17-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 398 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وقد يقال:- إن سيرة المتشرعة قد انعقدت على ذلك - يعني على النيابة وعدم تصدي الناسك بنفسه للذبح أحياناً - ونشاهد الآن سيرة المتشرعة هي على ذلك فالكثير منّا يكلّف صاحب الحملة أو أشخاصاً آخرين بذلك ولازم ذلك كفاية النيابة.
 وهذا الوجه وجيهٌ لو تمّت الصغرى أي لو ثبت أن السيرة قد انعقدت على ذلك في ذلك الزمان أما أنه في هذا الزمان قد انعقدت من دون أن تنعقد في ذلك الزمان فهذا شيءٌ لا يكفي وبعض السير نجزم بأنها قد انعقدت حتى في الزمان السابق حيث تقتضيها حيثياتٌ عقلائية أو غير ذلك كسيرة المتشرعة على العمل بخبر الثقة فإنا لا نحتمل أن هذه السيرة هي ثابتة في زماننا وليست ثابتة في الزمن السابق إن هذا يلزم منه اختلال نظام المعيشة ولو كان لبان هذا الارتباك والحال أنه لم ينقل هذا الشيء فيحصل جزمٌ بأن هذه السيرة على العمل بخبر الثقة في زماننا ليست حادثة ، وأما هذه السيرة - أي على تصدي الغير للذبح بالنيابة - فمن المحتمل أنها لا تكون ثابتة في الزمن السابق بل نشأت في الزمن المتأخر نتيجة عدم معرفة بعضٍ بكيفية الذبح أو لفتاوى الفقهاء أو لِما شاكل ذلك . إذن الجزم بذلك شيء مشكل . نعم نحن نقبل أن البعض كان يجعل نائباً في الذبح كالنساء والعَجَزَةِ فلا يحتمل أن النساء والعَجَزَةَ يذبحون أما أن نقول إن الأصحّاء والذين لا عذر لهم كانوا يصنعون ذلك فالجزم به شيءٌ صعب.
 إذن هذه الوجوه الأربعة لإثبات جواز النيابة في الذبح هي محلّ إشكال.
 والأوجه أن يستدل بالوجهين التاليين:-
 الوجه الأول:- لو رجعنا الى مدرك اعتبار الذبح لا نجد فيه التعبير بالذبح - يعني ( عليك أن تذبح ) أو ( عليك ذبح حيوان ) - وإنما الموجود في تلك الأدلة المهمّة كصحيحة زرارة التي استندنا إليها سابقاً قالت:- ( وعليه الهدي ) وليس ( عليه ذبح الهدي ) بل حتى لو استندنا الى الآية الكريمة فإنها تقول:- ( فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي ) ولم تعبّر بالذبح ، وإذا استندنا الى السيرة والارتكاز والضرورة فهي كما نعرف أدلة لبيّة والقدر المتيقّن منها أنه يلزم الهدي أما أن يذبحه الناسك بنفسه فلا تدلّ عليه . إذن لو رجعنا الى مدارك اعتبار الهدي لوجدناها قاصرة من البداية عن اثبات الذبح وعنوان الذبح ، وعلى هذا الأساس لا نحتاج الى دليلٍ لإثبات جواز النيابة بعدما كان الدليل في حدّ نفسه لا يقتضي اعتبار المباشرة إذ قد عبّر بالهدي فقال ( عليه الهدي ) وهذا صادقٌ عليه أنه هديٌ سواء تصدّى الناسك بنفسه للذبح أو لم يتصدَّ.
