38/12/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/12/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 37 ) حكم الضرائب – المكاسب المحرمة.

استدراك:- ذكرنا فيما سبق في أنه هل يشترط العزل في جواز شراء الخراج وما شاكله من السلطان ؟ قلنا توجد روايتان في هذا المجال صحيحة أبي عبيدة في شقها الثاني اشترطت ذلك بينما موثقة الهاشمي جعلت المدار على الادراك وذكرنا فيما سبق وجوهاً ثلاثة في مقام التوفيق بين الطائفتين اثنين عن السيد الخوئي وواحداً مما يخطر إلى الذهن ثم ذكرنا بعد ذلك أنه يمكن الجمع بتطبيق قاعدة حمل الظاهر على الأظهر بالبيان المتقدم ولا نكرر ، والذي نريد أن نقوله الآن هو أن كل هذا الذي ذكرناه إنما نحتاج إليه إذا بنينا على أنَّ كلمة البأس تدل على اللزوم - أو قل الحرمة - ، وأما إذا بنينا على أنها أعم منذ لك فحينئذٍ لا توجد منافاة بين الطائفتين حتى نحتاج إلى عملية جمع وتوفيق ، وإذا رجعنا إلى صحيحة ابي عبيدة وجدنا أن كلمة البأس موجودة فيها فلاحظ ( قيل له فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول بعناها .... فقال:- إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس ) ومفهومها يصير ( إن لم يعزله ففيه البأس ) فإن قلنا إنَّ عدم البأس يدل على عدم الجواز كما يبني عليه السيد الخوئي(قده) وأنه ظاهر عنده في التحريم وممن يبني على ذلك الشيخ النراقي في مستند الشيعة فإنه يقول إنَّ المقصود من البأس العذاب الشديد ، وهذه أيضاً دعوى ، فإذا بنينا على هذا فيصير المفهوم حينئذٍ يدل على عدم الجواز ، أما إذا لم نبنِ على ذلك ونحن فيما سبق تردّدنا من هذه الناحية ، وهذه استظهارات فإذا استظهرت التحريم واللزوم فتحتاج إلى وجه جمع أما إذا كنّا مترددين أو قلنا هي لا تدل على التحريم فعلى هذا الأساس لا توجد منافاة أصلاً حتى نحتاج إلى وجه جمع لأنَّ المفهوم سوف يكون هكذا: ( وإن لم يعزلها ففيه بأس ) وكلمة بأس تجتمع مع الكراهة والكراهة لا منافاة بينها وبين الرواية الأخرى التي تقول يكفي مجرّد الادراك.

عودٌ إلى ما كنّا فيه:- كنّا في صدد الحكم الرابع وهو أنه هل جواز الأخذ وتحقق براءة الذمة يعمّ كل سلطان بأقسامه الأربعة أو يختص ذلك بالقدر المتيقن وهو المخالف المدّعي للولاية العامة - أي القسم الأوّل - ؟ قلنا:- قد يتمسّك بوجهين لإثبات التعميم ، الأوّل اطلاق بعض الروايات ، وقد قرأنا صحيحة الحلبي كمثال في هذا المثال ، والثاني قاعدة نفي الحرج ، أما بالنسبة إلى الاطلاق فقد علّقنا عليه في المحاضرة السابقة ولا نكرر.

وأما بالنسبة إلى قاعدة نفي الحرج:- فيرد على التمسك بها أمران:-

الأوّل:- إنها امتنانية ولو طبّقت في المقام فالامتنان وإن تحقق في حقّ المالك فإنَّ الحكم ببراءة ذمته امتنان عليه ولكن يلزم خلاف المنّة بالنسبة إلى مستحق الزكاة أو مستحق الخراج فإنَّ هؤلاء سوف تنقص حصتهم ، فمن تطبيقها يلزم خلف الامتنان من الجهة المذكورة وهذا ينبغي الالتفات إليه.

الثاني:- إنه بقطع النظر عن هذا يمكن أن يقال إنَّ قاعدة نفي الحرج ناظرة إلى الحرج الشخصي دون النوعي ، فمن كان يلزم في حقه الحرج حينئذٍ تبرأ ذمته ويجوز له الأخذ ، أما الذي لا يلزم في حقه ذلك كما لو كان الشخص لديه مال كثير وعدم براءة ذمته لا يؤثر عليه أبداً فحينئذٍ لا يمكن تطبيق قاعدة نفي الحرج في حقه والحال أننا نريد أن نثبت البراءة وجواز الأخذ بشكلٍ عام في حق الجميع من دون تفصيل ، فإذن قاعدة نفي الحرج لا يمكن أن نتمسّك بها لأنها تعطينا نتيجة أخرى غير النتيجة المقصودة.

