38/11/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/11/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 37 ) حكم الضرائب – المكاسب المحرمة.

ويرد على ذلك:-

أوّلاً:- إن قاعدة نفي الحرج يقصد في المقام تطبيقها لا على الدافع لإثبات براءة ذمته إذ كلامنا في الحكم الأوّل لا في الحكم الثاني فكلامنا ليس في براءة ذمّة الدافع حتى يقال إذا لم تبرا ذمته فيلزم أن يدفع ثانياً وفي ذلك حرج عليه فها هو الحكم الثاني وسيأتي وإنما كلامنا في الحكم الأوّل وهو أنه هل يجوز للشخص الثالث أن يأخذ هذا المال من الظالم ، وفي هذا المجال نقول إنه لا يلزم الحرج والوجه في ذلك هو أنه إما أن يكون المالك لهذا المال معلوماً فيعرف أنه أخذ من فلان فيلزم ارجاعه إليه فبعد أن يستلمه يرجعه إلى مالكه وليس في ذلك حرج وإذا فرض أن المالك كان مجهولاً فيطبق عليه فكرة مجهول المالك وحكم مجهول المالك كما نعرفه هو الدفع إلى المؤمنين على كلام في أنه هل يلزم أن يكونوا فقراء لأن الروايات سوف تأتينا لا يوجد فيها أنه لابد من دفعه إلى الفقراء ولكن من الاحتياط يقتضي دفعه إلى خصوص الفقراء ، وأيضاً بالعنوان الثانوي الجدير بالفقيه أن يحتاط بدفعه إلى الفقراء ، فهو مجهول المالك وحكم مجهول المالك هو الدفع إلى المؤمنين إما بخصوص الفقراء أو عموم المؤمنين ، وهل بإجازة الحاكم الشرعي أو من دون اجازة ؟ الروايات ليس فيها اجازة الحاكم الشرعي ولكن من باب الاحتياط لأنَّ الامام عليه السلام يقول ( والله ما له صاحب غيري ) ، وحيث إنَّ المجتهد قائم مقام الامام فالاحتياط يقتضي الاستئذان منه.

ونذكر قضيّة جانبية:- وهي أنه لأجل ترتيب الأمور لابد من اناطة القضايا بيد الفقيه فإنَّ مجهول المالك ليس كمية قليلة فلابد أن يُنظَّم صرفه بالإناطة بحكم الحاكم الشرعي فإن هذا أمر جيّد من باب العنوان الثانوي ولكن من باب الاحتياط لا من باب الفتوى.

فإذن لا مجال لتطبيق قاعدة نفي الحرج ، هذا كلّه إذا كنّا نجزم بأنَّ المال حتماً هو من الزكاة أو الخراج أو غيرهما ، أما إذا كان مشكوكاً كما هو المعتاد يعني توجد شبهة موضوعية فإذا كان شبهة موضوعية يطبق فيها البراءة.

فإذن سوف تصير النتيجة:- هي أنَّ المال تارة يكون مشكوك في أنه حرام أو لا فالشبهة موضوعية فيطبق فيها أصل البراءة ككل شبهة موضوعية ، وتارةً نعلم أنه مال الغير فتارةً نعرف ذلك الغير فيلزم دفعه إليه وتارةً يكون صاحبه مجهولاً فيطبق عليه فكرة مجهول المالك فحينئذٍ يتصرّف فيه كأحد المؤمنين فيما إذا كان فقيراً على الأحوط فإذن لا مورد لتطبيق قاعدة نفي الحرج.

ثانياً:- إنَّ قاعدة نفي الحرج امتنانية فإنَّ مستندها قوله تعالى ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ فإنَّ الله تعالى يقول لا أريد أن أجعل عليكم في الدين من حرج وهذا امتنان منه سبحانه فإذا كانت امتنانية فيلزم في مقام تطبيقها أن لا تكون هناك مخالفة للامتنان من جهة أخرى ، وفي المقام يلزم خلف الامتنان من جهة أخرى باعتبار أنه إذا أخذ الشخص الثالث الزكاة فإذا طبقنا قاعدة نفي الحرج هذا سوف يلزم منه تضرّر أصحاب الخمس والزكاة فإنَّ أموال الخمس والزكاة سوف تقلّ بلحاظهم فيلزم من تطبيق قاعدة الحرج على هذا الشخص الثالث الآخذ خلف الامتنان من زاويةٍ أخرى فلا يجوز تطبيقها فإن تطبقها مشروط بأن لا يلزم منه خلاف المنّة ، فإذن لا مجال لتطبيق هذه القاعدة.

