34-05-13


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الأمر الثالث:- صحيح محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبدالله عليه السلام:- ( رجل لم يدرك المزدلفة ولم يقف بها حتى أتى منى ، قال:- ألم ير الناس ؟ ألم ير منى حين دخلها ؟ قلت:- فإنه جهل ذلك ؟ قال:- يرجع ، قلت:- إن ذلك قد فاته ، قال:- لا بأس) [1] بتقريب أن الشخص المسؤول عن حكمه هو قد غادر عرفات ولم يبق في المشعر بل دخل منى من دون وقوفٍ بالمشعر وقد حكم الإمام عليه السلام بنفي البأس إذا كان قد فاته ذلك ولا يمكنه التدارك كما لو كان بعد الزوال من اليوم العاشر . إذن الامام عليه السلام حكم بنفي البأس وهذا يدل على أن الوقوف في عرفات يكفي بمفرده وإن لم ينضم إليه الوقوف في المشعر.
 ويرد عليه:-
 أولا:- المناقشة من حيث السند ، وقد تقدم الكلام فيه فإن الشيخ الكليني(قده) قد رواها عن ( علي بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله ) وهذا سند معتبر ، بيد أن الشيخ الطوسي(قده) رواها بإسناده ( عن سعد عن أحمد بن محمد عن العباس بن معروف عن بن أبي عمير عن محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام ) وبناءً على هذا السند تصير مرسلة وقد تقدّم أن تصحيح هذا السند شيءٌ مشكل خلافاً للشيخ التبريزي(قده).
 وثانياً:- المناقشة من حيث الدلالة فإنه يمكن أن يقال إن الرجل المذكور قد مرّ بمزدلفة ولكنه لم يقف بها - يعني أنه مرَّ مرور الكرام - حيث جاء في الرواية ( رجل مرَّ بالمزدلفة ولم يقف بها حتى أتى منى ) إذ هو قد مرَّ ولكنّه لم يقف ولم يمكث قليلاً وهذا خارج عن محل كلامنا فإن كلامنا هو فيمن وقف بعرفات ولم يمرّ بالمشعر أما إذا مرَّ ليلاً فنفس المرور يمكن أن يحكم فيه بالاجزاء . إذن هذه الرواية لا تنفعه.
 وعلى منوالها الرواية الأخرى التي ذكرها صاحب الجواهر(قده) وهي صحيحة علي بن رئاب عن حريز عن الصادق عليه السلام والسند المعتبر سواء كان حريز موجوداً أو لا فلا يضر على كلا التقديرين لأنه ثقة - ( من أفاض مع الناس من عرفات ولم يلبث معهم بجمعً ومضى إلى منى متعمداً أو مستخفّاً فعليه بدنة ) [2] فإنه يمكن أن يقال فيها نفس ما ذكرناه في رواية الحضرمي ، يعني أن الشخص المذكور الذي أفاض من عرفات هو لم يلبث بجمعٍ وإنما مرَّ بها فقط فالمرور يكون متحققاً ومعه لا تنفعنا الرواية المذكورة.
 الأمر الرابع:- حديث رفع الخطأ والنسيان فإنه قابل للتمسك به فيما إذا كان الشخص ناسياً أو مخطئاً .
 وجوابه ما مرَّ غير مرّة:- من أن الحديث يرفع الأمر بالكل الشامل للوقوف بالمشعر الحرام إذ قد مرّ وهو ناسٍ أو مخطئ ، ولكن هذا وحده لا يكفي فإن المطلوب هو إثبات الإجزاء وأن ما أتى به يجزي - يعني أن الأمر الثابت في حقه هو أمر بما عدى الوقوف بالمشعر - وحديث الرفع لا يثبت ذلك بل هو ينفي الأمر بالكل فقط لا أنه يثبت الأمر بالأقل حتى تحصل من خلال ذلك براءة الذمة والإجزاء.
 إن قلت:- كيف تمسكتم بهذا الحديث في مسألة رفع جزئية السورة المشكوكة أو رفع جزئية الاستراحة في باب الصلاة إذ أنه كان هناك شك في وجوبها وهكذا كل جزء أو شرط يرجع إلى الصلاة يمكن أن نرفعه بحديث الرفع فكيف تتمسكون به هناك والحال أن نفس هذا الجواب يأتي هناك فيقال إن حديث الرفع يرفع الأمر بالعشرة ولا يثبت الأمر بالباقي والمهم هو إثبات الأمر بالباقي حتى يحصل الإجزاء وفراغ الذمة ؟
 قلت:- إن هذا إشكال قد تعرض إليه الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية في مبحث حديث الرفع - أو مبحث الأقل والأكثر - وأجاب عنه بأن نسبة حديث الرفع إلى أدلة الإجزاء والشرائط هي نسبة المستثنى إلى المستثنى منه أي هو يستثني ويخرج الأمر بالجزء المشكوك وأما الأمر ببقية الأجزاء فهو ثابت وهذا وظيفته فقط وفقط استثناء الأمر بالجزئية المشكوكة فيبقى الأمر ببقية الأجزاء على حاله.
