36/04/10


تحمیل
الموضوع:الصوم , المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة,مسألة 59 : (الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة( .

وهل ان المستفاد من ادلة المقام هو ان موضوع هذه الاحكام الجنابة الواقعية او الجنابة المعلومة ؟
فعلى الاول تترتب هذه الاحكام بلا اشكال لأحراز موضوعها سواء كان ذلك بالعلم او بالأمارة او بالاستصحاب وعلى الثاني قد تقف المسألة لعدم احراز الموضوع وجدانا وعدم احرازه تعبدا .
قد يستدل على ان موضوع الاحكام في المقام هو الجنابة المعلومة بأمور :-
الامر الاول : ان المستفاد من نصوص الباب هو ان الجنابة بوجودها الواقعي لا تضر بالصوم , وانما الذي يضر به الجنابة المعلومة , وحينئذ يكون موضوع الاحكام _ بطلان الصوم , وجوب القضاء, وجوب الكفارة _ هو الجنابة المعلومة ؛ اما الجنابة الواقعية من دون العلم بها فأنها لا تضر .
الامر الثاني: الاستدلال بقضية ان من اصبح جنبا جاهلا بالجنابة يحكم بصحة صومه بلا اشكال , وهذا يكشف عن دخل العلم في الحكم ببطلان الصوم , وعليه يكون موضوع الحكم هو الجنابة المعلومة لا الواقعية.
الامر الثالث : ما ورد في موثقة سماعة بن مهران( قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى أدركه الفجر ؟ فقال ( عليه السلام ) : عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر، فقلت : إذا كان ذلكمن الرجل وهو يقضي رمضان ؟ قال : فليأكل يومه ذلك وليقض فانه لا يشبه رمضان شيء من الشهور )[1]
من قول (فنام وقد علم بها) , حيث ان فيه قيد العلم , وهذا يعني ان موضوع حكم القضاء ليس هو الجنابة الواقعية وانما هو الجنابة التي علم بها المكلف .

ويمكن المناقشة في هذه الوجوه المذكورة
اما بالنسبة للإمر الاول فهو اشبه بالمصادرة , فأن دعوى استفادة ذلك ( أي ان الجنابة بوجودها الواقعي لا تضر , وان موضوع هذه الاحكام هو الجنابة المعلومة ) من النصوص هو اول الكلام ؛ فالذي يقول بأن موضوع هذه الاحكام هو الجنابة الواقعية يقول بأن الجنابة بوجودها الواقعي تكون مضرة بالصوم وهذا هو المستفاد من الادلة .
واما الامر الثاني فقد اجاب عنه السيد الخوئي (قد) (وليس الحكم بعدم البطلان فيمن أصبح جنبا جاهلا كاشفا عن دخل العلم في الموضوع وإنما هو من أجل أن الجنابة الواقعية إنما تكون مفطرة مع العمد، ولا عمد مع الجهل)[2]
و الظاهر ان ما ذكره السيد الخوئي تام , بأعتبار ان العمد قد لا يتحقق مع العلم , فهو وان كان في الحالة الغالبة يكون تحققه مع العلم لكنه في بعض الحالات يتحقق من دون العلم كما في حالات عدم الاختيار والقهر, فأن العلم بالجنابة موجود لكن من دون عمد ؛ وقد تقدم مثال العلم من دون العمد فيما لو زلق في الماء وارتمس قهرا فهو عالم وكان بتمام وعيه, لكنه مع ذلك لا يقال بأن هذا تعمد الافطار ولذا يحكم بصحة صومه , او حالات عدم الاختيار مطلقا فهو وان كان يعلم بالمفطر لكن العمد لا يتحقق؛ فأنه مع الجهل بالمفطر لا يتحقق العمد ولذا يحكم بصحة صومه لأن الجنابة الواقعية انما توجب الافطار مع العمد ولا عمد مع الجهل , لكن هذا لا يعني اخذ العلم في موضوع المفطرية لأن العلم قد يجتمع من العمد كما هي الحالة الغالبة, وقد لا يجتمع كما في حالات سلب الاختيار , ومن هنا لا يصح ان نقول بأن مجرد الحكم بصحة صوم الجاهل بالجنابة لابد ان يكون العلم مأخوذا في الموضوع , وانما نقول لابد من ان يكون العمد مأخوذا وهو لا يستلزم اخذ العلم فيه .
واما الدليل الثالث فهو ليس صريحا في اخذ العلم في موضوع المفطرية وبقية الاحكام , بل يحتمل ان يكون العلم مجرد طريقٍ ومحرزٍ لما هو موضوع وجوب القضاء وهو الجنابة الواقعية , وانما ذُكر في الرواية لنفي احتمال انه نام وهو شاك في الجنابة .
ومن هنا يصح ان نقول بأن الظهور الاولي لدليل المفطرية هو ترتبها على ذات المفطر (الجنابة الواقعية) , واثبات ان هذه المفطرية وسائر الاحكام تترتب على الجنابة اذا كانت معلومة على نحو يكون العلم قيدا في موضوع هذه الاحكام يحتاج الى دليل , وهذه الادلة لا تساعد على ذلك , ومن هنا يظهر ان موضوع هذه الاحكام هو الجنابة الواقعية وان العلم دوره دور الكاشف والمحرز فقط , وحينئذ يقوم الاستصحاب مقامه لأنه من باب قيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي و لا اشكال في ذلك .

