35/04/19


تحمیل
الموضوع: الصوم مسألة 13
اشرنا للجهة الاولى التي تفرق بين هذه المسألة ومسألة نية القطع للصوم ومنافاتها لصحته التي سيأتي بحثها .
اما الجهة الثانية : تقييد هذه المسألة ( محل الكلام ) بالزوال وعدم تقييد تلك المسألة به كما في عبارة المحقق في الشرائع (لو عقد نية الصوم، ثم نوى الإفطار ولم يفطر، ثم جدد النية، كان صحيحا)[1].
وقلنا ان جهة البحث الرئيسية هي ان ادلة الصحة المتقدمة هل تشمل هذا الفرض ؟ ام لا ؟
والوجه في هذا التوقف , ان مورد ادلة الصحة المتقدمة هو من لم ينوي الصوم اصلا , وفرض محل كلامنا هو من نوى الصوم , ثم نوى الافطار ثم بدا له ان يصوم , وذكرنا اجوبة لهذا التوقف , منها رواية صالح بن عبدالله , حيث قيل انها تشمل محل الكلام .
اقول ان هذه الرواية ليست كذلك , لعدم نظرها الى مسألة تصحيح الصوم بتجديد النية قبل الزوال , لأن السؤال الاول فيها كان عن جواز الافطار بعد ان عقد نية الصوم , والسؤال الثاني عمن لم ينوي الصوم ثم بدا له ان يصوم وكلاهما ليسا محل كلامنا .
هذا من ناحية الدلالة اما من ناحية السند فالظاهر ان صالح بن عبدالله (راوي هذه الرواية ) مجهول الحال .
قد يقال بإمكان توثيقه برواية ابن ابي عمير عنه كما يروي ذلك الشيخ الطوسي في التهذيب (وعنه ,عن ابن أبي عمير، عن صالح بن عبد الله (قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : إن أخي حبس فجعلت على نفسي صوم شهر فصمت، فربما أتاني بعض إخواني فأفطرت أياما أفأقضيه ؟ قال : لا بأس)[2]
واثبات رواية ابن ابي عمير عن صالح بن عبدالله في هذه الرواية يترتب على صحة السند فيها .
فقول الشيخ الطوسي في السند ( وعنه ) أي عن هارون بن مسلم , ولا اشكال في نفس هارون بن مسلم , لكن الاشكال في طريق الشيخ الطوسي اليه , فالشيخ الطوسي لم يذكر طريقا اليه في المشيخة , وقد ذكر طريقا في الفهرست بهذه العبارة (له روايات عن رجال الصادق عليه السلام، ذكر ذلك ابن بطة، عن أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم، عنه. وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عنه)[3] والمقصود بمحمد بن ابي القاسم ماجيلويه وهو ثقة وكثيرا ما يقع في الطرق , والكلام في هذا الطريق الذي يذكره الشيخ الطوسي (وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عنه) وهو طريق صحيح , لكن هل هو طريق الى كل ما يرويه هارون بن مسلم او لخصوص ما يرويه عن رجال الامام الصادق عليه السلام , فالأول يكون نافعا في محل الكلام لأنه يروي رواية بأسناده عن هارون بن مسلم والمفروض ان طريقة اليه صحيح في جميع رواياته وهذه الرواية من جملتها فيثبت بها ان ابن ابي عمير روى عن صالح بن عبدالله , والثاني ( أي على القول انه طريق لخصوص رواياته عن رجال الصادق عليه السلام ) , او لا اقل في حال التشكيك في ذلك والالتزام بالقدر المتيقن منه وهو خصوص رواياته عن رجال الامام الصادق عليه السلام , حينئذ من الصعب تطبيقه على هذه الرواية لأن هارون بن مسلم يروي فيها عن ابن ابي عمير وهو ليس من رجال الصادق عليه السلام , ثم يقول الشيخ الطوسي واخبرنا , وظاهر العبارة_ اخبرنا ابن ابي جيد عن ابن الوليد عن عبدالله بن جعفر الحميري عنه _ أي اخبرنا[4] برواياته التي ذكر ابن بطه انها عن رجال الصادق عليه السلام , وعلى كل حال فأن لم نستظهر هذا المعنى ولم نحتمله , امكن الاستدلال بها والا , فهو يمنع من الالتزام بروايات الشيخ الطوسي عن هارون بن مسلم , الا ما رواه هارون بن مسلم عن رجال الامام الصادق عليه السلام والذي يؤيد هذا المعنى انه لم يذكر شيئا اخر عن هارون بن مسلم غير هذا , فلم يقل مثلا له روايات او له اصل.
فالظاهر التوقف في المقام لعدم ثبوت رواية ابن ابي عمير عن صالح بن عبدالله .