 الوجه الثاني:- لو فرض أن بعض الروايات صرّحت وقالت ( عليه الذبح ) بحيث بيّنته من باب ما اشتغلت به الذمة لا أنه كوسيلة ولكن نقول إن العناوين العرفيّة هي على قسمين فبعضها لا يقبل النيابة بل تلزم فيه المباشرة من قبيل الأكل والشرب والنوم والاجتهاد والزواج وما شاكل ذلك فلا معنى لأن أنيبك في الأكل ولو أنت أكلت وقصدت النيابة عنيّ لا يَصدُق أنيّ قد أكلت ... وهكذا النوم وما شاكل ذلك ، وهناك عناوين أخرى قابلة لذلك بحيث يكون من أناب غيره في مثل تلك العناوين لانتسب إليه الفعل - أي انتسب الفعل الى المنوب عنه أي من جعل النائب وطلب منه الفعل - ولصدق عليه ذلك من قبيل:- ( من بنى مسجداً ولو كمِفحَصِ قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة ) ففي مثل هذه الحالة هل يلزم أن أتصدى بنفسي لبناء المسجد وأضع طابوقه بيدي ؟ كلا بل لو أتيت بعمّالٍ يؤدون هذا العمل لصدق حينئذ أني بنيت هذا السجد وينتسب إليَّ البناء ولا ينتسب الى العامل فلو قال العامل أنا بنيته لقيل له كلا أنت لم تبنه بل الذي بناه هو الذي دفع المال وأمر بالبناء وهذه قضيّة واضحة ، وحينئذ نقول إن الذبح من هذا القبيل فلو فرض أن شخصاً لم يتصد هو لذبح الحيوان كأن طلب من غيره ذبحه فحينئذ ينتسب الذبح الى الشخص الآمر فيقال إن فلان - أي الآمر - قد ذبح ولا ينتسب الى الفاعل بل يرون ذلك مجرد وسيلة وهذه نظرة عرفيّة مسلّمة ، وعليه فالذبح ينتسب الى الناسك مادام قد أمر غيره بالتصدي لذلك فيصدق على الناسك أنه ذبح ، كما يصدق لو طلب من الغير أن يصنع طعاماً وأطعم الناس فـ( عمرو العلا هشم الثريد لقومه ) بمعنى أنه كان يأمر مَن تحت يده وهذه نسبة عقلية وهنا كذلك أيضاً ينتسب الذبح اليه . إذن لا مشكلة من هذه الناحية فيعود الحكم - أي جواز النيابة - على طبق القاعدة بعد كونه من العناوين القابلة للنيابة عرفاً.
 النقطة الثانية:- يلزم أن يكون في الذابح مسلماً.
 وقبل أن نواصل بيان هذه النقطة كانت قراءتنا لمتن المسألة يشتمل على نقيصة لأن المتن الذي قرأناه كان من الطبعة القديمة للمناسك وأما الطبعة الجديدة ففيها إضافة وهي هكذا:- ( الذبح الواجب هديا أو كفارة لا تعتبر المباشرة فيه بل يجوز ذلك بالاستنابة في حالة الاختيار أيضاً ولابد أن يكون الذابح مسلماً وأن تكون النية ..... ) فهنا توجد إضافة حكم آخر .
 وعلى أي حال النقطة الثانية هي أنه يلزم في الذابح أن يكون مسلماً والوجه في ذلك هو أن الاسلام شرط في الذي يتصدى للذبح فكما أن التمسية واستقبال القبلة هما من شرائط نفس من يتصدى للذبح كذلك الاسلام هو شرط في الذي يتصدى للذبح فلو فرضنا أن الذي يتصدى للذبح لم يسمّ ولكن الآمر سمّى فهذا لا يكفي بل لابد وأن يسمّ نفس الذابح ، وهكذا الاسلام فمجرد كون الآمر مسلماً لا يكفي بل يلزم أن يكون الذباح مسلماً وهذا شيء واضح . وأما الايمان فهل هو شرط في الذابح ؟ كلا باعتبار أن الاسلام قد دلّ الدليل على شرطيته وأما الايمان فهو ليس بشرطٍ ، نعم بناءً على أن شرط صحة الأعمال هو الايمان - بمعنى أن من لم يكن مؤمناً فعمله باطل يشترط ذلك وقد ذهب الى ذلك جماعة منهم السيد الخوئي(قده) وأتذكر أنا بمناسبةٍ قد أشرنا لذلك وقد استدل(قده) بنصوصٍ دلت على أن شرط قبول الأعمال الولاية ( فلو أن رجلاً صام نهاره وقام ليله ..... ) ، وأجبنا هناك بأن هذه النصوص ناظرة الى مسألة القبول وليس الى الصحة وفرقٌ بين الاثنين فنحن مثلاً قد نصلّي وذهننا في مكانٍ آخر فمثل هذا العمل صحيحٌ ويفرّغ الذمة أو لا ؟ نعم هو صحيح ولا يقال فقهياً تلزمك الاعادة من جديد ، ولكن هل هو مقبولٌ عند الله عز وجل الذي ورد أنه ( من قبلت منه صلاة واحدة دخل الجنة ) أو أن الصلاة ( إن قبلت قبل ما سواها ) فالقبول مرحلة أعلى ( إنما يتقبل الله من المتقين ) فلا يلزم أن نجعل القبول والصحة نفس الشيء ، وعلى أي حال لو بنينا على أن أعمال غير المؤمن باطلة فرغم ذلك لا نشترط في الذابح أن يكون مؤمناً باعتبار أن الفعل منتسب الى الآمر فالأمر هو الذي ذبح والفروض أنه مؤمن وذاك مجرد آلة كما لو فرض أن العمال الذين كانوا يبنون المسجد لم يكونوا مؤمنين أو ليس بمسلمين فهل هذا يضر بصحة العمل ؟ كلا إن ذاك مجرد آلة والعمل ينتسب الى الآمر وهذا ينبغي أن يكون من المطالب الواضحة.