 والإشكال عليه واضح إلا أن يقصد معنىً آخر سوف نشير إليه:- ووجه الإشكال هو أن رفع الأمر بالجزء المشكوك لا يكون إلا برفع الأمر بالكل إذ المفروض أنه لا توجد أوامر متعددة بعدد الأجزاء والشرائط حتى يقال نحن نستثني الأمر بالمشكوك فقط ، كلا وإنما هو أمر واحد متوجه إلى المجموع بما هو مجموع ، ومعه فرفع الأمر للمشكوك لا يكون إلا برفع الأمر بالكل فعاد الإشكال فيقال إذا ارتفع الأمر بالكل كيف تثبت الأمر بالأقل ؟
 والجواب المناسب الذي لعله هو مقصود صاحب الكفاية(قده):- هو أن الأمر ببقية الأجزاء في خصوص باب الصلاة - ولا نقول ذلك في باب آخر - لا نحتمل ارتفاعه فإن الصلاة لا تسقط بحالٍ ، إذن وجوب الباقي ثابت جزماً وإنما شكنا هو في وجوب الجزء المشكوك وإلا فلا يحتمل أن يرتفع الأمر بالعشرة مع الأمر بالتسعة فعندنا أمرٌ بالتسعة ثابت جزماً ولكن هل هو ضمن الأمر بالعشرة أو لوحده ؟ ولا يأتي هذا الكلام في غير باب الصلاة فإنه في غير باب الصلاة يمكن بارتفاع الجزء أن يرتفع الأمر بالكل ولذلك يقال في باب الصوم إذا لم يتمكن المكلف من باب الاضطرار إلا أن يشرب الماء في لحظةٍ فلا نطبقَّ حديث الاضطرار ونقول إن الأمر بالإمساك بالباقي ثابتٌ ، كلا فلعله يرتفع أصل الأمر بالإمساك من الأساس ، إن الخصوصية هي لباب الصلاة.
 وبعدما اتضح أن جميع ما ذكره صاحب الجواهر(قده) يمكن مناقشته يتضح أن المناسب هو الحكم ببطلان الحج في هذه الصورة - أعني عدم الاجتزاء بالموقف الاختياري لعرفات فقط - باعتبار أنه لا دليل على إجزائه وإن ما يمكن الاستناد إليه هو الوجوه المتقدمة وقد اتضح بطلانها فالمناسب هو عدم الإجزاء.
 إن قلت:- إنه في الصورة السابقة حكمت بالرجوع إلى الأصل العملي - أي في الصورة الثالثة وهي إدراك اضطراري المشعر فقط - وقلت إن مقتضى الأصل العملي هو عدم اشتغال الذمة بالحج المقيّد بما زاد على الموقف الاضطراري للمشعر وحكمت بالإجزاء وقلت إن ما اشتغلت به الذمة يقيناً قد أتينا به يقيناً والذي لم نأتِ به نشك في أصل اشتغال الذمة به فلماذا لا نسرّي هذا الكلام الى هذه الصورة أيضاً والحال أنك حكمت بعدم الإجزاء لعدم الدليل عليه ؟
 قلت:- هناك فارق بين الصورتين فإنه في هذه الصورة سقطت الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على إجزاء الموقف الاختياري لعرفة وحده لعدم تماميتها لما تقدّم ولكن يبقى لدينا إطلاق دليلٍ اجتهاديٍ قبل أن تصل النوبة إلى الأصل العملي وهو أن من فاته المشعر فاته الحج وبعد وجوده لا تصل النوبة إلى الأصل العملي ، وهذا بخلافه في تلك الصورة السابقة فإن ما يمكن التمسك به من هذا الجانب - أي على إجزاء الموقف الاضطراري للمشعر - وما يمكن التمسك به للثاني - أي على الإجزاء - قد سقط أيضاً وليس لدينا إطلاق دليلٍ اجتهاديٍ حتى نرجع إليه فلذلك تمسكنا بأصل البراءة ، هذا هو الفارق بين الموردين.
 وإذا قلت:- إنه في تلك الصورة يوجد إطلاق دليلٍ اجتهادي وهو مثلاً ما دلَّ على أن أهل الأراك لا حج لهم - يعني أن الذي لم يتحقق منه الوقوف بعرفات لا حج له - فإن هذا إطلاق نتمسك به والمفروض في الصورة السابقة أنه لم يتحقق منه وقوف عرفات وإنما تحقق منه الموقف الاضطراري للمشعر فقط ، فلماذا لا ترجع إلى هذا الاطلاق ؟ وهذه قضية كان من المناسب الإشارة إليها في تلك الصورة ولكن غفلنا عن ذلك.
