36/08/06


تحمیل
الموضوع: الصوم , المفطرات, فصل المفطرات المذكورة كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة..... مسألة 1)
يذكر السيد الخوئي (قد) أن روايات الطائفة الثالثة (ما يوجب الاطعام فقط أو العتق فقط أو الصيام فقط ) لابد من رفع اليد عن ظاهرها, سواء قلنا بالتخيير أو قلنا بالترتيب حيث قال (قد)(الثانية : ما اقتصر فيه على التصدق كموثقة سماعة عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال عليه السلام : عليه اطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين ولا يخفى لزوم رفع اليد عن ظاهر الموثقة - وما بمضمونها - على كل تقدير، أي سواء بنينا على التخيير كما عليه المشهور، أم قلنا بالترتيب غاية الأمر أنه على الأول يرفع اليد عن الظهور في التعيين ويحمل على التخيير وتكون النتيجة التقييد ب‌ ( أو ) جمعا بينها وبين النصوص المتقدمة، وعلى الثاني يتقيد بصورة العجز عن العتق والصيام، إذ لم ينقل القول بظاهرها من تعين الاطعام من أحد، فهو خلاف الاجماع المركب.
الثالثة : ما دل على وجوب العتق تعيينا، دلت عليه رواية المشرقي عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة ؟ فكتب من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة، ويصوم يوما بدل يوم. وهذه الرواية موافقة للقول بمراعاة الترتيب، ولكنها مخالفة للقول المشهور، فلا بد من تقييدها بالعدلين الآخرين مع العطف ب‌ ( أو ) فهي معارضة لأخبار التخيير .....)[1]
أما بالنسبة إلى رواية المروزي التي ظاهرها تعيين الصوم فأنها غير تامة سنداً عندنا.
أما بالنسبة إلى روايات الترتيب فأنها تحمل على محامل اخرى كالتقية بأعتبار أن الترتيب موافق لمعظم العامة أو تحمل على الاستحباب , أي يستحب له اولا ً تقديم العتق وان كان يجوز له الصيام وهكذا يستحب له بالمرتبة الثانية تقديم الاطعام على الصيام.
وبالنتيجة ننتهي إلى القول بالتخيير وفاقاً للمشهور وللروايات الدالة على ذلك, والنتيجة هي لابد من التصرف ورفع اليد عن ظاهر الطائفة الثانية والطائفة الثالثة لصالح الطائفة الاولى الدالة على التخيير لأن رواياتها صحيحة سنداً وتامة دلالة وان المشهور ذهب إلى الحكم بالتخيير.
هذا وجه في مقام الجمع.
والوجه الثاني أن يقال أن الطائفة الثالثة فيها تعارض وتنافٍ لابد من حله فأن احدى الروايات تقول بوجوب العتق تعيناً والاخرى تقول بوجوب الاطعام تعيناً والثالثة تقول بوجوب الصوم تعيناً.
ويمكن حل التعارض برفع اليد عن ظهور هذه الروايات في التعيين, لأنه ناشئ من دلالتها على التعيين لا من دلالتها على الوجوب فأن وجوب العتق لا ينافي وجوب الاطعام مثلاً , فإذا رفعنا اليد عن التعيين يثبت بأن العتق واجب والاطعام واجب والصوم واجب لا على نحو التعيين بل على نحو التخيير وبذلك تكون اخبار الطائفة الثالثة موافقة لأخبار الطائفة الاولى (التخيير).
مضافاً إلى ذلك فأن التخريج الفني _صناعة الجمع بين الادلة_ يقتضي ذلك ايضاً, فأن كل رواية فيها ظهور في الوجوب وظهور في التعيين, والظهور في التعيين ظهور اطلاقي ينشأ من الاطلاق فمثلاً موثقة سماعة عندما تدل على تعين الاطعام فأنها تدل عليه بالإطلاق فعندما تقول يطعم ستين مسكيناً, فأن مقتضى اطلاقها هو وجوب اطعام ستين مسكيناً سواء اعتق أو لم يعتق, وهو معنى التعيين, وينافي هذا الظهور (الاطلاقي) ظهور الرواية الاخرى في الوجوب, لأن هذه الرواية تقول يجب عليك الاطعام سواء اعتقت أم لم تعتق, وتلك الرواية تقول أن ما يجب عليك هو العتق ومقتضاه انك اذا اتيت به يسقط وجوب الاطعام, وهكذا العكس أي يكون المنافي للظهور الاطلاقي في الرواية الثانية هو ظهور الرواية الاولى في الوجوب.
