34-05-18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم إنه توجد قضايا أربع لا بأس بالالتفات إليها:-
 القضية الأولى:- قد يقول قائل إنه يوجد دليل على إجزاء الموقف الاختياري لعرفات وحده - خلافاً لما ذكرنا سابقاً من أنه لا دليل على ذلك - وهو ما دلّ على أن العبد لو أعتق عشيّة عرفة فيجزيه إدراك أحد الموقفين ، فلاحظ صحيحة معاوية بن عمار:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- مملوك أعتق يوم عرفة ، قال:- إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج ) [1] فإنها دلت على أن العبد إذا أدرك أحد الموقفين كفاه ذلك في براءة ذمته من وجوب الحج وبضمّ عدم احتمال الخصوصية للمورد - أعني العبد المعتق - يثبت أن هذا حكمٌ عامٌ لكلّ شخصٍ بلا خصوصيّة للمورد وبذلك يثبت المطلوب - أعني أن إدراك أحد الموقفين يكفي في تحقق الحج - وهذا الجامع - أعني أحد الموقفين - ينطبق على إدراك موقف عرفة . إذن إدراك اختياري عرفة يكفي ولا يتوقف على ضمّ أدراك المشعر الحرام إليه.
 وفيه:- إن من الوجيه أن تكون الرواية ناظرة إلى مطلب آخر وهو أن من أحد شرائط تحقق حجّ الإسلام هو الحريّة فكما أن الاستطاعة شرط في تحقّق حجّ الإسلام كذلك قد دلّت روايات كثيرة ذكرها صاحب الوسائل(قده) [2] وعلى طبقها أفتى الفقهاء وهو أن الحريّة شرط من شرائط تحقق حجّ الإسلام فلو حجّ العبد وكان مستطيعاً ولكنه باقٍ على حالة العبودية رغم أنه مستطيع كأن دعاه المولى للحجّ فإنه رغم هذا لا يكفيه عن حج الإسلام بل إذا تحرّر لابد له وأن يحجّ من جديد إذا استطاع فهنا توجد روايات كثيرة قد دلّت على ذلك والفقهاء قد أفتوا على طبقها.
 ولو قبلنا بهذا فحينئذ نقول:- لعل هذه الرواية [3] ناظرة إلى هذا المطلب وهو أنه مادام أن العبد قد أدرك أحد الموقفين بعد تحرّره فهذا يكفيه في تحقق الحجّ - يعني أنه من ناحية مسألة العبوديّة والحريّة لا يحتاج إلى أن يحجّ حجاً جديداً بحجّة إنه حينما حجّ كان عبداً ، كلا فما دام قد أدرك أحد الوقفين وهو حرٌّ فيجزيه ذلك في تحقق حجّ الإسلام - إنه بناءً على هذا تكون الرواية المذكورة أجنبية عن مقامنا إذ نحن نفترض أن المكلف قد أدرك أحد الموقفين دون الموقف الآخر بينما هنا تكون الرواية قد فرضت أن المكلف قد أدرك كلا الموقفين لا أنه أدرك أحدهما بل أدرك جميع أفعال الحج غايته أنه لم يدركها مع الحريّة وإنما أدرك جزءاً منها مع العبودية فحينئذ تقول مادام قد تحقق إدراك أحد الموقفين وهو حرٌّ كفاه ذلك في إدراك الحج ، وهذا الذي نقوله إن لم يكن هو المقصود بنحو الجزم فلا أقل من كونه محتملاً - ويكفينا الاحتمال - بحيث تعود الرواية مجملة من هذه الناحية فلا يمكن أن يستدل بها على إدراك الحج بإدراك مطلق المكلف لأحد الموقفين بما في ذلك موقف عرفة.
