39/02/23


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- حكم مجهول المالك - مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

وفي تحقيق الحال نقول:- أما من حيث السند الرواية فهي بكلا النقلين معتبرة ولا مشكلة فيها ، ففي نقل الشيخ الطوسي هكذا ورد:- بإسناده عن الصفّار ، وطريقه إلى الصفّار صحيح ، ونفس الصفار وهو محمد بن الحسن صاحب بصائر الدرجات من أجلة أصحابنا ، عن محمد بن عيسى بن عبيد أي اليقطيني وهو ثقة ، عن يونس بن عبد الرحمن وهو مولى آل يقطين وهو من أجلة اصحابنا فإذاً الطريق معتبر ، أما طريق الكليني فهو هكذا:- علي بن أبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد لرحمن وهذا الطريق معتبر أيضاً نفس الكلام ينبغي أن يكون في الدلالة.

وقد يشكل على الدلالة باعتبار أنه لم يتثبت ورود الأمر بالتصدق ولعل الواد هو الأمر بالتقسيم على جماعته من أهل الولاية فلا يمكن التمسّك بهذه الرواية لإثبات أنَّ حكم مجهول المالك هو التصدّق ، وهذا إشكال وجيه.

ولكن يمكن أن تقرب الدلالة على المطلوب بالوجه التالي وحاصه:- إنه إما أن نفترض أنَّ هذين النقلين هما روايتان باعتبار بعض الفوارق الموجودة بينهما - ولو قلت إنَّ هذا قريب أو ليس بقريب فهذا ليس بمهم - أو نفترض أنهما واحدة فإن الأمر لا يخلو من ذلك - ولا أريد أن أقول ما هو الأرجح الآن لأنه الا، ليس لي مهما وحدة النقل أو تعدده لأنَّ مرامي أحصله على كلا التقديرين عليه فلا أتعب نفسي في أنهما واحدة أو متعددة - ، فعلى تقدير أنهما متعدّدة فالمورد يصير من باب المطلق والمقيّد ، فالرواية التي قالت ( قسّمه بين أصحابك ) - يعني نقل الشيخ الكليني - مطلقة فإن التوزيع قد يكون بنحو التصدق وقد يكون بغيره ، بينما نقل التذهيب أضيق حيث أمر بأن يكون التقسيم بنحو التصدّق حيث قال ( تصدّق به على أصحابك ) فتصير رواية الشيخ الطوسي الآمرة بالتصدّق بمثابة المقيّد فتقيد نقل الشيخ الكليني الذي هو مطلق.

وأما إذا كانا رواية واحدة فيمكن أن يقال:- إنَّ الانسان قد يتساهل ويعبّر التقسيم والاعطاء بدلاً عن التصدّق ، يعني الصادر من الامام هو الأمر بالتصدّق ويمكن أن يتساهل الراوي ويعبّر بالإعطاء أما العكس فهو ضعيف - يعني الصادر من الامام كان هو ( أعطه إلى أصحابك ) ولكن الراوي يعبّر بالتصدق - إنَّ هذا بعيد وأنت راجع قرارة نفس.

فعلى هذا الأساس بعد فرض وحدة الرواية نقول إنَّ احتمال تسامح الروي بأنَّ صدر من الامام التعبير بالإعطاء والتوزيع ولكن الراوي تسامح عبر بالتصدّق إنَّ هذا احتمال ضعيف والأرجح العكس يعني أنَّ الصادر واقعاً هو التصدّق ولكن تسامح الراوي وعبّر بالاعطاء إنَّ هذا تسامح مقبول وعرفي ووجيه.

والنتيجة هي إنه:- إن بنينا على أنَّ المورد من قبيل الروايتين فيصير مصداقاً لباب الاطلاق والتقييد تصير النتيجة في صالح وجوب التصدّق ، وإذا فرضناهما رواية واحدة فإذن الصادر من الامام واحد لكن حصل تسامح من الراوي وقد قلنا إنَّ الاحتمال الراجح هو أنَّ الصادر هو الأمر بالتصدّق ولكن تسامح الراوي وعبّر بالاعطاء أما أنَّ الامام يعبّر بالاعطاء والراوي تساهل وعبر بالتصدّق فإنَّ هذا التسامح مرفوض بخلاف ذاك فإنه تسامحٌ مقبول فيثبت بذلك المطلوب؟

إن قلت:- هذا شيء وجيه بيد أنه ما هو المثبت للحجية ، يعني مجرد الرجحان هل يصلح أن يكون دليلاً ؟ ، فصحيح الأرجح أن يكون الصادر من الامام الأمر بالتصدّق وتسامح الراوي وعبّر بالاعطاء ولكن هذا رجحان والرجحان ليس دليلاً علمياً فيكف نرفع هذا الرجحان إلى مستوى الحجية وهذه قضية ينبغي التأكيد عليها ؟

قلت:- إما أن نفترض أنَّ هذا الرجحان يبلغ درجة الاطمئنان فإذا فرضنا هكذا وهو ليس ببعيد ، فقد يقول البعض صحيح أنه يطمأن بأنَّ الراوي إذا كان الصادر من الامام الاعطاء فالراوي لا يتسامح ويعبّر بالتصدق فإذا بلغ هذا الرجحان مرحلة الاطمئنان فالقضية محلولة حينئذٍ ويكن مدرك الحجية هو الاطمئنان ، وإذا فرضنا أنه لم يرتقٍ إلى درجة الاطمئنان.

