35/12/02


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات,السابع , الارتماس , مسألة 41,40, 42
مسألة 40 :( إذا كان مكرها في الارتماس لم يصح صومه بخلاف ما إذا كان مقهورا)[1]
وسبب التفرقة بين الاكراه والقهر لعله واضح, بأعتبار ان الارتماس في صورة القهر تكون الارادة مسلوبة فيه , ولا اشكال في ان المفطرات انما تكون كذلك عند صدورها عن عمد واختيار , ولذا يصح الصوم في حالة القهر حيث انه يستلزم سلب الاختيار والارادة ؛ وهذا بخلاف الاكراه فأنه لا يستلزم سلب الاختيار والارادة, وانما يأتي المكرَه بالفعل باختياره وبإرادته , غاية الامر انه لا تطيب نفسه اليه ,وفرق بين عدم طيب النفس للفعل وكونه مسلوب الارادة وغير مختارٍ له؛ فالإكراه يحصل عندما يتوعد الصائم بأنه ان لم يرتمس سوف ينزل به ضررا بليغا فهو يرتمس دفعا لذلك الضرر, الا انه عندما يرتمس فأنه يرتمس اختبارا وعمدا , نعم هو لم يفعل حراما لأنه مكره على هذا الفعل لكن الاكراه لا يوجب سلب الاختيار وسلب الارادة .
 
مسألة 41 :( إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه وإن كان واجبا عليه)[1]
يكون الارتماس واجبا عليه لتوقف الواجب الاهم ( وهو انقاذ الغريق ) عليه لكن هذا لا يعني ان صومه لا يبطل , نعم توقف الواجب الاهم على الارتماس يرفع حرمته, بل يجعله واجبا في هذه الحالة , لكن الارتماس لما كان بأختياره وعن عمد فأنه تشمله الادلة الدالة على مفطرية الارتماس ؛ وهذا نظير الكلام في الصلاة عندما يدفع خطرا عظيما عن شخص , فأن الكلام حينئذ يكون جائزا بل قد يكون واجبا , لكن هذا لا يعني عدم بطلان الصلاة , وانما صلاته تكون باطلة لأنه تكلم بكلام اجنبي فيها .
 