 القضية الثانية:- ذكرنا فيما سبق أن إدراك موقف عرفة وحده لا يكفي إلا إذا كان قد مرَّ المكلف ليلة المشعر الحرام بالمشعر فإنه يجزيه الحج آنذاك لأجل صحيحة مسمع المتقدمة ولكن نستدرك ونؤكد أن الأحوط وجوباً أن يكون المرور مع المكث والتوقف القليل وذلك لما أشرنا إليه سابقاً - في مسألة ( 374 ) - من أن أكثر من رواية أخذت عنوان التوقف في المشعر الحرام فمثلاً ورد في صحيحة أبي بصير الواردة في تلك المسألة بالنسبة إلى النساء:- ( فيقفن عند المشعر ساعة ) ، وهكذا ورد في صحيحة الحسن العطار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمعٍ ووجدهم قد أفاضوا فيقف قليلاً بالمشعر وليلحق الناس بمنى ولا شيء عليه ) إلى غير ذلك من الروايات ، فإنه لأجل هذه الروايات احتطنا في اعتبار التوقف القليل وإنما لم نجزم بذلك باعتبار أن المشهور لعله لم يعتبر ذلك ففي مقامنا أيضاً نقول نفس الشيء - يعني أن الأحوط وجوباً هو لابدّيَّة التوقف القليل في المشعر الحرام للحكم بالإجزاء ولا يكفي مجرد المرور -.
 القضية الثالثة:- ذكرنا أيضاً في بداية الحديث عن موقف المشعر الحرام - أي قبل مسألة ( 372 ) - أن السيد الخوئي(قده) ذكر متناً من دون أن يذكر عنوان ( مسألةٌ ) وقال ( الوقوف في المشعر ... ) ثم ذكر متناً وذكرنا هناك في نهاية المتن أن ذِكر الله عز وجل في المشعر الحرام هل هو لازم أو لا ؟ إن مشهور الفقهاء لعلهم لم يذكروا اعتبار ذلك ، ورغم وجود روايات يفهم منها اعتبار ذلك وقد أشرنا إلى بعضها هناك ويكفينا على الأقل الآية الكريمة:- ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) وقلنا إنه يكفي في تحقق عنوان الذكر الصلاة فلو صلّى المكلف صلاة الفجر هناك فهذا أيضاً ذكرٌ لله عز وجل ولكن إذا لم يصلِّ ولم يذكر الله فهل هذا يكفي أو لابد من الذكر بنحوٍ من الأنحاء ؟ ذكرنا هناك أن النصوص وإن استفيد منها وجوب ذلك ولكن نرفع اليد عن هذا الظهور لقرينةٍ وهي أن المسألة عامّة الابتلاء فلو كان ذكر الله عز وجل واجباً لاشتهر وذاع في الجو العام وبالتالي يلزم أن ينعكس على فتاوى الفقهاء لأن الحكم آنذاك يصير واضحاً والحال أنّا نرى أن الفقهاء لم يشيروا إلى وجوب ذكر الله عز وجل في المشعر الحرام بل إما أنهم لم يشيروا إليه بداً أو أنهم أشاروا إليه ولكن بنحو الاستحباب وهذا يدعونا - وهذه نكتة نستفيد منها في الموارد المتعدة لا في خصوص هذا المورد فقط - إلى التوقف عن الحكم بالوجوب.
 هذا ولكن نستثني مقامنا فإنه في خصوص المقام قد وردت روايات دلت على أن من مرَّ بالمشعر الحرام يلزمه إما أن يتوقف أو على الأقل يذكر الله عز وجل وحيث أن هذا هو مورد الرواية - أي المرور - فيعتبر الذكر ، وهذا ليس عامّ البلوى فحينئذ لا يمكن أن نطبّق تلك النكتة التي أشرنا إليها وأنه نرفع اليد عن الظهور ، كلا فإنه لا داعي إلى رفع اليد عن الظهور . وهذه نكتة ينبغي الالتفات إليها.