ثالثاً:- إنَّ قاعدة نفي الحرج ناظرة إلى الحرج الشخصي وليس إلى الحرج النوعي ، وبناءً على هذا يلزم أن كل شخص يأخذ من السلطان يلزم أن يلاحظ أنه هل يلزم في حقه الحرج لو لم يأخذ الأموال فربَّ بعض الأشخاص لا يلزم في حقّه الحرج لأنه في سعة وليس في ضيق ، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نحكم يشكلٍ مطلق من قبل الحاكم الظالم جائز استناداً إلى قاعدة نفي الحرج فإنَّ هذا لا معنى له ، بل يلزم أن يلاحظ كلّ شخص حال نفسه فإن كان في حرجٍ وضيقٍ فيجوز وإلا فلا لا أنه يحكم بضرسٍ قاطع بالجواز مطلق.

وقد تسأل وتقول:- كيف نثبت أنَّ قاعدة نفي الحرج هي ناظرة إلى الحرج الشخصي دون الحرج النوعي ؟

والجواب:- إنَّ مفاد ﴿ وما جعل عليكم ﴾ هو أنه ما جعل عليك أيها المؤمن الأوّل وما جعل عليك أيها المؤمن الثاني .... وهكذا ، وإن لم يكن ذلك المقصود جزماً فلا أقل من كونه احتمالاً وجيهاً يعادل الاحتمال الآخر ومعه يقتصر على القدر المتيقّن وهو كون المدار على الحرج الشخصي ، فعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد من هذه الآية الكريمة أنَّ المدار على الحرج النوعي بل المدار على الحرج الشخصي ، من هنا نرى فتوى الفقهاء هي على ذلك أيضاً ، فيقال للمريض إذا أضرّ بك استعمال الماء فحينئذٍ تيمم وإذا لم يضرّك يجب عليك الوضوء لا أنه نقول نوعاً هو يلزم الحرج على المريض لو توضأ فإنه لا يلاحظ هذا أحد فهكذا فتوى ليست معروفة ن فالمقصود من الآية الكريمة هو أنَّ المناط على الحرج الشخصي ومعه يلزم أن يلاحظ كلّ شخص حالة نفسه لا أنه بشكل مطلق يأخذ المال بحجة قعدة نفي الحرج والمفروض أنَّ الشيخ الأعظم وصاحب الجواهر يريدون أن يطبقون القاعدة ويجوّزون بشكل مطلق ، كلا ، بل لا أقل نقول من كان يلزم الحرج في حقّه جاز له الأخذ فإنَّ المناسب أن يفصّل هكذا ، هذا كلّه لو أريد تطبيق قاعدة نفي الحرج على الشخص الآخذ.

وإذا أريد تطبيقها على سائر الناس وهذا خارج عن محل كلامنا إنما كلامنا هو في الشخص الثالث الآخذ يجوز له الأخذ ويستدل له بقاعدة نفي الحرج ولكن فرض أن سائلاً سأل عن حكم بقية الناس فما الحكم بالنسبة إلى بقية الناس ؟ يعني نحن الأصدقاء لهذا الشخص الثالث من أقاربه وجيرانه فإنَّ هذا الشخص الثالث يأخذ من السلطان فإذا لم نذهب إليه في مناسباته وزيارته فيلزم من ذلك الحرج علينا فتعال نطبق قاعدة نفي الحرج بلحاظ بقيّة الناس ؟

وجوابها قد اتضح:- فيقال إنَّ هذا المال الموجود عند هذا الشخص الثالث كأن قدم الطعام لنا فترة يكون هذا الطعام مشكوك الحرمة وهذه شبهة موضوعية فحينئذٍ يجوز التناول بلا حاجة إلى قاعدة نفي الحرج ، وأخرى يفترض أنه معلوم الحرمة ويعرف المالك فهنا لا يجوز ذلك وتطبيق قاعدة الحرج لا معنى له ولا أقل إنه خلاف المنّة إذ يلزم منه تضرر ذلك الشخص المأخوذ منه المال ، وأما إذا فرض أن المالك ليس بمعلوم فهو مجهول المالك وحكم مجهول المالك هو للمؤمنين.

هذه فائدة جانبية بينها بالنبة إلى بقية الناس وأيضاً إذا أردنا أن نطبق قاعدة نفي الحرج فينبغي أن يلاحظ كل شخص حال نفسه فإذا كان يلزم الحرج في حقه فهنا قد يوجد مجال لتطبيق قاعدة في الحرج ، وأما إذا لم يلزم الحرج فلا يجوز له ذلك.

