35/11/20


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, السابع, الارتماس.
يبدو _ والله العالم_ مما تقدم في الكلام عن التعارض بين الموثقة وبين روايات الطائفة الاولى ان النوبة لا تصل الى مرحلة التعارض المستقر, لكي نرجع الى قوانين باب التعارض ونرجح على اساس مرجحات التعارض, وذلك لإمكان الجمع بما تقدم .
قد يقال بأن ذيل الموثقة (لا يعودن) ظاهر في الحرمة فيكون منافيا لهذا الجمع لأن هذا الجمع يلتزم بالكراهة ولا يلتزم بالحرمة .
فيجاب ان قول ( لا يعودن ) لا يمكن حمله على الحرمة الوضعية لأن ما قبل هذه العبارة توجد عبارة (ليس عليه قضاؤه ) واذا حملنا لا يعودن على الحرمة الوضعية فأنها تعني بطلان الصوم وعليه قضاؤه فيكون منافيا لقول (ليس عليه قضاؤه), فيدور امر(لا يعون) بين الحمل على الحرمة التكليفية او على الكراهة , وحملها على الحرمة التكليفية لا ينافي (ليس عليه قضاؤه ) فيمكن ان يكون ليس عليه قضاؤه ويحرم تكليفا كما هو رأي اصحاب القول الثاني .
لكن يمكن استبعاد ارادة الحرمة التكليفية لقرائن :
القرينة الاولى : ان حمل النهي في هذه الروايات على الحرمة التكليفية يقتضي ان نحمل الروايات التي تنهى عن الارتماس على خصوص الصوم الواجب, لأنه هو الذي يمكن الالتزام بحرمة الارتماس فيه تكليفا , _اما الصوم المستحب فلا يمكن ان يحرم الارتماس فيه تكليفا , نعم يمكن ان يحرم وضعا فيكون مفسدا للصوم , ولا وجه للقول بالحرمة التكليفية للأرتماس للصائم بالصوم المستحب _ مع ان الروايات التي تنهى عن الارتماس مطلقة, وليس فيها ما يوجب الاختصاص بالصوم الواجب , ومن هنا يكون الالتزام بالحرمة التكليفية مشكلا من هذه الجهة , خصوصا بناءا على ما تقدم ذكره _ وذكره بعضهم _ من توجيه التحريم بأنه للتحفظ من دخول الماء الى المنافذ , فأنه يؤكد هذا المعنى ,لأن الصوم المستحب لا يوجد فيه الزام بالتحفظ من دخول الماء الى المنافذ .
القرينة الثانية: معتبرة عبد الله ابن سنان (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يكره للصائم أن يرتمس في الماء)[1]والكراهة في هذه الرواية تحمل على الكراهة الاصطلاحية, فالكراهة لغة وان كانت اعم من الكراهة الاصطلاحية والتحريم, لكنها مستعملة في كثير من الموارد في الكراهة الاصطلاحية , اي ان الفقهاء فهموا في كثير منها الكراهة الاصطلاحية , وليكن الارتماس هذا القبيل بدليل هذه الرواية المعتبرة , ومن المؤيدات لكراهة الارتماس هو ورود روايات بالكراهة لبعض الامور للصائم كما ورد كراهة الرفث في الصوم وكراهة صوم اليومين الذين بعد العيد.
ومن جملة القرائن ان الحمل على الكراهة اقرب الى مفاد النصوص السابقة الظاهرة في المانعية والفساد, فيكون المقصود بالكراهة اقلية الثواب والنقص في مرتبة الكمال .
وعلى كل حال فالذي يتلخص من جميع ما تقدم هو ان مقتضى الصناعة الالتزام بالكراهة الوضعية في مقام الجمع بين هاتين الطائفتين بمعنى ان الارتماس لا يضر بأصل الصوم ولكنه يضر بوصوله الى مرحلة الكمال .
وتبقى مسألة ينبغي الاشارة اليها وهي انه قد يقال بأن صحيحة محمد بن مسلم تأبى الحمل والجمع المتقدم , لأن حملها على الاضرار بالكمال دون اصل الصوم يوجب انثلام وحدة السياق فيها , لأن الرواية ذكرت الاكل والشرب وغيره ولا اشكال ان اضرار الاكل و النساء و الشراب بالصوم هو اضرار بأصل الصوم فإذا قلنا بأن اضرار الارتماس ليس اضرارا بأصل الصوم, وانما هو اضرار بالمرتبة العالية فأن هذا يوجب انهدام وحدة السياق الذي اُستعملت فيه كلمة واحدة ( لا يضر الصائم ).
