35/08/08


تحمیل
الموضوع: الصوم : المفطرات, تعمد الكذب على الله تعالى أو رسوله أو الأئمة صلوات الله عليهم.
الكلام في دلالة الروايات المتقدمة :-
هناك عدة مناقشات في الاستدلال بهذه الروايات على مفطرية الكذب في محل الكلام .
المناقشة الاولى : وقد ذُكرت في كلام اكثر من واحد وحاصلها ان بعض هذه الروايات كما تدل على مبطلية الصوم كذلك تدل على ناقضية الوضوء كما ورد ذلك في رواية أبي بصير( قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم .......)[1]
و موثقة سماعة قال:(..... يقضي صومه ووضوئه إذا تعمد.)[2]
و أبي بصير ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من كذب على الله وعلى رسوله وهو صائم نقض صومه ووضوؤه إذا تعمد.)[3]
ففي هذه الروايات الثلاث قرن بطلان الوضوء ببطلان الصوم عند الكذب على الله ورسوله.
وقد قالوا ان الاجماع قام على ان الكذب على الله والرسول ليس من نواقض الوضوء وكذلك النصوص تحصر نواقض الوضوء في موارد معينة ليس منها الكذب على الله ورسوله وهذا معناه انه لا يمكن الالتزام بالناقضية, والبطلان في هذه الروايات ليس البطلان بمعناه الحقيقي, فلابد من حمل البطلان في هذه الروايات على نفي الكمال وما شابه هذا المعنى , وحينئذ يقال ان حمل بطلان الوضوء في هذه الروايات على نفي الكمال يقتضي حمل بطلان الصيام فيها على نفي الكمال ايضا , بأعتبار قرينة وحدة السياق , فأنهما ذكرا في سياق واحدا , وعليه فلا يمكن الاستدلال بهذه الروايات على المبطلية في محل الكلام , ويتأكد هذا المطلب اذا التفتنا الى ان الروايات استعملت كلمة واحدة في الوضوء والصوم فالرواية تقول (يقضي صومه ووضوئه) فيكون من قبيل ( اغتسل للجمعة والجنابة ) ويتأكد هذا المعنى بأعتبار صعوبة التبعيض في الكلمة الواحدة بأن يكون المراد منها معنى بالنسبة الى الجمعة ومعنى اخر بالنسبة الى الجنابة , نعم لو كانت الجملة متكررة لكان من الممكن القول ان احداهما تحمل على الوجوب والاخرى على الاستحباب , وما نحن فيه من قبيل الكلمة الواحدة ( يقضي) فمن الصعب ان يقال ان المراد بها نفي الكمال بالنسبة الى الوضوء ونفي الصحة بالنسبة الى الصوم , وحيث انه ثبت ان المراد منها نفي الكمال بالنسبة الى الوضوء فأنه بوحدة السياق يثبت هذا المعنى بالنسبة الى الصوم .
ويلاحظ : ان بعض[4] الروايات صحيحة وتامة ولم يذكر فيها الوضوء اطلاقا, وانما ذكرت ان الكذب على الله والرسول يكون مفسدا للصوم وليس فيها هذا الاقتران او وحدة السياق ليأتي فيها هذا الكلام .
ويلاحظ ايضا : ان بعض الروايات التي ذكر فيها الوضوء تعددت فيها الكلمة (أي انها من قبيل اغتسل للجنابة واغتسل للجمعة) بل اكثر من ذلك حيث ان المادة ايضا تعددت فيها مثال ذلك ما ورد في رواية ابي بصير (الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم) ومثل هذه الرواية يكون اتمام الكلام السابق بها لا يخلو من شيء , لكن هناك روايتين لم تتعدد فيها المادة ولا الكلمة مثال ذلك سماعة قال : سألته عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوئه إذا تعمد.)[5] وايضا أبي بصير ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من كذب على الله وعلى رسوله وهو صائم نقض صومه ووضوؤه إذا تعمد)[6]
وهذه الرواية ينقلها الشيخ صاحب الوسائل عن كتاب النوادر وبقطع النظر عن كونه ثابت ثبوتا معتبرا وانه لأحمد بن محمد بن عيسى او للحسين بن سعيد فأن تصحيح هذه الرواية لا يخلو من شيء بأعتبار انها يرويها عن ابي بصير وبينهما فاصل كبير جدا وهذا يعني ان الرواية مرسلة .