هذا كلّه إذا كان المستند هو قاعدة نفي الحرج وقد اتضح أنه لا يمكن تطبيقها إما لأجل أنها ناظرة إلى الحرج الشخصي دون النوعي فلا يمكن استفادة الحلية في حق الشخص الثالث بكل مطلق ، أو لما أشرنا إليه من أن تطبيقها هو خلاف المنّة في حدّ نفسه على ذلك الشخص المالك أو أنه لا يلزم أصلاً الحرج باختلاف الأجوبة الثلاثة التي بيناها.

ولكن رب الشيخ الأعظم أو صاحب الجواهر يقول:- إنه يلزم اختلال النظام فإذا تمسّكوا بفكرة اختلال النظام فما هو الجواب؟

الجواب:- لابد أن يكون المقصود من اختلال النظام في حق الناس الآخرين وإلا في حق الشخص الثالث لا يلزم اختلال نظامه لأنَّ المال إذا أخذه يرجعه إلى صاحبه إذا عرفه وإذا لم يعرفه فيكون مجهول المالك حينئذٍ فأين اختلال النظام ؟! فإذن لا بد أن يكون المقصود من اختلال النظام ليس في حق الآخذ وهم قد ذكروا ذلك في حق الآخذ وقالوا لو جاز للآخذ أن يأخذ لزم من ذلك اختلال النظام ، ولكن الآخذ لا يلزم من أخذه اختلال النظام لأنه إذا كان يعرف المالك يرده إليه وإذا لم يعرفه فيكون مجهول المالك فيطبق فكرة مجهول المالك فيجوز له الأخذ لأنه من المؤمنين فأين لزوم اختلال النظام ، نعم اختلال النظام لو لزم فهو يلزم في حق بقية الناس يعني بشكل عام فيقال إذا لم يثبت جواز التصرّف في هذه الأموال فيلزم من ذلك النظام بلحاظ عامة الناس لا خصوص الشخص الثالث باعتبار أنه سوف لا نذهب إلى هذا الشخص الذي هو متصل بالسلطان وحصل على شيء ، فإذا كان هذا هو المقصود فهو قد يشكك في صغراه من البداية باعتبار أنَّ المال الموجود عادة الذي يؤخذه من السلطان هو مشكوك لا أنه أخذه من هذا الشخص وسّلمه أمام الملأ لهذا الشخص الآخر وإنما عادةً يأتي شاعر مثلاً يمدح بقصيدة أو غير ذلك فيكرمه بشيء وهذا مشكوك عادةً لا أنه معلوم الحرمة ، وأيضاً يمكن أن يقال هو مجهول المالك ، وفرق هذا الجواب عن سابقه هو أنَّ الأوّل ليس من المعلوم أن له مالك معيّن فلعلّه حلال في حدّ نفسه , والجواب الثاني هو أنه حتى لو كان له مالك ولكنه مجهول فتطبق فكرة مجهول المالك وحينئذٍ يجوز الأكل من باب أنه مجهول المالك ومجهول المالك للمؤمنين ، فالصغرى صدقها غير واضح ، نعم لو تمت نسلّم أنه متى ما لزم اختلال النظام فيثبت الجواز في حق جميع الناس حينئذٍ ولكن نبقى نؤكد بالنسبة إلى الشخص الآخذ من السلطان لا يمكن أن نطبق فكرة اختلال النظام بلحاظه إنما يلزم اختلال النظام لو لزم بلحاظ عامة الناس والمفروض أن محل كلامنا هو الشخص الثالث الآخذ من السلطان ، هذا كلّه بالنسبة إلى الوجه الثاني لإثبات الجواز.

الوجه الثالث:- التمسّك بروايات جواز أخذ جوائز السلطان فإنها تدل بالالتزام على حلّ الخراج والزكاة إذ عادة جوائز السلطان وخزينته هي من الخراج والزكاة وإلا فالأموال الخاصة له والأموال المباحة قليلة ، فإذن نفس روايات جوائز السلطان أنه يحلّ أخذها هي تدل على المطلوب الذي نريده بعد العلم بأنَّ أموال السلطان هي مشوبة بالخراج والزكاة وغير ذلك ، وسوف تأتينا هذه الروايات في مسألة ( 39 ) والتمسّك بها فإنَّ هذا دليل لا بأس به في الجملة.

الدليل الرابع:- الروايات الخاصة في المقام لا بعنوان جوائز السلطان فإنَّ هذا هو الدليل الثالث بل الروايات الدالة على أنه يجوز شراء الأموال الموجودة عند السلطان أموال الصدقة وأموال الخراج وأمول الزكاة هي روايات متعددة ننقل منها رواية احدة.