مسألة 42 :( إذا كان جنبا وتوقف غسله على الارتماسانتقل إلى التيمم إذا كان الصوم واجبا معينا وإن كان مستحبا أو كان واجبا موسعا وجب عليه الغسل .)[1]
كما لو افترضنا ان الصائم لا يتمكن من الغسل الترتيبي وتوقف رفع جنابته على الغسل الارتماسي , فيقع الكلام في انه هل يجب عليه الغسل الارتماسي حتى وان استلزم بطلان الصوم ؟ او يجب عليه الصوم ويُمنع من الارتماس وتنتقل وظيفته الى التيمم ؟
الذي يستفاد من عبارة السيد الماتن هو التفصيل بينما اذا كان الصوم واجبا معينا فأنه يلتزم بوجوب الصوم وانتقال الوظيفة الى التيمم , واذا كان واجبا موسعا او مستحبا فأنه التزم بوجوب الغسل الارتماسي وبطلان الصوم ؛ ووافقه على ذلك معظم المعلقين على العروة .والظاهر ان الوجه في هذا التفصيل هو ادخال المقام في باب التزاحم , بين وجوب الصوم ووجوب الغسل , حيث انه لا تنافي بينهما فأن كل منهما ثابت على موضوعه , ويمكن ان يصح كل من الدليلين , غاية الامر انه من باب الصدفة عجز المكلف عن الجمع بينهما , وهذا هو ملاك التزاحم ( اي عدم القدرة على الامتثال لتكليفين كل منهما متعلق بموضوع مستقل ) .
حينئذ _ حسب قواعد باب التزاحم _ نقدم الصوم اذا كان واجبا معينا كصوم شهر رمضان او الصوم المنذور المعين ؛وذلك لأن القاعدة في باب التزاحم تقول اذا كان احد المتزاحمين له بدل والاخر ليس له بدل فأنه يقدم في مقام التزاحم ما ليس له بدل, وينتقل بالأخر الى بدله , وفي محل الكلام عند افتراض ان الصوم واجب معين فأنه ليس له بدل, بينما الغسل الارتماسي له بدل وهو التيمم , فعندما يتزاحمان يقدم ما ليس له بدل وهو الصوم في المقام .
واما اذا فرضنا ان الصوم لم يكن واجبا معينا وانما كان مستحبا او كان واجبا موسعا فأن الذي يقدم هو وجوب الغسل الارتماسي وليس الصوم ؛ وهذا المطلب في الصوم المستحب واضح , حيث لا اشكال في تقديم وجوب الغسل على الصوم المستحب , والمستحب لا يزاحم الواجب , وبعبارة اخرى أن هذا المكلف يعتبر قادرا على الغسل الارتماسي عقلا وشرعا , فأن الشارع لا يلزمه بالصوم في المقام لكي يزاحم الواجب الاخر .
ونفس الكلام يقال فيما اذا كان الصوم واجبا موسعا , بتطبيق قاعدة من قواعد التزاحم ايضا حيث انها تقول عندما يتزاحم واجبان احدهما له بدل في عرضه ( بمعنى انه يجوز له ان ينتقل الى بدله اختيارا ) والاخر له بدل في طوله ( اي انه لا يجوز له الانتقال الى بدله الا عند عدم التمكن من المبدل ) فأنه يقدم الواجب الذي له بدل في طوله على الواجب الذي له بدل في عرضه ؛ وفي محل الكلام الواجب الذي له بدل في عرضه هو الصوم ( الواجب الموسع) بحسب الفرض فأن معنى الواجب الموسع هو امكان الانتقال من صوم هذا اليوم الى صوم يوم اخر , والغسل في المقام ليس له الا بدل في طوله وهو التيمم حيث انه لا يصح الانتقال اليه الا مع عدم التمكن من الغسل .
اذن في المقام يتقدم الغسل على وجوب الصوم فيغتسل المكلف ويبطل صومه .
نعم هناك كلام في الفرع الاخير ( اذا كان الصوم واجبا موسعا )
والكلام يقع في ان عدم صحة الصوم من هذا المكلف هل يكون متوقفا على الاتيان بالغسل الارتماسي ؟ بحيث اذا لم يأتي بالغسل الارتماسي ولو عصيانا يصح منه الصوم , او ان بطلان الصوم يكفي فيه مجرد تقديم وجوب الغسل على وجوب الصوم في باب التزاحم , اي سواء ارتمس خارجا ام لا ؟
صرح المحقق النائيني في تعليقته على العروة بأن بطلان الصوم يكفي فيه مجرد تقديم وجوب الغسل على وجوب الصوم , بل يمكن ان يُفهم ذلك من عبارة السيد الماتن (أو كان واجبا موسعا وجب عليه الغسل).
لكن السيد الخوئي[4] ذهب الى ان بطلان الصوم يتوقف على الاتيان بالارتماس خارجا فإذا لم يرتمس فأنه يصح منه الصوم ؛ والظاهر ان هذا الخلاف يرتبط بما اذا كانت المقام يدخل في باب التزاحم او يدخل في باب التعارض ؛ فإذا قلنا بأنه يدخل في باب التزاحم فأنه يصح كلام السيد الخوئي (قد) لأنه في باب التزاحم لا يحكم ببطلان المهم العبادي بمجرد التكليف بالاهم , وانما يبطل عند الاتيان بالفعل الاهم , وقد ذكروا في مسألة الترتب بأن الضد العبادي يصح حتى لو ترك الاهم عصيانا ؛ وما نحن فيه من هذا القبيل فأن الصوم هو الواجب العبادي المهم وهو لا يبطل بمجرد ان يُكلف بالاهم ( الغسل ) وانما يبطل الصوم عند الاتيان بالاهم (الغسل) , اما مع عدم الاتيان بالاهم فأنه يصح الضد العبادي المهم ( الصوم) بناءا على الترتب .
واما اذا ناقشنا في دخوله في باب التزاحم وقلنا بدخوله في باب التعارض فالأمر يختلف .
والسر في دخول المقام في باب التزاحم دون التعارض هو عدم التكاذب بين الدليلين (دليل وجوب الغسل ودليل وجوب الصوم ) , فأن كل حكم من الحكمين يرد على موضوع غير الموضوع الذي يرد عليه الاخر فأن الاول يرد على الغسل والاخر يرد على الصوم , نعم من باب الصدفة ان هذا المكلف عجز عن الغسل الترتيبي فوجب عليه الغسل الارتماسي فأصبح بذلك عاجزا عن الجمع بين امتثالي هذين التكليفين .
لكن هناك احتمال اخر يُدخل المقام في باب التعارض ؛ بأعتبار انه في التحليل يوجد شيء واحد وقد تعلق به وجوب وتحريم وهو الارتماس ؛ فأن الامر يدور بين ان يكون الارتماس حرام من جهة الصوم او واجب من جهة الغسل , فكأنه هناك دليل يدل على حرمة الارتماس وهو دليل النهي عنه بأعتبار كونه من مفطرات الصوم , وهناك دليل يدل على وجوب الارتماس وهو دليل وجوب الغسل ؛ ومن الواضح ان هذين الدليلين متكاذبان ومتعارضان وهذا هو مناط التعارض .
فإذا قدمنا الدليل الدال على وجوب الغسل فأنه يعني الغاء الدليل الاخر , وهذا يعني التعامل مع هذا الدليل معاملة الدليل الكاذب وانه لا يوجد الا دليل وجوب الغسل فقط , واذا تم هذا الكلام فأن هذا يعني انه لا دليل على وجوب الصوم لكي نقول بصحة الصوم , وهذا لا علاقة له بالارتماس خارجا , وانما مجرد تقديم دليل وجوب الارتماس في باب التعارض يُلغى دليل الصوم ولا يمكن ان يوجد ما نصحح به الصوم خارجا على تقدير عدم الارتماس لأنه غير معمول به , وان الصوم يكون غير مأمور به .