 قلت:- إن حديث ( أهل الأراك لا حج لهم ) يراد به بيان أن من وقف في الحد - إذ الأراك هي منطقة في الحدّ - لا يتحقق منه الحج ، ولا يبعد أن الوقوف في تلك المنطقة كان تمرّداً ولعله من جهة وجود أراكٍ فيها يُستظل به وإذا كان الوقوف فيها ناشئاً من التمرّد فلا يمكن أن نستفيد من ذلك أن من فاته موقف عرفات لعذرٍ أنه كذلك ، كلا بل إن من فاته موقف عرفات رأساً بحيث وصل بعد انتهاء الموقف لا يكون مشمولاً لإطلاق هذا الحديث لاختصاصه بمن وقف متمرداً.
 وإذا تنزلنا وقلنا إن هذا شيء لا قرينة عليه والحديث يشتمل على الإطلاق فيستفاد منه أن كل من لم يقف بعرفات فلا حجّ له.
 ولكن نقول:- إن هذا الإطلاق معارض بإطلاق ( من أدرك المشعر فقد أدرك الحج ) فيسقط وبالتالي يكون المرجع هو الأصل العملي . إذن تلك الصورة لو كان فيها إطلاق فنسلم أنه لا معنى للرجوع إلى الأصل العلمي ، ولكن حيث أن الإطلاق معارض فلا محذور آنذاك في الرجوع إلى الأصل.
 والخلاصة من كل هذا:- هي أن من وقف في عرفات فقط من دون إدراك المشعر يحكم في حقه بعدم الإجزاء لعدم الدليل على الإجزاء ، نعم نستثني من ذلك موردين:-
 المورد الأول:- ما إذا فرض أنه وقف في المشعر ليلاً أو مرَّ به ليلاً فيحكم هنا بالإجزاء وذلك من جهة رواية الخثعمي وصحيحة مسمع المتقدمة ، وإذا كان في سند ورواية الخثعمي إشكال فتكفينا صحيحة مسمع المتقدمة وهي:- ( عن أبي إبراهيم:- رجل وقف مع الناس بجمعٍ ثم أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال:- إن كان جاهلاً فلا شيء عليه وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة ) ، والمناسب بمقتضى هذه الصحيحة الحكم بالإجزاء مادام قد تحقق منه الوقوف أو المرور ليلاً ولو بمقدارٍ قليلٍ حتى في حق المتعمد خلاًفا للسيد الماتن(قده) فإنه اختار أن هذه الصحيحة تختص بكلا شقيها بالجاهل ونحن استظهرنا خلافاً له أنها في شقّها الثاني ناظرة إلى المتعمّد ، وعلى هذا الأساس لا مشكلة فيما لو كان قد وقف أو مرَّ بالمزدلفة ليلاً استناداً إلى هذه الصحيحة ، نعم تقدم عندنا أن الأحوط وجوباً لمن مرَّ أن يكون قد ذكر الله عز وجل لما دلَّ على اعتبار ذلك.
 المورد الثاني:- ما إذا التفت قبيل الزوال من اليوم العاشر فإنه يكفيه أيضاً الذهاب قبل الزوال ويقف قليلاً ويصح بذلك حجّة ، ولكن لا يلزم اجتماع كلا الأمرين - يعني الوقوف ليلاً والذهاب قبل الزوال لو أمكن ذلك - بل من وقف ليلاً قليلاً وأفاض كفاه ذلك ولا حاجة إلى الذهاب قبل الزوال تمسكاً بهذه الصحيحة فإنها دلت على أنه لو وقف قليلاً كفى ولم تأمر بالذهاب قبيل الزوال خلافاً للسيد الماتن(قده) فإنه ذكر في عبارة المتن أنه لو أمكنه أن يذهب قبل الزوال فيلزمه الذهاب رغم أنه قد وقف ليلاً إذ لا يكفيه ذلك ما دام يمكنه الذهاب قبل الزوال ، نعم من لم يمكنه الذهاب قبل الزوال حكم له بالإجزاء ، وأما نحن فنقول:- إنه بمقتضى إطلاق هذه الصحيحة لا حاجة إلى ذلك مادام قد وقف في الليل قليلاً.


[1] وسائل الشيعة ج14، ص47، ب 25، من أبواب الوقوف بالمشعر، ح6، ط آل‌البيت.
[2] وسائل الشيعة، ج14، ص48، ب26 من ابواب الوقوف بالمشعر، ح1، ط آل‌البيت.