 ومن جملة الروايات التي دلّت على ذلك رواية محمد بن حكيم:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- أصلحك الله الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمّال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات ...... لم ينزل بهم جمعاً ، قال:- أليس قد صلّوا بها ؟! فقد أجزأهم ، قلت:- فإن لم يصلّوا بها ، قال:- فذكروا الله فيها ؟ فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم ) [4] ، وعلى منوالها رواية أبي بصير [5] . نعم قد رود في سندها محمد بن سنان وبناءً على أن أمره سهلٌ - وهذه قضية تتبع المباني - فتكون صحيحة . إذن مورد الرواية هو من مرَّ بالمشعر الحرام وقد اعتبر الإمام عليه السلام ذكر الله عز وجل وهذه لست مسالة عامة البلوى حتى نرفع اليد عن ظهور الرواية . إذن هنا نتمسك بظهور الرواية ونحكم بأن الإجزاء إنما يثبت فيما إذا كان المرور مع الذكر.
 القضية الرابعة:- من خلال ما ذكرنا يتجلّى الحكم في بعض الموارد كما لو فرض أن شخصاً وقف في منطقة تخيّل أنها المشعر الحرام وهي في الحقيقة كانت خارجة عنه ثم بعد فترة اتضح له الأمر - وواضح أنه إذا انكشف له ذلك قبل الزوال فلا مشكلة إذ يقف قليلاً ويتم حجّه - فإذا انكشف له ذلك بعد الزوال فما حكمه ؟ إن المناسب هو الحكم بعدم الإجزاء رغم أنه أدرك موقف عرفات وما ذاك إلا لأن موقف عرفات وحده لا يكفي والمفروض أنه لم يتحقق منه المرور بالمشعر ليلاً بل هو في تمام الفترة واقفٌ في منطقةٍ أخرى.
 وهكذا يتبين الحال فيما لو فرض أن شخصاً وقف في عرفات وبعد ذلك حصل له إغماء أو نُقل إلى المستشفى من عرفات لعارضٍ إلى أن خرج من المستشفى بعد الزوال من اليوم العاشر فإن المناسب في مثل هذه الحالة هو الحكم بعدم الإجزاء أيضاً.
 
 الصورة الثامنة:- قال(قده):-
 الثامنة:- أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط ففي هذه الصورة يبطل حجّه فيقلبه إلى العمرة المفردة.
 والوجه فيما ذكره واضح إذ الحكم على طبق القاعدة إذ ذكرنا سابقاً أن إدراك الموقف الاختياري لعرفات وحده لا يكفي فكيف بالاضطراري وحده فإنه لا يكفي بالأولى وبالتالي يلزمه الإتيان بعمرة مفردة بمعنى أن إحرامه ينقلب إلى عمرة مفردة وذلك للقاعدة التي استفدناها من روايات متعدّدة وهي أن كل من لم يتمكن من إكمال الحج فالقاعدة وإن اقتضت الانحلال القهري للإحرام إذ مطلوبيته ارتباطية وليست استقلالية وحيث قد اتضح أن المكلف لا يمكنه الإتيان ببقيّة الأجزاء فينكشف أن ما أتى به لم يكن مطلوباً من البداية وقد وقع في غير محلّة فيكون منحلّاً بشكل قهري إن هذا هو المناسب للقاعدة ولكن خالفنا هذه القاعدة وحكمنا بلزوم التحلّل بعمرةٍ مفردةٍ لأجل الروايات التي أشرنا إليها في أبحاث سابقة . وبهذا ينتهي حديثنا في هذا الواجب.


[1] وسائل الشيعة، ج11، ص52، ب17 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح2، ط آل‌البيت.
[2] وسائل الشيعة، ج11، ص49، ب16، ط آل‌البيت.
[3] أي صحيحة معاوية.
[4] وسائل الشيعة، ج14، ص46، ب25، من ابوب الوقوف بالمشعر، ح3، ط آل‌البيت.
[5] وسائل الشيعة، ج14، ص47، ب25، من ابوب الوقوف بالمشعر، ح7، ط آل‌البيت.