وقد يجاب عن هذا الاشكال بإمكان حمل الاضرار في هذه الرواية على معنٍ واحد جامع بين الحرمة الوضعية والكراهة الوضعية وبعبارة اخرى جامع بين الاضرار بأصل الصوم والاضرار بالمرتبة العالية منه , على غرار اغتسل للجمعة وللجنابة فالمراد معنٍ واحد وهو الطلب ولكنه في الجمعة يكون للأستحباب وللجنابة يكون للوجوب, ولا يكون ذلك اخلالا بالسياق , خصوصا اذا لاحظنا ان هذه الرواية غير مسوقة لبيان اضرار هذه الامور بالصوم, وانما هي مسوقة لبيان عدم اضرار غير هذه الامور به , نعم هي تبين بالتبع اضرار هذه الخصال الثلاثة, وحينئذ يكون حمل الاضرار بلحاظ الخصال الثلاثة على معنٍ اعم من الاضرار بأصل الصوم او بالمرتبة العليا منه يكون اهون .
ومن هنا يبدو _والله العالم _ ان الصناعة تقتضي الالتزام بكراهة الارتماس في الصوم وعدم كونه من المبطلات .
نعم قد يُشكل ان تأويل هذه الروايات الكثيرة التامة السند (في الطائفة الاولى) الظاهرة في الفساد والمبطلية على معنى خلاف ظاهرها لأجل هذه الرواية ليس امرا مقبولا , واذا اضيف اليها ان المشهور ذهب الى ان الارتماس من المبطلات فأن هذا وذاك قد يوقّف عن الفتوى بعدم المبطلية وبالكراهة.
ومن الفروع المرتبطة بأصل المسألة ما اشار اليه بقوله ( ويكفي فيه رمس الرأس) اي الارتماس المبطل على الفتوى او الاحتياط .
وقد صرح غير واحد في كفاية رمس الرأس في تحقق الارتماس المبطل للصوم بل في الجواهر قال (بل لا أجد فيه خلافا بل ولا ترددا عدا ما سمعته منالدروس)[2].
هذا بلحاظ الفتاوى اما بلحاظ النصوص فيبدو انها على طائفتين :
الطائفة الاولى: وهي التي ورد فيها النهي عن رمس الرأس وهي من قبيل :
صحيحة محمد بن مسلم (عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : الصائم يستنقع في الماء، ويصب على رأسه، ويتبرد بالثوب، وينضح بالمروحة، وينضح البوريا تحته، ولا يغمس رأسه في الماء)[3]
وصحيح الحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه)[4]
وصحيحة حريز ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال لا يرتمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء)[5]

والطائفة الثانية : وهيما ورد فيها النهي عن ارتماس الصائم في الماء من قبيل :
صحيحة يعقوب بن شعيب ( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم)[6]
فأن الارتماس اضيف الى الصائم وهكذا معتبرة حنان بن سدير ( أنه سأل أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الصائم، يستنقع في الماء ؟ قال : لا بأس، ولكن لا ينغمس)[7]
ورواية عبد الله ابن سنان (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يكره للصائم أن يرتمس في الماء)[8]
فالرأس لم يذكر في الرواية وانما نهت عن ارتماس الصائم في الماء , ويلحق بالطائفة الثانية ما ورد بلسان النهي عن الارتماس بالماء من غير اضافته الى الصائم او رأس الصائم وهو من قبيل :
صحيحة محمد بن مسلم (محمد بن مسلمقال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذااجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء)[9]
وظاهر الطائفة الاولى التي تنهى عن رمس الرأس في الماء ان الرأس له خصوصية ولذا نهت عن رمسه في الماء وظاهرها ان المفطرية تدور مدار رمس الرأس فمتى ما رمس رأسه تحقق الارتماس المفطر سواء رمس باقي البدن ام لا .
وظاهر الطائفة الثانية ان المفطر هو رمس تمام البدن في الماء ولا يكفي مجرد رمس الرأس فيه.
ومن الواضح ان هذين المفادين متباينان , ولابد من الجمع بينهما للوصول الى نتيجة .