الرواية الثانية في الجواب الاول هي موثقة عمار عن ابي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام ؟ قال : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى الافطار فليفطر. سئل فإن كان نوى الافطار يستقيم أن ينوى الصوم بعد ما زالت الشمس ؟ قال : لا)[5] وفيها خصوصية تختلف عن الروايات الاخرى , حيث انها سؤال مباشر عن ان قضاء شهر رمضان متى تكون نيته (وليس فيه فرض نية الصوم مسبقا وعدمها ) , بخلاف الروايات الاخرى (حيث يُفرض فيها رجل اصبح وبدا له ان يصوم فمتى يجدد النية ) , فموثقة عمار مطلقة يمكن الاخذ بأطلاقها في انه بالخيار الى ان تزول الشمس سواء لم ينو الصوم اصلا او نواه ثم افطر ثم اراد ان يجدد النية قبل الزوال , والظاهر ان هذا الاطلاق تام , ويمكن التمسك به بشرط عدم وجود مفهوم _ينفي الصحة عمن نوى الصوم سابقا _ في الروايات الاخرى (الواردة في من لم ينو الصوم اصلا) , اما على فرض وجود المفهوم فيها فأنه يقيد هذه الرواية , لأنها وان كانت بأطلاقها تشمل من نوى الصوم ثم نوى الافطار ثم نوى الصوم , لكن مفهوم تلك الروايات _على فرض وجوده_ يفرض انحصار صحة الصوم في حال عدم نيته اصلا , اما على القول ان تلك الروايات ليس لسانها لسان المفهوم النافي لصحة الصوم في محل الكلام , فلا اشكال في امكان التمسك بأطلاق الموثقة .
الجواب الثاني : ان نقول ان الروايات يمكن شمولها لمحل الكلام كما يقول السيد الخوئي (قد) (إذ بعد ما رفع اليد عما نواه من الصوم أولا فمرجعه إلى عدم كونه ناويا للصوم فعلا، إذ قصد العنوان مما لا بد منه في البقاء على الصوم، فهو حينما قصد الافطار خرج عن هذا العنوان وصدق عليه أنه ليس بصائم، فيشمله اطلاق النصوص المتقدمة الدالة على جواز تجديد النية لغير ناوي الصوم وأنه بالخيار إلى ما قبل الزوال، ومن الواضح أن نية الصوم السابقة الزائلة لا تزيد على عدمها فلا تقدح في الاندراج تحت اطلاق النصوص وأما نية الافطار فلا تضر إلا من حيث فقد نية الصوم، والمفروض أن غير الناوي ما لم يستعمل المفطر محكوم بجواز التجديد فلا مانع من الحكم بصحة الصوم بمقتضى تلك الأخبار .)[6].
وهذا اعتراف في ورود الاخبار في خصوص من لم ينو الصوم لكن يمكن تعميمها لمحل الكلام بإعتبار أن نية الافطار تلغي نية الصوم وتجعلها بحكم العدم فيكون ممن لم ينو الصوم فتشمله الادلة .
وهذا الكلام يبدو كأنه خُلف الفرض لأن مرجعه الى دعوى الاطلاق في الاخبار وشمولها لمحل الكلام , والمفروض انها _غير موثقة عمار _واردة في من لم ينو الصوم اصلا .
وهي ظاهرة في من لم ينو الصوم اصلا وليس فيها اطلاق.
مثال ذلك: ( قلت له الرجل يصبح لا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم ) فالرواية تصرح بأنه (يصبح لا ينوي الصوم ) فكيف تشمل محل الكلام ؟!
الرواية الاخرى ( عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب .....اله ان يصوم وقد ذهب عامة النهار )
رواية اخرى ( في الرجل يبدو له بعدما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ....... ولم يكن نوى ذلك من الليل ) فهذه الروايات يصعب القول بشمولها لمحل الكلام , حتى على فرض ان نية الافطار تلغي نية الصوم المتقدمة عليها , فأن ذلك لا يجعل محل الكلام داخلا في اطلاق الروايات .
الجواب الثالث : وهو يرجع الى دعوى شمول الاخبار المتقدمة لمحل الكلام لكن ليس بالبيان المتقدم وانما بإلغاء الخصوصية , بأن نعترف ان مورد الروايات السابقة هو من لم ينو الصوم اصلا , لكن نلغي هذه الخصوصية , بأن نقول ان مورد الروايات وان كان في من لم ينو الصوم اصلا لكن هذا ليس له دخل في الحكم بجواز تجديد النية الى ما قبل الزوال , خصوصا ان افتراض (من لم ينو الصوم ) الوارد في الروايات مطروح من قبل السائل وليس من الامام عليه السلام , وسياق هذه الروايات هو النظر الى امتداد وقت النية الى ما قبل الزوال , واما عدم نية الصوم اصلا الذي ذكر من قبل السائل فليس له دخل في الحكم , وعند الغاء خصوصيته يمكن شمول الحكم لمحل الكلام .
اقول : العمدة في أثبات الصحة في المسألة هي موثقة عمار ويؤيَد بالجواب الثالث عند تماميته وهو غير بعيد , ويظهر ذلك من خلال اجوبة الامام عليه السلام التي لم تقيد جوابا (بمن لم ينو الصوم) .
فالصحيح هو ما ذكره الماتن من انه لا فرق بين عدم نية الصوم اصلا وبين تقدم نية الصوم بهذا الشكل الذي ذكره