18-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 398 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا ولكن المشهور كما ذكرنا ذهب الى العكس - يعني أن النيّة لابد وأن تصدر من الذابح وتتحقق منه - ، أما لماذا ؟
 يمكن أن تذكر في هذا المجال الوجوه الأربعة التالية:-
 الوجه الاول:- إن الذبح إذا دخلته النيابة وقَبِلَها فشرائطه كذلك تقبل النيابة بل لعلّ قبول الشرائط لذلك أولى ، وحيث أن من جملة الشرائط النيّة فلابد وأن تدخلها النيابة فيصير الذابح نائباً في النيّة.
 وإن شئت قلت:- إنه كما لو أنبنا شخصاً في الصلاة - الاستئجارية مثلاً - فينوب آنذاك في الشرائط مثل الوضوء وغيره من الشرائط - إذ لا معنى للنيابة في الصلاة دون الشرائط - وقبلنا بهذا هناك فلنقبله في المقام ، وهذا الوجه قد نقله صاحب المدارك(قده) عن منتهى العلامة حيث قال ما نصّه:- ( واستدل عليه في المنتهى بأن الذبح فعلً تدخله النيابة فتدخل في شرطه كغيره من الأفعال ، وهو حسن ) [1] . إذن صاحب المدارك(قده) استحسن هذا الكلام أيضاً.
 وفيه:- إنا لو أنبنا شخصاً في مجموع الصلاة فهنا نسلّم أن هذا المجموع ينتسب الى المباشر فالنائب هو الذي صلى لا أن المنوب عنه قد صلى فالفعل فعل النائب غايته أن الله عز وجل يخفف عن المنوب عنه بفعل النائب ومادام الفعل - أعني الصلاة - بالمجموع هي فعل النائب وتنتسب إليه فيلزم أن تكون الشرائط كالوضوء والقربة متحققة منه لا من المنوب عنه ، وهذا بخلافه في مقامنا فإن المفروض هو أن المكلف هو الآتي بالحجّ بنفسه غايته أنه في خصوص الذبح أمر شخصاً أن يذبح عنه فهنا الذبح ينتسب عرفاً الى الناسك الآمر وليس الى الذابح فيلزم أن يقصد الناسك القربة . نعم لو فرض [2] أني طلبت من شخصٍ العملَ بالكامل - وأقصد من ذلك الحج بالكامل كما هو الحال في العاجز فإنه يجهز رجلاً صرورة وهذا النائب الذي يأتي بالحج كاملاً - فيمكن أن يقال إن الحج ينتسب إليه لا أن المنوب عنه قد حجّ فيلزم أن يتحقق قصد القربة من النائب ، فهنا نسلّم بذلك ولكن المفروض في محلّ الكلام هو أن النائب نائباً في الذبح فقط ويعدّ مثله كالآلة وبالتالي ينتسب الذبح الى الناسك دون الذابح فقصد القربة يلزم تحققه من الناسك.
 الوجه الثاني:-أن يقال إن النيّة يلزم أن تكون من المباشر للعمل وحيث إن المباشر هو الذابح فيلزم أن يقصد هو القربة ، وهذا ما ذكره الفاضل الهندي في كشف اللثام تعليقاً على قول العلامة في القواعد عندما قال:- ( ويجوز أن يتولاها عنه الذابح ) فعلق كاشف اللثام فقال:- ( لأنه إذا ناب عنه في الفعل ففي شرطه أولى .... ولأنه الفاعل فعليه نيّته فلا تجزي حينئذٍ نيّة المنوب عنه وحدها لأنه إنما تعتبر من المباشر ..... نعم إن جعل يده مع يده نويا كما في الدروس لأنهما مباشران ) [3] ، وهذا الكلام واضحٌ في أن من يباشر العمل هو الذي يلزم أن تتحقق منه النيّة ، هذا ما فهم من كلام كاشف اللثام.
 وفيه:- إن هذه مجرد دعوى لم تقترن بدليل ، يعني هو قد قال إن النية تعتبر من المباشر ، وما الدليل على ذلك ؟ فإن هذا هو عين المدعى وهو مصادرة فكيف جعله دليلاً ؟!
 والصحيح أن يقال:- إن من ينتسب إليه الفعل يلزم أن تتحقق منه النيّة لأن المفروض هو أن الفعل ينتسب إليه ومادام ينتسب إليه فيلزم أن تتحقق النيّة منه ، ولكن في باب الذبح كما كرنا يرى العرف أن الذابح مجرد آلة وأن الفعل ينتسب الى الناسك فيلزم أن تتحقق النيّة من الناسك.
 الوجه الثالث:- ما ورد في النصوص من أن الضعفاء والنساء وغيرهما يرمون بليلٍ ويكّلون في الذبح ، وتقريب الدلالة هو أنه عليه السلام قال:- ( ويوكلون في الذبح ) والمقصود هو أنهم يوكّلون في الذبح وفيما يرتبط به من شؤونٍ ولوازمٍ والتي أحدها النيّة ، وقد يظهر من صاحب الجواهر الميل الى ذلك فإنه قال:- ( الى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز التوكيل الظاهر في الذبح ونيّته ) [4] . اذن هذا تمسك باستظهارٍ عرفيّ وأن ظاهر قول الأمام ( يوكل في الذبح ) يعني فيه وفي توابعه.
 وفيه:- إن العهدة في هذا الفهم والاستظهار على مدّعيه فإنا لا نفهم ذلك بل نفهم أنه يوكّل في الذبح أما مَن الذي ينوي فالإمام ليس بصدده ولعله لوضوح المطلب سكت الامام عليه السلام فلعلّه أنت الذي وكلّت تقصد القربة بذلك وذلك الشخص يذبح لك فذاك مجرد آلة.