وقد اجيب عن هذه المناقشة عدة اجوبة :
الاول : ما ذكره عده من المحققين وحاصله ان نلتزم بالتبعيض في الحجية بمعنى اننا لا يمكن ان نلتزم بالظهور الاولي للنقض في الوضوء الذي يعني فساده وبطلانه, والاجماع والادلة دلت على الصحة فيه, واما الظهور الاخر فأنه يبقى على حاله وهذا معنى التبعيض في الحجية فيكون من قبيل اغتسل للجمعة والجنابة فهناك قالوا انه اذا لم يمكن الالتزام بالوجوب بالنسبة الى الجمعة فحينئذ يسقط الظهور الاولي للوجوب بالنسبة للجمعة ويبقى على حاله بالنسبة الى الجنابة .
وهذا الجواب تخريجه يكاد يكون واضحا في المثال (اغتسل للجمعة والجنابة ) فضلا عن اغتسل للجمعة واغتسل للجنابة بناءا على الرأي الذي يقول ان دلالة الامر على الوجوب دلالة عقلية وليس لها علاقة بالظهور , فالأمر ليس ظاهرا في الوجوب وانما هو ظاهر في مطلق الطلب ويستفاد الوجوب من حكم العقل, فيكون الوجوب حكما عقليا صرفا وليس له علاقة بالألفاظ , وبناءا على هذا الرأي الذي التزم به جماعة من المحققين منهم السيد الخوئي (قد) يكون الجواب والتبعيض في الحجية مقبولا في المثال ( اغتسل للجمعة والجنابة) حيث ان هذه العبارة لا تدل الا على مطلق الطلب غاية الامر ان العقل يقول اذا امرك العقل بشيء فيجب الاتيان به والحكم العقلي معلق على عدم الترخيص من قبل المولى , فإذا كانت قرينة قائمة على الترخيص في غسل الجمعة , فأن الحكم العقلي يرتفع, اما غسل الجنابة فالمفروض انه ليس فيه ترخيص فلا داعي لرفع اليد عن الحكم بالوجوب من قبل العقل .
هذا الكلام في مقبول المثال(اغتسل للجمعة والجنابة) لكن هل هو مقبول في محل الكلام ؟ ام لا ؟ فالمسألة ليس فيها امر وطلب وانما الموجود فيها النقض أي انه حكم وضعي ولا معنى لأن يجعل من قبيل اغتسل للجمعة والجنابة , وانما الكلام فيه ظهور في الناقضية والمبطلية والفساد ولا يأتي فيه التخريج السابق لأن البطلان لا يحكم به العقل, بل يمكن ان يقال في محل الكلام ان اللفظ لما كان ظاهرا في معنى نفي الكمال (في الوضوء) فوحدة السياق تقتضي ان يكون كذلك في الامر الثاني (الصوم).
والذي يمكن ان يقال في المقام ان القرينة التي قامت في محل الكلام _ التي دلت على ان الكذب على الله وسوله لا يبطل الوضوء _ من اجماع وغيره هل توجب هدم اصل الظهور الاولي ؟ او انها غاية ما توجبه هو سلب الحجية ؟ وان المتكلم ليس مراده الجدي هو نقض الوضوء وانما مراده الجدي هو نفي الكمال ؟
فإذا كان الامر كذلك فأن الجواب السابق يكون مستحكما وذلك بأن يقال بأن هذا من قبيل حكم العقل في باب اغتسل للجنابة والجمعة فالظهور الاولي موجود بالنسبة الى كل منهما غاية الامر ان القرينة قامت على عدم ارادته بالنسبة الى الجمعة فلماذا نرفع اليد عن هذا الظهور (أي الظهور بالبطلان ) بالنسبة الى الصوم؟ فلا قرينة على عدم ارادته , وهذا هو معنى التبعيض بالحجية , وهذا التوجيه غير مبني على الحكم العقلي , لكن هل يمكن ان نجعل السياق قرينة على عدم ارادة هذا الظهور الاولي للنقض حتى بالنسبة الى الصوم؟ فالمقصود بالسياق في المقام هو ان يكون المراد من اللفظين الذين سيقا بسياق واحد شيئا واحد وحيث ثبت عدم ارادة الظهور الاولي بالنسبة الى الوضوء فلابد ان يكون كذلك بالنسبة الى الصوم , وحيث ثبت ارادة نفي الكمال بالنسبة الى الوضوء فلابد ان يكون هذا هو المراد بالنسبة الى الصوم .