وهذا التعارض بين ظهور هذا الدليل وظهور الدليل الاخر في الوجوب الذي هو ليس اطلاقياً وإنما هو ظهور وضعي _ على المبنى المعروف_ وحينئذ يتقدم الظهور الوضعي على الظهور الاطلاقي, وهذا يعني رفع اليد عن الظهور الاطلاقي في كل من الدليلين, وهذا يعني رفع اليد عن التعيين في كل منهما فتكون الرواية الاولى مثلاً لا تدل الا على وجوب الاطعام والاخرى لا تدل الا على وجوب العتق وهكذا الثالثة فأنها لا تدل الا على وجوب الصوم, فإذا كان كل منهما يدل على الوجوب بلا تعيين فأن هذا هو معنى التخيير.
وهذا الوجه مقبول وصناعي مضافاً إلى كونه الظاهر عرفاً في امثال هذا المقام, فأن كثيراً من الموارد التي يُسأل الشارع فيها عن واقعة فيجيب عنها بجواب ويُسأل عن نفس الواقعة ثانية فيجيب بجواب آخر وهكذا ثالثاً , والذي يفهم عرفاً من ذلك هو أن الشارع في مقام بيان احد اطراف التخيير, ويفهم من المجموع أن المكلف مخير بين هذه الامور الثلاثة.
هذا بالنسبة إلى الطائفة الثالثة واذا تم حل التنافي بينها وانتهينا إلى نتيجة موافقة للطائفة الاولى الدالة على التخيير نأتي حينئذ لروايات الطائفة الثانية الدالة على الترتيب لحل التعارض بينها وبين روايات الطائفة الاولى, وهذا الكلام مبني على تمامية بعضها سنداً ودلالة, والحال أن رواية عبد المؤمن تامة سنداً لا دلالة, ورواية علي بن جعفر تامة دلالة غير تامة سنداً, أما رواية عبد المؤمن فأنها غير تامة دلالة لأنها تقول(...فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعتق رقبة، قال : لا أجد، قال فصمشهرين متتابعين، قال : لا اطيق، قال، تصدق على ستين مسكينا..) وهذا الكلام لا يستفاد منه الترتيب في الحكم وإنما الذي فيها هو الترتيب في الذكر وهو اعم من وجود ترتيب بين الامور الثلاثة بلحاظ الحكم الشرعي لأنه حتى لو لم يكن هناك ترتيب وكان الواقع هو التخيير فأن هذا الجواب يصح , وهذا بخلاف رواية علي بن جعفر التي يستفاد منها الترتيب حيث ورد فيها(عليه القضاء وعتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا) وهذا كما في كفارة الظهار في نص الآية الشريفة.
وبناءً على ما هو الصحيح فأن هذه الطائفة تخرج عن الاعتبار ولا تلاحظ في مقام التعارض لعدم تمامية دليلٍ فيها سنداً ودلالةً, وحينئذ ننتهي إلى التخيير الذي قال به المشهور, نعم اذا فرضنا _كما فرضوا_ أن فيها ما هو تام سنداً ودلالة خصوصاً رواية علي بن جعفر حيث أن دلالتها واضحة ولا يمكن المناقشة فيها, فإذا تمت سنداً كما عليه السيد الخوئي (قد) وبعض تلامذته فحينئذ ينبغي أن نحسب حساباً لهذه الطائفة عند الجمع بين هذه الروايات, وبناءً على ذلك فهناك اقتراحان للجمع :
الاول: حملها على التقية لأنها موافقة لمذهب معظم العامة كالثوري والاوزاعي والشافعي وابي حنيفة, ورووا (العامة) ذلك ايضاً عن النبي صلى الله عليه واله.
الثاني: حملها على الاستحباب أي يستحب تقديم العتق مثلاً على الاطعام والصوم وهكذا, ومنشأ هذا الحمل هو أن التصرف في هذه الرواية بهذا الحمل اهون من التصرف في روايات التخيير بحمل (أو) فيها على معنى آخر غير التخيير , كما قالوا بحملها على انها للتنويع مثلاً أي أن هذه الروايات التي تقول اعتق أو اطعم أو صم, فأن اعتق ثابتة لنوع من المكلفين وهو الذي يتمكن من العتق وكذلك (صم) ثابتة لنوع آخر وهو الذي لا يتمكن من العتق , وكذلك اطعم مثلاً فأنه ثابت لنوع ثالث وهو من لا يتمكن العتق ولا الصوم.
فقالوا بأن الحمل على الاستحباب اهون من حمل (أو) على التنويع لأنه غير مستساغ فأن (أو) تكاد تكون نصاً في التخيير فحملها على التنويع خلاف الظاهر ولذا يصار إلى التصرف بهذه الرواية بحملها على الاستحباب ويلتزم حينئذ بالتخيير وهو المطابق لقول المشهور, وهذا هو الصحيح.