 الوجه الرابع:- ما ذكره السيد الروحاني(قده) حيث قال ما نصّه:- ( ثم إن النيّة يتولاها الذابح لأن الذبح فعله الارادي فيصحّ منه قصده وتنتسب الى الداعي إليه ولا معنى لاعتبار نيّة الموكّل إذ لا معنى لتعلّق قصده وداعيه بفعل الغير الارادي ) [5] ، ومحصّله إن الذبح فعلٌ صدر بالإرادة والاختيار من الذابح وما دام هو كذلك فيلزم أن يقصد هو القربة ولا معنى لأن يقصد الموكّل القربة بالفعل الارادي لغيره.
 وجوابه ما اتضح حيث نقول:- صحيح أن الذبح فعلٌ إراديّ صدر من الذابح ولكن العرف يرى أنه مجرد آلة ويرى أن الذبح ينتسب الى الناسك فيقال إن الحاج قد ذبح ومادام ينتسب إليه فلابد وأن تتحقق القربة منه.
 إذن هذه الأدلة الأربعة قابلة للمناقشة.
 ولكن هناك من يظهر منه التفصيل في المسألة:- ونذكر في هذا المجال تفصيلين ثم نلحقهما بالتفصيل الذي نتبناه ونختاره فالتفاصيل إذن ثلاثة:-
 التفصيل الأول:- ما يظهر من صاحب الجواهر(قده) [6] وحاصله:- إن الناسك تارةً يوكّل القصّاب في الذبح فقط لا أكثر وهنا يلزم أن تتحقق النيّة من الناسك إذ المفروض أنه قد وكّله في الذبح فقط دون الذبح مع النيّة ، وأما أذا وكّله في المجموع فتكون النيّة آنذاك وظيفة الذابح المباشر ، هكذا يظهر منه(قده).
 وقد اتضح جوابه حيث نقول:- إن هذا الفعل مادام في النظر العرفي يعدُّ منسوباً الى الناسك وأن الذابح مجرد آلة فلابد وأن تتحقق النيّة من الناسك دون الذابح باعتبار أن هذا فعله وليس فعلاً للذابح.
 التفصيل الثاني:- ما تبناه الشيخ النائيني(قده) ومن قبله الشهيد في الدروس والفاضل الهندي في كشف اللثام وحاصله:- إن الناسك تارةً يضع يده على يدِ القصّاب حينما يذبح الهدي - لأنه يوجد عندنا في الرواية أنه يستحب وضع اليد مع القصّاب حين الذبح أو عن الطفل - وأخرى لا يضعها ، فإن وضع يده فالنيّة لابد وأن تتحقق منهما معاً لأنهما المباشران للذبح ، وأما إذا لم يضع يده معه فتكفي حينئذٍ نيّة الذابح المباشر ، وقد ذكر الشيخ النائيني(قده) هذا في متن دليل الناسك حيث قال ما نصّه:- ( ولو استناب في الذبح والنحر فإن أخذ الذابح بيده فذبح نويا جميعاً وإلا نواه النائب ولو نوى الناسك وحده على اشكال ) ، ونفس هذا المضمون نقلناه قبل قليل عن كشف اللثام فقد تقدم في تلك العبارة أنه قال:- ( نعم إن جَعَلَ يده مع يده نويا كما في الدروس لأنهما مباشران ).
 وجوابه قد اتضح حيث نقول:- إن النيّة يلزم أن تتحقق ممن ينتسب إليه الفعل عرفاً ومجرد وضع الشخص يده على يد القصّاب لا يؤثر في شيئاً لأن الذبح بالتالي ينتسب الى الناسك سواء وضع يده أم لم يضعها فوضع اليد وعدمه لا يؤثر شيئاً من هذه الناحية بعد انتساب الفعل الى الناسك دون الذابح فالتفرقة بهذا الشكل لا وجه لها.
 والتفصيل المناسب ما أشرنا إليه قبل قليل وذلك بأن يقال:- تارةً يكون النائب نائباً في الحج بكامله وأخرى يكون نائباً في خصوص الذبح ، فإذا كان نائباً في العمل بالكامل ففي مثله ينتسب العمل الى النائب وليس الى دافع المال فدافع المال لا يقال في حقه عرفا أنه قد حجّ وإنما يقال قد حُجَّ عنه ، ومعه يلزم أن تتحقق النيّة من النائب بلحاظ كلّ فعلٍ باعتبار أنه هو الذي ينتسب إليه الفعل عرفاً ، وأما إذا فرض أنه كان نائباً في مجرد الذبح فالعرف لا ينسب الذبح الى النائب بل يراه مجرد آلة وينسبه الى الناسك فيلزم أن تتحقق النيّة من الناسك.
 وبهذا ايضاً يتضح الفرق بين النيابة في الذبح والنيابة في الرمي والطواف فإنه في الذبح ذكرنا أن النيّة لازمة من الناسك لانتساب الفعل إليه ، وهذا بخلاف ما لو فرض أني أنبت شخصاً في الطواف أو في السعي أو الرمي فهنا تلزم النيّة من النائب والنكتة واضحة باعتبار أن الطواف لا ينتسب الى الناسك وهكذا الرمي والسعي ولذلك يعترف الناسك ويقول إنيّ لم أوفق الى الطواف والسعي والرمي بل فعل ذلك الغير عنيّ بخلافه في الذبح فإنه لا يقول إني لم أوفق الى الذبح . إذن الميزان هو ما أشرنا اليه.


[1] مدارك الأحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص18.
[2] وهذا ما سوف ننبّه عليه فيما بعد إنشاء الله تعالى.
[3] كشف اللثام، الفاضل الهندي، ج6، ص174.
[4] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص118.
[5] المرتقى، الروحاني، ج2، ص338.
[6] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، ج19، ص119.