقصّرين ) وهذا بخلافه على هذا البيان فإن المقصود من ذكر هذين الوصفين إشارة إلى استمرار الأمان إلى نهاية العمل - أي إلى نهاية العمر المفردة - وهذه قضيّة تستدعي التأكيد.
إذن من مجموع ما ذكرنا يتّضح أن من الصعب استنتاج دلالة الآية الكريمة على التخيير في حقّ الرجل الصرورة المتمتّع.
بهذا ينتهي كلامنا عن الآية الكريمة ويقع الكلام بعد ذلك فيما يمكن التمسّك به على تعيّن الحلق بالنسبة إلى المتمتّع الرجل الصرورة وقد ذكر صاحب المدارك(قده)[3] أربع روايات في هذا المجال ، وذكر صاحب الحدائق(قده)[4] أكثر من أربع روايات ونحن نشير إلى المهمّ منها:-


[1]  هكذا ذكر في المعتمد، ج5، ص316، ط قديمة عند تعرضه إلى الملبد.
[2]  المعتمد، الخوئي، ج5، ص315.