36/02/03


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة لا عن عمد.
قال الماتن
(و أمّا لو وسع التيمّم خاصّة فتيمّم صحّ صومه و إن كان عاصياً في الإجناب‌)[1]
هذا الفرع محل كلام وقد اُستدل عليه بالدليل المعروف وهو ان الصحة هي مقتضى بدلية الطهارة الترابية عن الطهارة المائية ؛ مع افتراض شمول ادلة البدلية لمحل الكلام , ومن هنا يقع الكلام في امرين .
الاول :لابد من اثبات بدلية التراب عن الماء في الصوم كما هو في الصلاة .
الثاني: اثبات ان بدلية التراب عن الماء تشمل محل الكلام ( العجز الاختياري) ولا تختص بالعجز الطبيعي عن الماء (كمن لا يجد الماء او لا يتمكن من استعماله)
اما الكلام في المقام الاول : فقد يكون المركوز في الاذهان هو ان التيمم بدل عن الطهارة المائية ويصح من المتيمم الصوم, بل قالوا انه اذا ترك التيمم مع عجزه عن الماء يبطل صومه ويكون حكمه حكم متعمد البقاء على الجنابة, وما ذلك الا لكون التيمم بدلا عن الطهارة المائية فيكون واجبا.
لكن الظاهر ان المسألة خلافية وليست بذاك الوضوح, وان كان المعروف هو ذلك لكن الذي يظهر من العلامة في المنتهى ومن صاحب المدارك وغيرهما الاشكالُ في ذلك وذهابهما الى ان التيمم ليس بدلا عن الغسل في الصوم ولذا صرحوا في كلماتهم ان العاجز عن الطهارة المائية في الصوم لا يجب عليه الطهارة الترابية ويصح منه الصوم لأن المأمور به هو الغسل وقد عجز عنه .
اذن المسألة ليست محل اجماع, ومن هنا يقع الكلام في هذا المقام ويُستدل عادة للبدلية في هذا المقام بعموم ادلة بدلية ( التراب) التيمم للطهارة المائية ومنها :-
الآية الكريمة (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً)[2] فظاهرها ان كل ما يعتبر فيه الماء ( الطهارة المائية ) عند تعذره وعدم وجدانه يكفي التيمم بدلا عنه.
ومنها كثير من الروايات ( ان رب ا لماء رب الصعيد )[3] و ( يكفيك الصعيد عشر سنين)[4] و( هو بمنزلة الماء)[5][6] و( ان الله جعل التراب طهور كما جعل الماء طهورا)[7] وهكذا في السِنة مختلفة كلها تشير الى ان الطهارة المائية حيث تكون معتبرة في شيء وتعذرت فأن الطهارة الترابية تقوم مقامها وهذا بأطلاقه يشمل الصوم , فكما ان الصلاة والطواف مشروطة بالطهارة المائية وعند تعذرها يُنتقل الى البدل بمقتضى هذه الادلة , كذلك الصوم مشروط بالطهارة المائية فإذا تعذر يُنتقل الى البدل وهو التيمم فيكون التيمم مشروعا , ويكون بدلا وتثبت مشروعيته بل يكون واجبا ولا يجوز للمكلف ان يدخل في الصوم من غير تيمم عند العجز عن الغسل ولو دخل من غير تيمم يعتبر عامد البقاء على الجنابة .

وقد اُثيرت عدة ملاحظات على هذا الدليل وقد اُستشكل عليها كلا او بعضا في الانتهاء الى نفس النتيجة التي انتهى اليها اصحاب الدليل .
الملاحظة الاولى : ان الذي يظهر من نصوص الباب (باب الصوم ) ان الغسل شرط في صحة الصوم ولا يظهر منها ان الطهارة شرط في صحته , وادلة التيمم ظاهرها قيام التيمم مقام الغسل في ترتيب اثار الطاهرة , لكن ليست فيها دلالة على ان التيمم يقوم مقام الغسل ؛ أي ليس هناك دليل يدل على تنزيل التيمم منزلة الغسل , لكي يكون بدلا عنه في المقام الذي يشترط فيه الغسل .
وجواب هذه الملاحظة واضح وهو ان الادلة وان فرضنا ان تدل على اعتبار الغسل لكن ذلك بأعتبار انه يحقق الطهارة, ففي الحقيقة ان المعتبر في الصوم هو الطهارة, والغسل طريق ووسيلة لتحقيق ذلك وهكذا الوضوء ؛ فالمفهوم عرفا _ من ادلة اعتبار الغسل واعتبار الوضوء_ انهما غير معتبرين لذاتيهما, وانما هما معتبران لكونهما يحققان الطهارة ؛ وحينئذ لا اشكال في ان التيمم يقوم مقامهما.