على أنه ربما يقال في الاطمئنان ما يقال في القطع ، فإنه في القطع نأخذ به من أيّ منشأ ولو من طيران الطير في الهواء لأنه صار عندنا قطع فربما يقال في الاطمئنان ذلك ، فإذا ارتقى إلى مستوى الاطمئنان فحينئذٍ تكون الحجية عائدة إلى الاطمئنان ، وإما إذا فرض أنه لم يرتقِ إلى درجة الاطمئنان فيمكن التشبث بدعوى السيرة العقلائية فيقال إنه في مثل هذه الموارد التي يدور فيها أمر الرواية بين احتمالين وأحد الاحتمالين له مرجح عقلائي مقبول فسيرة العقلاء قد جرت على الأخذ بالاحتمال الذي يراه العقلاء راجحاً ومادام العقلاء قد جرت سيرتهم على الأخذ بهذا الاحتمال الراجح لأنه لا ردع عنها فتثبت الحجية ، وهذه قضية فنية ينبغي الالتفات إليها.

إذاً إلى الآن يمكن التمسّك بالرواية لإثبات وجوب التصدّق.

إن قلت:- إنَّ الامام عليه السلام قد أمر بالتصدق لعلَّه من باب أنه وارث من لا وارث له ، يعني ذلك الرفيق الذي ذهب إلى بلده حيث انقطع خبره فالوارث له يكون حينئذٍ هو الامام عليه السلام فيحتمل أن يكون حكم الامام بالتصدق من هذا الباب أي من باب أنَّ هذا هو مال الامام وقد أمر عليه السلام بالتصدق به ، ومعه فلا يثبت التعميم.

قلت:- إنه على كلا التقديرين يثبت المطلوب ، فإذا فرض أنَّ ذلك هو حكم مجهول لمالك في حد نفسه فالأمر واضح ، وإذا فرض أنه هذا راجع للإمام والامام يريد التصدّق به فحينئذٍ يحكم على أنَّ الحكم الشرعي هو التصدق به فإنه مال الامام والحكم الشرعي من أموال الامام من هذا القبيل - يعني الأموال الضائعة - هو التصدق ، فإذن على كلا التقديرين يثبت أنَّ الحكم هو التصدق ، فإذن هذا الاحتمال لا يضرّنا.

إن قلت:- يمكن أيقال هو يضرّنا باعتبار احتمال أن يكون هذا حكماً شخصياً راجعاً إلى الامام عليه السلام وهو تصرف شخصي منه عليه السلام وليس حكماً شرعياً سارياً على جميع الأئمة عليهم السلام وإنما الامام الرضا عليه السلام باعتبار أنه هو الوارث لهذا المال فأراد أن يتصدّق به ولكن من حيث شخصه لا أنه حكم شرعي عام يسري على جميع الأئمة.

قلت:- إنَّ ظاهر حال الامام عليه السلام بما هو إمام حين بيان الأحكام وحين الجواب على الأسئلة التي توجّه إليه أنه يبيّن الأحكام العامة لا الشخصية المرتبطة به والحمل على بيان الحكم الشخصي والقضية الشخصية يحتاج إلى قرينة خاصّة ، وحيث لا قرينة في المقام فلا يمكن المصير إلى هذا الاحتمال ، بل يتعيّن الأخذ بالظهور الذي أشرنا إليه ، أجل لو كان هناك ما تحتمل قرينيته قبلنا بهذا ، كما هو الحال في وراية نصر بن حبيب صاحب الخان حيث جاء فيها أني صاحب فندق ويأتي الناس فيبيتون عندي فجاءني شخص ومات في الفندق وترك مالاً فماذا أصنع به فأمره الامام عليه السلام بالتصدّق بها قليلاً قليلاً إلى أن ينتهي بأجمعه ، ونصّ الرواية:- ( كتبت إلى عبد صالح عليه السلام: لقد وقعت عندي مائتا درهم - وأربعة دراهم - وأنا صاحب فندق ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة فرأيك في اعلامي حالها وما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعاً، فكتب: اعمل فيها وأخرجها صدقة قليلاً قليلاً حتى تخرج )[1] ، وهل المقصود من ( اعمل فيها ) أنه يستخدمها في عمله لكنه يخرجها قليلاً قليلاً حتى تنتهي.

إنَّ مثل هذه الرواية كما سوف يأتي يمكن أن تحمل على الحكم الشخصي الخاص بالإمام لأنه قد فرض فيها أنَّ الشخص قد مات ولا وارث له فيأتي هنا احتمال أنَّ الوارث هو الامام والامام قاله له أني أجيز لك أن تعمل فيها ثم تخرجها شيئاً فشيئاً ، وهذا بخلافه في روايتنا في محل كلامنا فإنه لم يفترض فيها الموت فحينئذٍ يعمل بالظهور الحالي فيها وهو أنَّ الامام عليه السلام يبيّن الأحكام العامة وليس الأحكام الشخصية الراجعة له.