39/08/06


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 51 ) وقوع البيع بالمعاطاة - المكاسب المحرّمة.

واستشهد(قده) لإثبات هذه الدعوى بمثال فقال:- لو قيل ( لا تأكل المال الحرام إلا ما كان كدّ يمين ) فهذا الاستثناء منقطع ، لأنَّ ما كان كدّ يمين ليس فرداً من أفراد الأكل بالحرام فهنا نتمكن أن نستفيد العموم في جانب المستثنى ، يعني كلّ ما كان بكدّ يمين وعرق جبين فكُل حلالاً ، فالعموم موجود ، نعم العموم ليس موجوداً بلحاظ المستثنى منه وإلا صار التقدير ( إذا لم يكن المال من كدّ يمين فهو حرام بأيّ شكل من الأشكال ) ، وهل تلتزم بهذا ؟ إنه لا يمكن الالتزام بذلك ، لأنه توجد أشياء هي ليست من كدّ اليمين كأن يهدى لي شخص مبلغاً من المال أو جاءني إرث فهذا ليس من كدّ اليمين ولكن لا يمكن الالتزام بأنه حرام ، فإذن العموم ثابت في جانب المستثنى وليس بثابت في جانب المستثنى منه وإلا يلزم هذا المحذور.

والنتيجة:- هي أنَّ كلامه لا يضرّ بالبيانات الثلاثة المتقدّمة ، لأنه سلّم بالعموم في جانب المستثنى إذا كان الاستثناء منقطعاً وموردنا من هذا القبيل فإنَّ الاستثناء منقطع ، فلا بأس بالعموم في جانب المستثنى ، فإذن تم المطلوب وسوف لا يضرّنا ما ذكره.

ويرد عليه:-

أوّلاً:- إنه قال ( إذا كان الاستثناء متصلاً فلا يدل على العموم في جانب المستثنى ) ، وهذا الكلام ليس مهماً ، لأنّ محل كلامنا في الآية الكريمة هو أننا نريد أن نتمسّك بالعموم في ﴿ إلا أن تكون تارة عن تراض ﴾ من ناحية المستثنى ، أما أنه قال وإنما يثبت بلحاظ المستثنى منه فليس مهماً لنا إذ لا حاجة له ، وما هو دليله ؟ قال:- الدليل هو ( لا صلاة إلا بطهور ).

ونحن نقول:- إنَّ أصل هذه الطريقة وهذه المنهجة في باب الظهورات مرفوضة ولكن ليس رفضاً دائماً وإنما هي ليست مقبولة في تمام المساحة ، نعم ربما تقبل أحياناً ولكن لا يمكن أن نقبّلها في تمام المساحة ، والوجه في ذلك هو أنه في باب الظهورات يلزم أن نلاحظ كل مورد مورد باستقلاله ونرى هل فيه ظهور في العموم أو الاطلاق أو لا ، ولا معنى لأنَّ تقول ( إنه مادام في ذلك المورد لا يوجد ظهور أو اطلاق في جانب المستثنى فإذن في موردنا أيضاً لا يوجد فيه اطلاق أو عموم ) فإنَّ هذه الطريقة التي اتّبعها السيد صاحب البلغة(قده) ليست بصحيحة ، بل في باب الظهورات كل قضية وكل رواية وكل كلام نأخذه ونلاحظه ونرى هل فيه ظهور في العموم أو لا ، فإن كان هناك ظهور في العموم فنأخذ به وإن لم يكن هناك عموم أو اطلاق في أمثلة أخرى فإنَّ هذا لا يهمنا ، بل نحن نتعامل مع كلّ نصّ باستقلاله ، والنصّ الذي مقامنا - هو ﴿ لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض ﴾ فنحن كعرف هل نفهم من قوله تعالى ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ يعني كلّ تجارة عن تراضٍ هي ليست من الباطل أو كُلوا - باختلاف التقريبين - ؟ إنَّ هذا نفهمه بالوجدان ، فنحن نفهم بالوجدان بأنَّ كل تجارة عن تراضٍ ليست باطلة من دون خصوصية ، فنقول لصاحب البلغة أنت تقول في مثال ( لا صلاة إلا بطهور ) لا نستفيد الاطلاق في جانب المستثنى ، ونحن نقول دعنا لا نستفيد الاطلاق ولكن هذا لا يصير حجة بيني وبين ربي وإنما المهم لي أنَّ هذا النصّ إذا استفدت منه الاطلاق في هذا المورد فسوف أعمل به أما في موردٍ آخر لعله لنكتةٍ من النكات لا استفيد الاطلاق ولكن هذه قضية ثانية.

فإذن أصل هذه المنجهة مرفوض ، ونحن لابد وأن نتعامل مع النصّ الموجود في محلّ كلامنا وهو ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض ﴾ فنلاحظ هل فيه عموم أو لا ، فإذا شعرنا بالوجدان بوجوده فبها ، ونحن نشعر بذلك فحينئذٍ نأخذ به وإن فرض أنه في مثال ( لا صلاة إلا بطهور ) لا نستفيد الاطلاق والعموم في جانب المستثنى فإنَّ هذا ليس بمهم.

ثانياً:- إنه استشهد بمثال ( لا صلاة إلا بطهور ) وقال إنَّ هذا يوحي بأنه إذا كان العموم ثابت في جانب المستثنى يعني فكلما كان طهوراً فالصلاة صحيحة حتى لو لم يكن السجود أو الركوع أو غيرهما موجوداً ، ونحن نقول: إنَّ هذا المثال ليس كما تقول ، فإنَّ المقصود من هذا الحديث يعني أنَّ الصلاة الواجدة للأجزاء والشرائط أجمع لا تكون صلاةً رغم اشتمالها على الأجزاء والشرائط إلا بالطهور - يعني إلا أن ينضم إليها الطهور - ، فإذا لم يكن الطهور موجوداً فمهما كانت الأجزاء والشرائط موجودة فالصلاة ليست بصحيحة ، لا أنَّ المقصود ما ذكرته ، وإذا كان المقصود هو هذا فلا يمكن أن يستشهد بهذا المثال لأنه بالتالي نحن نقول إنَّ العموم موجود في جانب المستثنى ، يعني يريد أن يقول ( إلا بطهور ) فإذا كان الطهور موجوداً وكانت الأجزاء الأخرى من ركوع وسجود موجودة فدائماً الصلاة تكون صحيحة ، وهذا مقبول وليس مرفوضاً ، وهذا ما نفهمه عرفاً من الحديث ، وعليه فلا إشكال.

وقد فهمه كذلك الآخوند الخراساني(قده) في مبحث المفاهيم في مفهوم الاستثناء[1] :- حيث ذكر أنَّ أبا حنيفة قال إنَّ الاستثناء ليس له مفهوم وإلا لو كان له مفهوم للزم في مثل ( لا صلاة إلا بطهور ) أنه لو كان الطهور موجوداً فالصلاة موجودة حتى لو فقدت بقيّة الأجزاء والشرائط ، فردّه صاحب الكفاية وقال:- إنَّ المقصود من هذا الحديث أنه لا صلاة واجدة للأجزاء والشرائط إلا بطهور ، فلا يرد ما ذكرته.