إذن التمسّك بقاعدة نفي الحرج محل اشكال من هاتين الناحيتين.

ولكن رغم هذا المناسب هو التعميم:- يعني الحكم بالبراءة بشكل مطلق في جميع الأقسام الأربعة والحكم أيضاً في جواز الشراء في جميع الأقسام الأربعة ولكن لا لإطلاق بعض الروايات ولا للحرج وإنما لعموم التعليل الوارد في صحيحة العيص المتقدمة ، ومورد الشاهد فيها هو ( ما أخذ منكم بنوا أمية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم فإنَّ المال لا يبقى على هذا أن تزكّيه مرّتين ) فإنَّ هذا التعليل يفهم منه أنه كلما لم يمكن التخلّص فالمدفوع يحتسب من الزكاة ومن الخراج وغير ذلك وبالتالي تتحقق براءة الذمة في جميع الأقسام هذا ليس خصاً بخصوص الشق الأول ففي جميع القوق الأربعة يمكن أن نتمسّك بهذا التعليل ونحكم بتحقق براءة الذمة إذ لازم براءة الذمة أنه يزكّي المال مرة ثانية أو يدفع الخراج مرة ثانية وهذا يلزم منه ذهاب مال الشخص ، فالنتيجة هي الحكم بتحقق براءة الذمة ، نعم هذا لا ينفعنا في اثبات جواز الأخذ وإنما يثبت لنا براءة الذمة وأن الذمة تبرأ ولا يلزمك أن تدفع ثانية وكفانا هذا المقدار لإثبات المطلوب.

وينبغي الالتفات إلى أنَّ هذا التعليل نتمسّك به في جميع الأقسام الأربعة بما في ذلك الكافر وبما في ذلك من خرج في بلدةٍ ونصب نفسه أميراً وقام يأخذ الزكاة فإنَّه يحكم ببراءة الذمة حتى هاتين الحالتين ، خلافاً لما يظهر من البعض أنه يستثني هاتين الحالتين ، كلا بل براءة الذمة تتحقق في جميع الأقسام الأربعة تمسكاً بعموم التعليل فإنَّ التعليل يعمّ حتى هذين القسمين كما هو واضح.

والملفت للنظر أنه لم يشر أحد إلى ذلك وكان من المناسب أن يذكر هذا لإثبات براءة الذمة ، فالشيخ مثلاً في المكاسب لم يشر إلى هذا لا من بعيد ولا من قريب ، وحتى لو كانوا يرفضونه فمن المناسب أن يشيروا إليه ثم يناقشونه.

 

مسألة ( 38 ):- إذا دفع إنسان مالاً له إلى آخر ليصرفه في طافة من الناس وكان المدفوع إليه منهم فإن فهم من الدافع الاذن في الأخذ من ذلك المال جاز له أن يأخذ منه مثل أحدهم أو أكثر على حسب الاذن وإن لم يفهم الاذن لم يجز الأخذ منه أصلاً ، وإن دفع له شيئاً مما له مصرف خاص كالزكاة ليصرفه في مصارفه فله أن يأخذ منه بمقدار ما يعطيه لغيره إذ كان هو أيضاً من مصارفه ولا يتوقف الجواز فيه على احراز الاذن من الدافع.

..........................................................................................................

محصّل المسألة الذكورة واضح:- وهو أنه لو فرض أن شخصاً دفع مالاً إلى آخر وقال له أعطِ هذا للمؤمنين أو للفقراء ففي مثل هذا يفترض انه ليس له مصرف مقرّر شرعاً وأخرى يفترض أن لهذا المال مصرفاً مقرراً شرعاً ، ومثال الذي له مصرف مقرر هو الزكاة فإنَّ لها مصرف مقرّر وهو الفقراء ، وسهم السادة أيضاً كذلك هو السيد الفقير ، ومرة أنَّ هذا المال الدفوع ليس له مصرف معيّن كما لو قال له اعط هذا المال إلى لمؤمنين يوم الغدير أو ما شاكل ذلك ، فأنا المدفوع لي المال هل يجوز لي الأخذ منه أو لا ؟

وفي مقام الجواب ذكر(قده):- إنه في الحالة التي ليس له مصرف مقرّر شرعاً ليس لك الحق في أن تأخذ منه إلا إذا فهمت الاذن من كلامه ، أما إذا لم تفهم الاذن وشككت به فلا يجوز لك الأخذ ، أما إذا فهمت الاذن فخذ ، وكم هو مقدار ما يأخذه ؟ أجاب وقال:- إنه حسب الاذن ، فإن فهمت من الاذن أنه فتح لك المجال بشكلٍ مطلق فتتمكن أن تأخذ ما تريد ، وأما إذا فهمت أنه كان مساوياً فخذ ما يساوي الذي تعطيه للغير ، فالقضية تابعة للاذن.