الملاحظة الثانية : هي ان المعروف بين الفقهاء _ ولعل المتأخرين انتهوا الى هذه النتيجة وفرغوا منها _ ان التيمم لا يرفع الحدث (الجنابة) بخلاف الغسل فأنه يرفع الجنابة حقيقة ؛ ولو كان التيمم رافعا للجنابة على حد رافعية الغسل لها فلا معنى للقول بأنتقاضه عند وجدان الماء ؛ فهذا الامر كاشف عن بقاء الحدث وعدم ارتفاعه بالتيمم ؛ نعم يعتبر التيمم طهارة تنزيلية تقوم مقام الطهارة الحقيقية وهذا هو مفاد الاخبار وحينئذ تقوم الطهارة الترابية في كل فعل تشترط فيه الطهارة المائية عند فقدانها .
وحينئذ يقال بأن المعتبر في باب الصلاة هو الطهارة فلا اشكال في قيام التيمم مقام الغسل المحقق للطهارة , لأن الشارع نزل التيمم منزلة الغسل بأدلة التنزيل في تحقيق الطهارة , وكذلك الكلام في باب الطواف .
واما في باب الصوم الذي هو محل كلامنا فالأدلة لم تدل على اشتراط الطهارة فيه وانما دلت على مانعية الجنابة ؛ ولذا وجب على المكلف ازالة هذا المانع قبل ان يدخل في الصوم لأنها تمنع من صحته ؛ وبناء على هذا الكلام لا يمكن اثبات بدلية التيمم عن الغسل لوضوح ان الغسل يرفع المانع (الجنابة) الذي يمنع من صحة الصوم , اما التيمم فالمفروض كما ذكرنا انه لا يرفع الجنابة( المانع) , وحينئذ كيف يقوم التيمم مقام الغسل ؟؟
وهذه الملاحظة تتوقف على دعوى امكان اجتماع الطهارة مع الجنابة, وبعبارة اخرى تتوقف على دعوى عدم وجود التضاد بينهما وحينئذ يمكن الحكم بالطهارة مع ثبوت الجنابة, أي حتى لو سلمنا بأن دليل التيمم يدل على افادته للطهارة _وان كانت طهارة تنزيلية_ لكن هذا الدليل لا يتكفل رفع الجنابة كما ذكر في نفس الملاحظة السابقة لأن المفروض انه لا تضاد بينه وبين الطهارة, وحينئذ يكون الدليل الذي يدل على الطهارة( التيمم) غير نافٍ للجنابة, وحيث ان ادلة الصوم تدل على مانعية الجنابة لا شرطية الطهارة يأتي الاشكال وتثبت الملاحظة.
واما لو قلنا بأن الجنابة والطهارة متضادان ولا يمكن اجتماعهما , فأن الملاحظة السابقة تنتفي حتى لو سلمنا _ اصولها الموضوعية_ بأن ادلة التيمم تدل على افادة التيمم للطهارة , لأنه لابد من القول عندئذ ان نفس دليل التيمم الذي يقتضي افادته للطهارة يكون نافيا للجنابة , لأننا اثبتنا التضاد فيما بينهما ؛ والدليل الدال على اثبات احد الضدين ينفي الاخر بالالتزام , فإذا دل الدليل على تحقق الطهارة بالتيمم فأنه يكون نافيا لما يضادها (وهو الجنابة) , وحينئذ حتى لو سلمنا بأن المعتبر في صحة الصوم هو مانعية الجنابة لا شرطية الطهارة نقول بأن التيمم يكفي, لأن دليل التيمم يقول بأن التيمم يحقق الطهارة واذا تحققت الطهارة تنتفي الجنابة فيكون دالا بالالتزام على رفع الجنابة (المانع من صحة الصوم ) وهذا معناه ان التيمم يكون بدلا عن الغسل .
وهناك امر اخر لابد من ذكره ,وهو انه قد يُقال ان ما ذكر لا يكفي لوحده لأثبات الصحة فمجرد اثبات التضاد بين الطهارة والجنابة وعدم امكان اجتماعهما لا يكفي لأثبات الصحة , بل لابد من اثبات شيء اخر وهو ان ادلة التيمم تدل على ترتب الطهارة عليه وافادته لها ( لكي يتم الكلام السابق من انه اذا افادت الطهارة وقلنا بالتضاد يكون التيمم رافعا للجنابة وموجبا لصحة الصوم ).
واما اذا قلنا _ على الرأي الاخر_ بأن التيمم مجرد مبيح , ولا يترتب عليه الا استباحة الافعال المشروطة بالطهارة كالصلاة والطواف, أي ان العمل المشروط بالطهارة تدل ادلة التيمم على اباحة الدخول فيه ؛ وحينئذ لا تتم البدلية , لأن المفروض في باب الصوم عدم أخذ الطهارة شرطا فيه وانما اُخذت الجنابة مانعا , فلا ينفعنا حينئذ دليل التيمم لأنه لا يثبت الطهارة لكي يقال بأنه يرفع الجنابة بالالتزام ولا لسانه لسان اباحة كل شيء ولو كان ليس مشروطا بالطهارة وانما كانت الجنابة مانعة فيه , وانما لسانه لسان ان الطهارة التنزيلية تبيح الدخول في ما هو مشروط بها .