36/02/02


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, الثامن , البقاء على الجنابة لا عن عمد.
ذكر السيد الحكيم (قد) مطلبا في تعليقته على العروة وفي المنهاج يظهر منه اشتراط التفات الصائم الى جنابته في النهار لكي يثبت البطلان , فإذا التفت الى جنابته في اثناء النهار فأنه يحكم ببطلان صومه , واما اذا التفت الى ذلك في الليل ولم يلتفت في النهار ففي الحكم ببطلان صومه اشكال.
والظاهر ان هذا المدّعى لا وجه له الا اذا فرضنا ان ادلة البطلان (صحيحتي عبدالله بن سنان) مختصتان بحالة الالتفات , فتكون حالة عدم الالتفات حينئذ لا دليل على البطلان فيها ولابد من الالتزام بعدم البطلان, وهذا يستدعى مراجعة الصحيحتين لمعرفة ان كان فيهما اختصاص في صورة الالتفات ام لا .
ولعل القرينة التي قد يعتمد عليها في دعوى الاختصاص هي قول الامام عليه السلام ( لا يصوم ذلك اليوم, لا تصم ) فالنهي عن صوم ذلك اليوم الذي اصبح فيه جنبا لا عن عمد يعني الالتفات الى ذلك ومعرفة انه جنب , اما الشخص الذي لم يلتفت الى ذلك حتى خرج النهار او مضت عليه ايام فلا معنى لمخاطبته ب(لا تصم) .
وهذه النكتة ( القرينة ) اذا تمت فحينئذ ما يقوله السيد الحكيم يكون تاما , لكن تمامية هذه النكتة ليس واضحا ولا اقل من التشكيك في هذا الاستظهار من هذه العبارة , وذلك لأنه من المحتمل ان يكون هذا النهي ارشادا لفساد الصوم (أي انه يريد القول ان هذا الذي صدر منك مانع من صحة الصوم) وليس الغرض النهي عن صوم ذلك اليوم , وحينئذ لا يختص الفساد بصورة الالتفات .

قال الماتن
(و إن كان الأحوط إلحاق مطلق الواجب غير المعيّن به في ذلك، و أمّا الواجب المعيّن رمضاناً كان أو غيره فلا يبطل بذلك)[1]

وهذا الاحتياط استحبابي ومنشأه احتمال التعدي_ كما تقدم_ من نصوص القضاء الى مطلق الواجب غير المعين على اساس النكتة السابقة (وهي ان كل من القضاء والواجب غير المعين له بدل في عرضه يمكن الانتقال اليه بدلا من الامتثال بالصوم الناقص)

قال الماتن
(كما لا يبطل مطلق الصوم واجباً كان أو مندوباً، معيّناً أو غيره بالاحتلام في النهار)
وهذا المطلب من الامور المتفق عليها والمدعى عليه الاجماع صريحا في كلماتهم وتدل عليه جملة من النصوص منها :-
الاولى: صحيحة عبدالله بن ميمون (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء، والاحتلام، والحجامة . . . الحديث)[2]
الثانية : موثقة ابن بكير ( في حديث )( قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان، يتم صومه كما هو ؟ فقال : لا بأس)[3]
الثالثة: صحيحة العيص بن القاسم( أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : لا بأس .)[4]
وفي هذه الصحيحة دلالة على عدم المانع من النوم بعد الاحتلام في شهر رمضان فهي ناظرة الى هذا المورد, ويفهم منها ان الاحتلام لا يكون مضرا .
وعلى كل حال فالروايات واضحة والمسألة من حيث الفتوى لا خلاف فيها , بل يكفي _ حتى على فرض عدم وجود هذه الروايات_ لأثبات عدم البطلان عدم الدليل على البطلان , فأن بطلان الصوم بالاحتلام هو الذي يحتاج الى دليل ؛ والا فأن اجراء البراءة او الالتزام بصحة الفعل يجري في المقام, بل يمكن ان يقال بأن كثرة الابتلاء بالاحتلام في الصوم وفي كل انواعه تستدعى وصول الحكم بالبطلان الينا ان كان موجودا , مع انه ليس في أي خبر من الاخبار الواصلة الينا ولا في اقوال العلماء ما يشير الى ذلك, بل الواصل الينا هو روايات تدل على عدم البطلان, وعليه فأن هذه النكات تجعل الانسان مطمئنا بأن الحكم هو عدم البطلان.
قال الماتن
(و لا فرق في بطلان الصوم بالإصباح جنباً عمداً بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام)