والخلاصة:- إنه إذا فرض أنه ليس له مصرف شرعي فالمدار في جواز الأخذ وفي مقدار المأخوذ على الاذن وإذا لم يفهم الاذن وشككنا فلا يجوز أخذ أي شيء منه ، وأما إذا كان له مصرف شرعي مثل الزكاة فحينئذ يجوز لك الأخذ بلا حاجة إلى كسب الاذن ، والنكتة واضحة وهي أنَّ مصرفه هو الفقير وأنت فقير فيجوز لك ن تأخذ.

وفي الحقيقة ينبغي أن نستثني حالة فهم الاذن ، يعني نحن مشكلتنا في هذه المسألة أنه لا يوجد إذن واضح أما مع وجوده فلا مشكلة ، فمحلّ كلامنا هو حالة عدم فهم الاذن فإذا كانت حالة عدم الاذن فسوف يصير رأي السيد الخوئي(قده) هو أنه إذا كان له مصرف شرعي فيجوز الأخذ وأما إذا لم يكن له مصرف شرعي فلا يجوز الأخذ ، وهذا الكلام أخصر ، وهو شيء واضح.

وفي البداية لابد أن نعرف أنّ ذكر هذه المسألة في المكاسب المحرّمة لا نرى له وجهاً فإنها لا ربط لها بباب المكاسب المحرّمة ، والمشكلة عندنا هي أنَّ الكثر من المسائل في الرسالة العملية هي من هذا القبيل ، نعم ذكرها المحقق الحلي في الشرائع في المكاسب المحرّمة فجاء الغير وتابعه على ذلك ، فذكر هذه المسألة في هذا المورد ليس بمناسب ، وتوجد عندنا مسائل أخرى من هذا القبيل نذكر من باب المثال أنه يجب على وليّ الطفل أن يحفظه من الوقوع في المحرّمات والانحرافات فهذه المسألة مذكورة في كتاب الصلاة في باب قضاء الفوائت حيث توجد عندنا مسألة وهي أنه يجب على الولي أن يقضي ما فات على الأب وبهذه المناسبة ذكر أنه يجب على ولي الطفل أن يحافظ عليه من الوقوع في المحرّمات كشرب الخمر وغير ذلك ، فهي ذكرت في كتاب الصلاة والحال أنه لا ربط لها به ، ولا تكفي أدنى مناسبة لذكرها فإنَّ هذا قد ذكروه في النحو ولكن هذا غير مقبول هنا ، أما لو قلت: إذن أين نذكرها ؟ قلت: هذه قضية ثانية فإنَّ هذه مشكلة نحن نعيشها وهي أنه توجد عندنا بعض المسائل قد يقع الفقيه في ضيقٍ في أنه أين يذكرها ولكن هذه قضية ثانية ، فيلزم أن نلفت إلى هذه القضية ، هذا شيء.

وهناك شيء آخر:- وهو أنه لماذا ذكر الفقهاء هذه المسألة وما هو الداعي إلى ذكرها فإنه لابد من وجود مناسبة لذكرها ؟

والجواب:- هناك روايات متعددة في هذا المجال فليس من البعيد أنَّ الروايات حينما ذكرتها فذكرها الحلّي وتابعه غيره ، ومن المناسب أن تذكر أمثلة حيوية لطيفة من قبيل ما إذا أوصى الميت بصرف ثلثه في الخيرات وكان توجد عنده زوجة وأطفال فهل يجوز لهم أن يأخذوا شيئاً من هذا الثلث أو يأخذوه كلّه من باب أنهم مصاديق لذلك ؟ ، كأن قال أريد ثلث بيتي خيرات وهم بقوا في حيرة لأنهم إذا أرادوا أن يعطوا هذه الخيرات فيلزم أن يبيعوا البيت فيسألون هل نستطيع أن نأخذ نحن الخيرات ؟ ، وهذا مثال حيوي من المناسب ذكره.

والغريب في الباب هو أنَّ الشيخ في المكاسب لم يذكر هذه المسألة وهو عادةً ناظر إلى كتب القوم ويمشي وراءهم ولكنه لم يذكرها ، ولعله لما أشرت إليه من أنَّ هذه المسألة ليست مصداقاً للمكاسب المحرّمة ، ولكن المحقّق في الشرائع ذكرها ، وقد أسهب صاحب الجواهر(قده) في بحثه لهذه المسألة[1] ، وأيضاً تعرّض لها صاحب الحدائق(قده)[2] وغيرهما ، وقد قال صاحب الحدائق(قده):- ( إنَّ هذه المسألة وقعت محلاً للخلاف وتعددت فيها الأقوال ).