قال الماتن

مسألة 60 : (ألحق بعضهم الحائض والنفساء بالجنب في حكم النومات والأقوى عدم الالحاق وكون المناط فيهما صدق التواني في الاغتسال فمعه يبطل وإن كان في النوم الأول ومع عدمه لا يبطل وإن كان في النوم الثاني أو الثالث (.[3]
و الظاهر ان ما ذكره السيد الماتن من عدم الالحاق هو الاصح وان كان يظهر من الشيخ صاحب الجواهر الالحاق كما في نجاة العباد, وذكر الشيخ الانصاري في رسالته في الصوم ان الالحاق لا يخلو من قوة .

وقد ذكر السيد الحكيم في المستمسك وجه الالحاق , (ووجهه : أن حكم النومة الأولى في الجنب موافق للأصل، فيطرد فيهما . والنصوص في النومتين وإن كانت واردة في الجنب، لكن يتعدى إليهما بالأولوية . وفيه : ما عرفت في المسألة الخمسين : من عدم ثبوت الأولوية .)[4]
وقد تقدم عن صاحب الجواهر فيها انه اشار الى الاولوية والظاهر انه يؤمن بها ؛ وحاصل الاولوية هو انه لم يرد في النفساء والحائض ما ورد الجنب مما يوهم ان الشرط هو تعمد البقاء على الجنابة , وهذا يعني ان الحائض اشد حالا من الجنب ,لأنه لا يكون حكمه البطلان الا اذا تعمد البقاء , بينما الحائض والنفساء لم يرد فيهما هذا القيد وهذا يعني ان الحيض والنفاس يوجب البطلان مطلقا سواء كان بتعمد او بدون تعمد , وهذا يوجب الاولوية والاشدية .
ومن جهة اخرى ذكروا ان الاشدية تنشأ من ان حدوث ا لحيض والنفاس يوجب البطلان في أي ساعة من ساعات الصوم بينما الجنابة ليس هكذا , فأنها لو حدثت بالاحتلام في نهار الصوم فأنها لا توجب البطلان .
لكن يمكن ان يقال بأن الظاهر ان الامر بقطع النظر عن الرواية التي اُستدل بها على البطلان في الحائض والنفساء وهي موثقة أبي بصير، (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم)[5]
وقد تقدم الكلام في سندها وانها معتبرة سندا وانما سميت موثقة بأعتبار ان فيها علي بن الحسن بن فضال وهو فطحي ولولاه لكانت الرواية صحيحة .
والواضح من هذه الرواية ان وجوب القضاء على الحائض منوط بصدق التواني في الاغتسال , ولابد من العمل بهذه الرواية لتمامية سندها ودلالتها ؛ ومن هنا يصح ما ذكره السيد الماتن من ان المناط في الحائض هو صدق التواني , فأن صَدَقَ فأن القضاء يجب عليها حتى في النوم الاول وان لم يصدق فلا يجب القضاء حتى في النوم الثالث فضلا عن النوم الثاني والاول .
اما الاولوية فهي غير تامة وقد تقدمت مناقشتها , وحينئذ يحب العمل بالموثقة وهي مقدمة على الاصل حتى في النومة الاولى, فأنه يجب القضاء عليها اذا صدق التواني .
وقد اشرنا سابقا بأن الرواية واردة في الحائض, والتعدي الى النفساء يحتاج الى الجزم بعدم الفرق بينهما, وقلنا بأن هذا هو ظاهر كلام الفقهاء وانهما لهما حكم واحد من هذه الجهة.

قال الماتن

مسألة 61 : (إذا شك في عدد النومات بنى على الأقل)[6]
وهذا هو الصحيح لأصالة عدم الزائد على المتيقن وهو النومة التي استمرت به الى الصباح , وبذلك ينفى وجوب القضاء_ على فرض انه لا يعلم بغير هذه النومة التي استمر بها الى الصباح_ لأن المفروض ان وجوب القضاء في الادلة مترتب على وجود نومة قبل هذه النومة التي استمرت معه الى الصباح .

قال الماتن

مسألة 62 : )إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه أيام وشك في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقن وإن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ (.[7]

وقد ذكرنا سابقا ان من نسي غُسل الجنابة ومضت عليه ايام فأنه يجب عليه قضاء تلك الايام , اما في المقام فأن المفروض انه شك في عددها وحكم الماتن بجواز الاقتصار على القدر المتيقن واحتاط احتياطا استحبابيا لتحصيل اليقين بالفراغ , ومدرك هذا الحكم هو اصالة الصحة التي تجري في الصوم الزائد على ما يتيقن وقوعه مع الجنابة , فهو يتيقن بأن خمسة ايام مثلا وقعت مع الجنابة فما زاد عليه لا يقين بأنها وقعت مع الجنابة, فيجري فيها اصالة الصحة , لأن الزائد صامه وفرغ منه وشك في صحته وعدمها , وهو من قبيل الشك في صحة العمل بعد الفراغ منه, فتجري فيه اصالة الصحة .


[2]كتاب الصوم, السيد الخوئي,. ج1, ص219
[4] مستمسك العروة, السيد الحكيم, ج8,. ص302