فلا فرق بين حالات الجنابة بلحاظ اسبابها فالمهم هو تعمد البقاء على الجنابة الى طلوع الفجر فيكون موجبا لبطلان الصوم , والدليل على ذلك اطلاق بعض النصوص من قبيل:-
صحيحة أبي بصير (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح، قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، قال : وقال : إنه حقيق إن لا أراه يدركه أبدا )[5]
فالعنوان الوارد فيها ( اجنب) ولا داعي لتخصيصه (بالجماع ) بل هي تشمل الجماع والاحتلام .
بل بعض الروايات صرحت بذلك من قبيل صحيحة الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) انه قال في رجل احتلم أول الليل، أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح، قال : يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه.)[6]
وهكذا في صحيحة ابن أبي نصر ـ (عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان، أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا ؟ قال : يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه )[7]
فالمراد بقوله اصابته جنابة في هذه الرواية هو الاحتلام بقرينة المقابلة مع اصاب من اهله
قال الماتن
(و لا بين أن يبقى كذلك متيقّظاً أو نائماً بعد العلم بالجنابة مع العزم على ترك الغسل‌)[8]
والقدر المتيقن في المقام هو ما لو كان متيقظا اما لو كان نائما فأنه يحكم ببطلان الصوم ايضا لكنه يقيده بما اذا كان عازما على ترك الغسل لكي يتحقق منه العمد ؛ وهذا الكلام يدل عليه اطلاق بعض النصوص من قبيل صحيحة ابي بصير المتقدمة حيث ورد فيها (في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح) فقوله عليه السلام (ترك الغسل ..) يصدق على من بقي يقظانا وعلى من نام متعمدا وقاصدا ترك الغسل , فالرواية مطلقة تشمل كل من الحالتين الاستيقاظ والنوم .
وكذلك رواية سليمان بن جعفر المروزي(عن الفقيه ( عليه السلام ) قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، ولا يدرك فضل يومه .)[9]
فهي مطلقة ايضا فقوله عليه السلام ( ولا يغتسل حتى يصبح ) يصدق على من نام كذلك او لم ينم .
بل بعض الروايات صرح بالنوم كما في صحيحة البزنطي المتقدمة(عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان، أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا ؟ قال : يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه) .
واما قوله ( الماتن) مع العزم على ترك الغسل فلعله واضح لأجل تحقق العمد في البقاء على الجنابة , لأنه لو كان عازما على الغسل ونام حتى اصبح فلا يتحقق العمد حينئذ .

قال الماتن
(و من البقاء على الجنابة عمداً: الإجناب قبل الفجر متعمّداً في زمانٍ لا يسع الغسل و لا التيمّم )
فأنه يكون عامدا للبقاء على الجنابة لأنه يكون مضطرا لذلك وهذا الاضطرار لا ينافي الاختيار لأنه بسوء اختياره , فالنتيجة كأنه يكون مختارا في البقاء على الجنابة حتى الصباح وان كان هو في الواقع مضطرا الى البقاء بعد ان اوقع نفسه في ذلك ؛ فيشمله الدليل ويكون موجبا لبطلان صومه ؛ وهذا من قبيل الامثلة المتعارفة كمن رمى بنفسه من شاهق فأنه وان كان بعد ذلك مضطرا لأن يسقط سقوطا مميتا له لكن هذا الاضطرار لا ينافي الاختيار, فيؤاخذ ويعاقب بالرغم من انه مضطر وذلك لأن هذا الاضطرار كان بسوء الاختيار فأن المقدمات المؤدية اليه كانت اختيارية , وحينئذ يعد نفس العمل اختياريا .
قال الماتن
(و أمّا لو وسع التيمّم خاصّة فتيمّم صحّ صومه و إن كان عاصياً في الإجناب‌)
هذا الفرع محل كلام وقد اُستدل عليه بالدليل المعروف وهو ان الصحة هي مقتضى بدلية الطهارة الترابية عن الطهارة المائية ؛ مع افتراض شمول ادلة البدلية لمحل الكلام .
فأولا :لابد من ان نثبت بدلية التراب عن الماء في الصوم كما هو في الصلاة .
وثانيا: اثبات ان بدلية التراب عن الماء تشمل محل الكلام ( العجز الاختياري) ولا تختص بالعجز الطبيعي عن الماء (كمن لا يجد الماء او لا يتمكن من استعماله)