 النقطة الثالثة:- من الذي ينوي فهل هو الآمر أو المباشر - أي القصّاب - ؟ ومقصودنا من النيّة هي نيّة القربة فقصد القربة ممن يلزم أن يتحقق ؟
 المنسوب الى المشهور بل قد يدّعى عدم الخلاف فيه هو أن المتصدّي يلزم أن ينوي ، قال في الجواهر(قده):- ( يتولاها النائب بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد ) [1] ، وقال الفاضل الهندي الاصفهاني(قده) في كشف اللثام:- ( لأن النيّة إنما تعتبر من المباشر ) [2] ، وذكر الشيخ النائيني(قده) في متن دليل الناسك أن الذي ينوي هو النائب - أي وافق المشهور - ثم قال:- ( ولو نوى الناسك وحده أجزأ على إشكال أحوطه أن ينويا جميعاً ) [3] .
 وعلى أي حال يمكن أن يدّعى أن المشهور هو اعتبار تحقق النيّة من المباشر.
 ولكن المناسب أن تكون من المتصدي كما ذكر السايد الماتن:- والوجه في ذلك هو أن مَن ينتسب إليه العمل هو الذي يلزم أن ينوي القربة أما من لم ينتسب إليه العمل عرفاً فلا يلزم في حقّه النيّة وقد قلنا في مقامنا إن الذبح ينتسب الى الآمر فأنا الحاج الذي قلت لغيري اذبح عنيّ أنا الذي ينتسب إليّ أني قد ذبحت فليزم الآن أن أنوي أما ذاك فيراه العرف أنه مجرد واسطة ولا يصح في حقه أن يقال هو الذابح ، إن هذا نظير ما إذا قال عامل البناء أني بنيت المسجد فنقول له كلا بل أنت مجرد آلة فأنت لا يلزم في حقك القربة بل الذي ينتسب إليه الفعل عرفاً هو من دفع الأموال وأمر بالبناء فيلزمه أن يقصد القربة.
 إن قلت :- إنه في باب الصلاة والصوم والحج كيف يؤتي بها بعنوان النيابة عن الغير فالإنسان الذي لم يصلّ فبعد وفاته تدفع أموالٌ للصلاة عنه فيأت الغير بالصلاة عنه وهكذا من لم يصُم يدفع عنه مالٌ بعد موته بل في الحج لا يلزم أن يكون بعد الموت فإنه في بعض الحالات في الحياة أيضاً تجوز النيابة كمن استطاع مالاً ولم يستطع بدناً كأن كان مريضاً مرضاً مستمراً فهنا يلزم أن يجهّز رجلاً صرورة ويبعثه نائناً ففي هذه الموارد هل يلزم أن يتحقق قصد القربة من المتصدي المباشر الذي يصليّ ؟ نعم إن الذي يصلي يلزم أن يقصد القربة أيضاً والذي يحج كذلك وهكذا بالنسبة الى الصوم فكيف هنا قيل بأنه يلزم تحقق قصد القربة من المباشر وما الفارق بين هذا وبين مقامنا ؟
 قلت:- إنه في هذه الموارد لا ينتسب الفعل الى المنوب عنه فلا يقال إن هذا الشخص العاجز عن الحج قد حجّ ولذلك لو سئل وقيل له هل حججت فيقول كلا لم أحج وإنما جهزّت رجلاً ، وهكذا بالنسبة الى الصلاة أو الصوم خصوصاً إذا كان المنوب عنه ميتاً . إذن العمل ينتسب الى الفاعل المباشر غايته أن الشريعة جعلت هذا العمل موجباً للتخفيف عن المنوب عنه فالعمل عمل النائب لا عمل المنوب عنه غايته أنه رغم كونه عمل النائب ولكنه يفرّغ ذمة المنوب عنه فيعتبر القربة منه - أي من النائب - بخلافه في المقام فإن الذابح لا يُنسَب إليه الفعل وإنما ينسب الى الآمر فيلزم أن يكون الآمر هو القاصد للقربة . وبهذا يتضح الفرق بين المقامين بين باب الذبح وما كان على منواله مثل بناء المسجد فإن الفعل يُنسَب الى الآمر وليس الى المباشر وبين مثل الصلاة والصوم والحج فإنها لا تُنتسَب الى المنوب عنه وليست هي فعلٌ له وإنما هي فعلُ النائبِ غايته أن فعل الغير يخفّف في الشريعة عن المنوب عنه.


[1] جواهر الكلام ، النجفي الجواهري، ج19 ، ص118.
[2] كشف اللثام، الفاضل الهندي، ج6، ص174.
[3] دليل الناسك ، النائيني، ص381.